ساحة الصفاة .. في حدها الحد بين الجد واللعب

"في حده الحد بين الجد واللعب" ينطبق شطر بيت الشعر الشهير، للشاعر أبي تمام، على حال ساحة الصفاة الواقعة في منطقة قصر الحكم في العاصمة الرياض، الجامعة لأبرز متناقضين أمام الإنسان ألا وهما: الحياة والموت.
الساحة على امتداد تاريخها الطويل، ظلت مكانا مخصصا لإقامة الحدود الشرعية التي تقضي في أغلبها بجزاء القتل على الآثمين في وضح النهار.
ومع نسمات الليل تشهد تجمعات أهالي الرياض في الأيام الاعتيادية لقضاء الوقت في الهواء الطلق، وخلال الأعياد تتوزع على محيطها الفعاليات الترفيهية.
وتشهد المناطق المحيطة بساحة الصفاة، المعروفة لدى بعضهم باسم ساحة الديرة، في الرياض القديمة، خلال أيام عيد الفطر الحالي، فعاليات ترفيهية تتولاها أمانة الرياض، التي دأبت على تنظيمها في موسمي العيدين، وهي بخلاف الصورة الذهنية النمطية المعروفة عن الساحة المهيبة المرتهنة بأمر السيف في الأيام العادية، بعد أداء الصلاة في جامع الإمام تركي بن عبدالله المقابل لها، الذي كان شاهدا على وداع ملوك البلاد السابقين.
وخلال أول أيام عيد الفطر، احتضنت ساحات منطقة قصر الحكم المحتضنة لقصر المصمك العظيم، فعاليات سميت "رياضنا عيد"، تنوعت ما بين العرضة الشعبية في ميدان العدل، وأنشطة مخصصة للأسرة والطفل في قصر المصمك - حيث سكن المؤسس ومقر حكمه- بخلاف شارع الثميري الذي اعتاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على الشراء من أحد دكاكينه في أيام الطفولة.
ولم يغفل المتخصصون في التراث حول العالم أن ينظروا إلى منطقة قصر الحكم في مدينة الرياض التي نفذتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بعين الاحترام والتقدير، حيث صنفوها ضمن أفضل الساحات في العالم، بين 39 ساحة شهيرة في تسع مدن كبرى جميعها من القارتين الأوروبية والأمريكية.
والأروع والأجمل والأوفى في لوحات الاحتفالات الزاهية، جدارية تمتد على 25 مترا، لشهداء الواجب من بواسل القوات المسلحة السعودية، الذين ضحوا بأرواحهم لأجل حماية أكثر من 30 مليون إنسان يعيشون على أرض المملكة.
ويسكن عبق التاريخ في المنطقة المحيطة بقصر الحكم، فمنها بدأت حكاية توحيد 2.150 مليون كيلو متر مربع على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، قبل ثمانية عقود، وتحقيق واقع قضى على الفرقة والشتات، وأوجد حياة جديدة بصورة تعكس قدرة هذه المنطقة في بث الفرح، كما يحدث حاليا في العيد، والموت لكل من يريد السوء بهذا الوطن.
وتعد المنطقة هي قلب العاصمة النابض، مهما امتد العمران وسيطرت الحداثة على مبانيه، تظل هي بمبانيها القديمة وجهة الباحثين عن الماضي الذي كان وسيظل فخرا لأجيال وأجيال تبحث عن التاريخ في زواياها التي تمتد على مساحة تتجاوز حدود كامل المدينة قبل أكثر من 100 عام.
ورغم أن ساحة الصفاة - رسميا، لا تحتضن أي فعاليات، بيد أنها تشهد أهم فعالية في الحياة والمتمثلة في اجتماع الأسر المليئة بالفرح والعيد.وقد بدأ مجد المنطقة في الانحسار تدريجيا بسبب انتقال بعض أنشطتها إلى المناطق الأحدث من المدينة التي كانت تتطور باطراد مذهل، لكن تم إطلاق برنامج لتطوير المنطقة يهدف إلى إعادة تأهيلها لتستمر في أداء دورها مركزا لمدينة الرياض عاصمة السعودية.
وأبرز ما يجذب المتيمين بعبق التاريخ والباحثين عن أشياء افتقدوها بين عمران المدن، قصر الحكم، مجمع سويقة التجاري، ساحة المصمك، ميدان العدل، جامع الإمام تركي بن عبد الله، ساحة الصفاة، ساحة الإمام محمد بن سعود، مركز المعيقلية التجاري، سور المدينة القديم وبواباته التاريخية، وسوق الزل. وفي عام 2002، اختارت جمعية المعماريين الدنماركية، ساحات منطقة قصر الحكم في مدينة الرياض التي نفذتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ضمن أفضل الساحات في العالم، وذلك في كتاب الساحات الجديدة للمدن الذي أصدرته الجمعية، وتضمن 39 ساحة شهيرة في تسع مدن كبرى حول العالم، جميعها من القارتين الأوروبية والأمريكية، باستثناء ساحات ميدان العدل وساحة الإمام بن سعود وساحة الصفاة في رياض نجد المتمركزة في قلب خريطة العالم، باعتبارها أفضل ساحات في العالم لمميزاتها العمرانية.