الصورة والرمز والأسطورة

الصورة والرمز والأسطورة

إن ما يجعل الشعر المحكي ينحو منحى الشعر الفصيح في المجازات والاستعارات والمحسنات كونه يمتاز بأنه شديد العناية بالصورة والرمز والأسطورة والتخيل وإن ضبط اللهجة التي يعبر بها ضبطا دقيقا معززا بمظاهر النبر والتنغيم والجرس والمزاوجة والتورية والكلام العادي الجاري مجرى المثل في اللهجة الشعبية وإن ورود الشعر النبطي على سنن العروض مشروط خضوعه لقانون اللهجة العربية السائدة في الحجاز والخليج العربي مقابل إن أنشدها بالشعر عربي منتم إلى لهجة أخرى ربما عرض إنشاده هذا إلى كسر عروضه ولا بأس من الاستفادة من العروض العربي كأن يعتمد على الأسباب والأوتاد والفواصل في تأطير الإيقاع وما يدل على ذلك ما يحصل في شعر الحساني والملحون والنبطي والزجل. وعليه فقد جاء نص الشاعر النبطي ابن لعبون الذي يتضمن المادة الأسطورية والواقع الواقعي والواقع المتخيل والزمان والمكان من خلال الرواية التي مؤداها أن (ميا) كانت ترقص في محفل غنائي مقنعة الوجه تمنى الشاعر أن يرى وجهها الصبوح ان يطلب منها على لسان أحد الوسطاء الذي يدعى ( علي) أن تبيعه قناعها كان هذا ما فجر لوعته التي تمخض عنها هذه الأبيات التي تعكس المدى العميق الفاصل بينه وبين (مي) زمانا ومكانا وتقاليد وأعرافا يقول فيها :

يا علي صيح بالصوت الرفيع
للمره قل تبيعين القنـــاع
قل لها المهرة الصفرا الصنيع
سنها عندكم وقم الربـــاع
نشتري منك كان أنك تبيـع
بالعمر مير ما ظني تبــاع
شاقني يا علي قمرا وربيـع
يوم أنا ميمر وأمري مطـاع
يوم أهلنا وأهل مي جميـع
نازليـن على جال الرفــاع
ضحكتي بينهم وأنا رضيـع
ما سـوت بكيتي يوم الوداع
هم بروني وأنا عودي رفيع
يا علي مثلما تبـرى اليراع
طوعوني وأنا ما كنت اطيع
وغلبوني وأنا ظفر شجـاع
وجد عيني على ظبي تليـع
عندكم كـن في خده شمـاع
وانت يا لايمي جعلك تضيع
ما تماري بها مثل الشعـاع
ودي أسلاه والكون الفنيـع
سلوتي يا علي ما تستطـاع
شيبتي وأنا توي رضيــع
جاهل توي في سن الرضاع
دون مي الظبي وأم الوضيع
والثعالب وتربيع الشـراع
ورأس ريع دخل في بطن ريع
مستطيل ووديان وســاع

إن حيز هذه الحكاية ذو طبيعة صحراوية تتجلى في الإشارة إلى اللايم وهو العزول وإلى بعد الشقة الفاصلة بين الشاعر ومي.

الأكثر قراءة