محاكاة لعظماء الشعر العربي في عام 2008.. العادة تغلب العبادة!
ما زال العالم العربي يتغنى بقصائد شعرائه الأقدمين، يلقمون أجيالهم الجديدة في مناهجهم الدراسية قصائد المتنبي وأبو نواس وامرؤ القيس وجرير والفرزدق باختلاف التصنيف والبعد الزمني، الكل على قناعة أن القديم شعريا أفضل من الجديد، الكل مصر على عزل العوامل المحيطة والثبات على الشعر فقط، وهو حقٌ لا يمكن أن نطلب غيره، ولكن ماذا لو افترضنا وجود آلة زمنية تحضر هؤلاء بعقلياتهم الشعرية الفذة التي امتلكوها وخلدوا أسماءهم بها حتى يومنا هذا، وسط عواملنا البيئية نحن؟
هل يمكن أن يسعفنا الخيال بمعرفتنا وقراءتنا لهؤلاء العظماء "شعريا"، أن نحضرهم في عصرنا هذا لتخيلهم وتخيل حركتهم من خلال مواهبهم التي قد لا تكرر؟
البعض قد يسوءه تخيل شعرائه المحببين في أوضاع غير الصورة التي يرسمها لهم من خلال قصائدهم، ولكن حقيقتهم البيئية التي لم تتعارض مع ما كانوا يقولونه كنتاج أدبي تفرض علينا نوعا واحدا من المحاكاة، بالاعتماد على شخصية هذا الشاعر والطريقة التي ارتضاها لعيش حياته. قد لا تتكرر الظروف نفسها التي خلقت نتاج هذا الشاعر أو ذاك، إلا أنها محاولة للمحاكاة نفترض من خلالها الأسوأ، لأن الكل افتراض ويفترض الأفضل ذهنيا من خلال الشعر فقط، وهم (شعرائنا موضع المحاكاة) لا يريدون التقليد ولا التشابه مع أحد حتى في المحاكاة!
للتذكير فقط: الشعر نتاج أدبي مصدره الـ "بني آدم"، إذا سلمنا بهذا الأمر وأقصينا خزعبلات المستعينين والمستعينات بعناصر أخرى، فإننا سنرى أشياء "آدمية" المضمون والشكل، خاضعة لكل ما يمكن أن يؤثر ويتأثر بالبني آدم ضمن محيطه أو حتى العوامل النفسية المؤثرة عليه.
في بلاط بيل جيتس!
المتنبي كما تقول "الويكيبيديا": أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية، فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعر حكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. وتدور معظم قصائده حول مدح أصحاب الجاه والمال والسلطان.
ولأن المتنبي معروف بأنه معتد بنفسه كثيرا ولا يمدح إلا أكبر الرؤوس في زمانه، بالتأكيد لن يمدح إلا كبار الرؤوس وأغناها على الأرض وهو المدعو "بيل جيتس"، طامعا كالعادة باستخدام موهبته لكسب المال، وهو حق مشروع له ولغيره، وسيختار ألذ ما يمكن أن يسمعه الرجال مدحا لأنفسهم.. ويقف أمام مكتبه مزهوا:
لله قَلْبُكَ ما تَخافُ مِنَ الرَدَى
وتَخافُ أَن يَدنُو إِلَيكَ العارُ
وتحيدُ عن طَبَعِ الخَلائِقِ كُلِّهِ
ويَحيدُ عَنكَ الجَحفَلُ الجَرَّارُ
يا مَنْ يَعِزُّ على الأعِزَّةِ جارُه
ويَذِلُّ من سَطَواتهِ الجَبَّارُ
"ستوب.. مستر متنبي"!! يفغر المتنبي فاه بعد أن حدث لأول مرة أن أوقفه أحدهم وهو يلقي قصيدة! يسترسل بيل جيتس: "جاري المستر جون وزوجته ديبرا قدما شكوى ضدي لأن كلبي دوي ينبح كثيرا في الليل، كيف عرفت أن السيد جون يعز على الأعزة لأنه جاري"! المتنبي غضب كثيرا لأنه توقف والقصيدة "توها"، وغضب أكثر لهذا التساؤل الذي لم يفهم صاحبه منه الصورة البلاغية التي أوردها، فخرج وهو ينشد على أسماع بيل:
لا تشتري العلجَ إلا والعَصَا مَعَهُ
إنَّ العُلُوجَ لأَنْجَاسٌ مَنَاكيدُ!
الشنفرى.. "سروق"!
هو شاعر من الشعراء الصعاليك، والشعراء الصعاليك كما هو معروف قطاع طرق عاشوا حياتهم معتمدين على السلب والنهب، عاش في البراري والجبال وحيدا حتى ظفر به أعداؤه فقتلوه قبل 70 عاما من الهجرة النبوية. تنسب له لامية العرب وهي من أهم قطع الشعر العربي وإن لم تكن من المعلقات إلا أنها توازيها في البناء والثراء اللغوي.
أقِيمُوا بَني أمّي صُدورَ مَطِيكم
فإنّي إلى قَوم ٍسِوَاكُمْ لأمْيَلُ
فقدْ حَمَتِ الحَاجَاتُ وَالليلُ مُقمِرٌ
وَشُدًّتْ لِطيَّاتٍ مَطايَا وَأرْحُلُ
وَفِي الأرضِ مَنأىً لِلكَريم عَن الأذَى
وَفيهَا لِمَنْ خَافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
وقد كان الشنفرى أسرع الصعاليك حتى ضرب به المثل في العدو، ويقال "فلان أسرع من الشنفرى"، لذلك لا نتوقع أن يكون في عصرنا هذا إلا مقيما على حدود الدول، وأقرب ما سيكون موقعه في عصرنا هذا بين العراق وسورية، "يحمِّل النفر على 200 دولار"، ويتربص بمن لا يريد الصعود في سيارته لـ "تشليحه" الـ 200 دولار دون ركوب!
أبو نواس .. مدير الملهى!
من أشهر الشعراء في العهد العباسي، سجن كثيرا بسبب أشعاره الخليعة، ويعود تعلقه بهذا النوع الماجن من الشعر إلى أنه كان في صغره تلميذا لوالبة بن الحباب الكوفي أحد الشعراء اللامعين في ميدان الخلاعة والتهتك، فعني به والبة أي عناية، وعمل على تأديبه وتخريجه، كما صحب الأخ أثناء ذلك جماعةً من الشعراء المجان كمطيع بن إياس وحماد عجرد. وبنظرة سريعة في ديوان أبو نواس سيجد القارئ غلبة الخمر عليه، إلى الحد الذي جعله يفضلها على أي شيء آخر والعياذ بالله.
في هذا العصر ما هو الأمر الذي سيبرع فيه أبو نواس إضافة إلى الشعر؟ بتأمل بسيط لحالة الرجل وطريقة حياته، سيكون إما مديرا لملهى ليلي ليكون قريبا من الأمور التي أحبها في حياته الماضية، أو هو سيستفيد من مساحة الحرية المتاحة في هذا العصر، وسيسعى إلى افتتاح قناة أو مجلة لها أهداف جديدة نوعا ما على بيئتنا "الحياوية"، داعيا إلى الكثير من الحرية في التعاملات بين النساء والرجال وما بينهما!!
خاتمة الافتراضات
شعراؤنا.. مصانع الأدب والباحثون عن تأريخ وتخليد لنتاجهم، بعد ألف عام من الآن، ما الذي سيمنع صحافي يهوى التخيل والمحاكاة من جذبكم إلى حاضرته، لتخيلكم فيها على غرابة ما فيها، وزج شهواتكم التي لا يمكن الحديث عنها في وقتكم هذا في موضوعه الصحافي؟ رغم جمال ما تقدمونه من شعر "قد" يخلد!