الأسماء المستعارة.. حمى الجمهور الافتراضي والأمراض الواقعية!
منذ عصور الشعر الأولى كانت الأسماء المستعارة معروفة عند العرب، وكانت في معظمها ألقاباً أطلقوها على الشعراء لدلالة ٍ معينة، الفرزدق مثلاً سمّي بذلك لضخامة وجهه وقبحه الذي كأنه على حد قولهم "رغيف محترق"، وديك الجن الذي لقب بذلك بسبب عينيه الخضراوتين – حسب رواية ابن خلكان- وقيل أيضاً لفصاحة شعره إن الجن ينظمون له شعره. اشتهرت ألقاب الشعراء وعرفوا بها بين الناس بل تناقلتها الأجيال التي بعدهم، فيما راحت أسماؤهم قيد النسيان. في الساحة الشعرية الآن برزت حمى الأسماء المستعارة على نحو يبعث على الحيرة عن دوافعها وأسبابها خصوصا فيما يتعلق بالجانب "الرجالي"، لأن الشاعرات يختفين خلف ألقاب أنثوية لا رجالية ولهن دوافعهن الخاصة والمفهومة، المشكلة أن حمى الألقاب الأنثوية طالت الإخوة الشعراء الذكور!
قد تكون أسباب الأنثى مفهومة للجميع، ولكننا سنتطرق لها لمن يقرأنا من خارج محيطنا البيئي، فالشاعرة تتخفى لأسباب اجتماعية في مجتمع يحترف القيل والقال، ولا يفصل بين النص الشعري وبين قائله، أو يكون خلف اللقب الأنثوي شاعر يريد عمل نوع من الفرقعة أو التسويق لمطبوعته كما فعل كثير من الشعراء الذين تضيق بهم الساحة الشعرية الآن. في الجانب الآخر نجد أنه في بداية ظهور الأسماء المستعارة كانت الأسباب معروفة، جلها يتركز حول رصد ردة فعل المتلقي، عدد كبير من الشعراء ارتأوا ارتداء أقنعة مؤقتة ليرقبوا من بعيد ردود الفعل (سلبيها وإيجابيها)، ليقرروا فيما بعد أمر الكشف عن الاسم الصريح من عدمه، بعد التأكد من حظوة نتاجهم الشعري بالقبول عند متذوقيه. وقد كان الملتاع - رحمه الله - من أوائل الشعراء الذين ركبوا هذه الموجة، ولم يصرح باسمه إلا بعد أن وجد من ردات الفعل المختلفة ما يشجعه على الظهور فكشف عن اسمه الحقيقي "طلال الرشيد"، كذلك العطيب، المشتاق، أسير الشوق، وغيرهم.
شيزوفرينيا شعرية
الغريب الذي يستحق الوقوف عنده مطولاً هو سياسة الشعراء المتبعة أخيراً، فالأسماء الرجالية المستعارة لم تعد لغاية واحدة كما كانت، فأصبح لدى الشاعر ما يشبه "الشيزوفرينيا الشعرية"، إذ تجد أن الشاعر نفسه يكتب باسمين أحدهما حقيقي والآخر مستعار، وينشر نتاج الاسمين في مكان واحد كما يفعل الكثيرون في المنتديات الأدبية، ربما تلتمس العذر لبعضهم الذين تفرض عليهم مراكزهم ومكانتهم الاجتماعية بحكم ظهورهم بأسمائهم الحقيقية أنهم يريدون التحرر من بعض القيود الاجتماعية المفروضة وينشدون الحرية في التعبير، لكن المضحك بحق هو تعدد المعرفات والأسلوب واحد!
90 معرفا نسائيا!
أحد الشعراء الذين ملأوا سماء الشعر هذه الأيام بشهرتهم ومفرداتهم وحركاتهم البهلوانية، كان يكتب بـ 90 اسما نسائيا في أحد المنتديات الإلكترونية، 90 معرفا للرد والذود عن قصائد هذا الشاعر الذي سجل قبل ذلك باسمه الحقيقي في المنتدى نفسه! بعض الأسماء المستعارة تقطع القصائد عروضيا لرد اتهامات البعض بوجود كسور في قصائد "الأخ"، العجيب في الموضوع هو قدرة هذا الشاعر على الدخول بـ 90 معرفا والرد على موضوع واحد! والأكثر عجبا هو تأكيد الأخ أنه "غير مكفوش"، رغم أن الأسلوب والطريقة والأخطاء الإملائية واحدة في الـ 90 معرفا، ناهيك عن الآي بي الواحد لـ الـ "90 معرفا" إضافة إلى اسم الشاعر الذي أضحى شهيرا الآن!
يغازل نفسه!
في حادثة كانت غريبة قبل أن يكشف سرها رقم "الآي بي" الواحد للعضو "الشاعر المعروف" والعضوة في أحد المنتديات الإلكترونية، فور تسجيل العضوة في المنتدى إياه، أعادت أكثر مشاركات الأخ الشاعر إلى الحضور في مقدمة الصفحات، من خلال مدائح لم يكتبها أبو الطيب لـ "معزبه" سيف الدولة، أعقبها قراءات نقدية من النوع الثقيل ذي المصطلحات الرنانة لقصائد هذا الشاعر، تلى ذلك غزل علني على عينك يا تاجر! المعرف توقف عن العمل بعد إعدامه من قبل إدارة المنتدى، لأن العضوة المزعومة تطاولت على أحد أعضاء المنتدى الذين أبدوا رأيهم في قصيدة للشاعر، إلا أن الأخ "الشاعر" سجل بأكثر من اسم نسائي جديد، لضمان استمرارية "الهجولة" فيما لو توقف أحد اليوزرات عن العمل!
حقيقة أخيرة
ما ذكر هنا من روايات للأسماء المستعارة واستخدام شعراء "الألفية الجديدة" هذه الأسماء حقيقي 100 في المائة، كثيرون يعرفون القصص التي ذكرناها، لذلك وجب علينا أن ننوه لقراءنا الكرام أن اقرأوا الشعر ولا عليكم بأصحابه، دعوا الشعر هو الذي يدلكم على الشاعر لا العكس!