التفاوض في إعداد الاتفاقيات والعقود
لا أتحدث هنا عن مهارات التفاوض والنقاش التي يتحدث عنها كثير من المختصين بمهارات التفاوض والحوار وخلافه، إنما أود التركيز فقط على الأفكار التي يدار من خلالها التفاوض والنقاش أثناء عملية التعاقد وإجراء الصفقات التجارية وخلافه.
شاركت في كثير من المفاوضات على إجراء عقود تجارية كبيرة سواء كانت جهات حكومية أو شركات أو حتى أفرادا، وأود أن ألخص أهم الملاحظات التي يتم ارتكابها خصوصا ممن لا يمتلك خبرة جيدة في مجال الأعمال أو لم يكتسب خبرة من خلال العمل في مؤسسة ذات كفاءة عالية، تمكنه من امتلاك خبرة جيدة في كيفية التفاوض، وما الأشياء التي يجب التركيز عليها، وكذلك ما الأشياء الممكن التفاوض عليها دون أن تؤدي إلى فشل الصفقة برمتها.
كثيرة هي الفرص الجيدة التي تم فقدانها فقط بسبب ضعف كفاءة الأشخاص الذين تولوا عملية التفاوض، وكثيرا ما يقوم بعض الأشخاص بوضع عقبات لا يمكن أن يقبلها الشريك الجيد الذي يتم التفاوض معه، بسبب أن هذه الشروط لها أبعاد سلبية تؤدي إلى عدم جدوى الصفقة كلها أحيانا، ولكن بجهل من أحد الأطراف يظن بحسن نية ربما أنه بهذه الطريقة يحمي الجهة التي يمثلها، بينما هو في الحقيقة يسهم في إفشال فرصة عمل جيدة من حيث لا يعلم.
من أهم الأشياء التي يجدر التنبيه عليها هنا؛ أن أي عملية تفاوض لا تنبني على قاعدة تحقيق الفائدة للكل فإنها ستكون فاشلة Win-win situation، وأي شريك يؤسس قاعدته على أساس مبدأ الأنانية والفائدة له بأقصى حد؛ فإنه في النهاية سيحكم بفشل الصفقة حتى قبل بدء العلاقة، وذلك أن أساس أي نجاح تجاري هو تحقيق الفائدة للكل، ما يؤدي إلى مزيد من التعاون والتفاعل بين الأطراف. وأسوأ تلك التجارب التي مررت بها هي عندما يتولى العملية شخص تنقصه الكفاءة والخبرة ويتشدد في نقاط ليس من المفترض التشدد فيها، كونها مقبولة في العرف التجاري مثلا، بينما هو بسبب ضعف الخبرة لا يستطيع استيعاب مدى أهميتها من عدمه.
أذكر عملية تفاوض كنت أقوم بها لأجل إجراء صفقة تحالف بين ثلاثة أطراف أحدهم أجنبي لأجل إنشاء صناعة وطنية رائدة قبل عدة سنوات، وكان ممثل أحد الأطراف يعترض على إعطاء الطرف الأجنبي التزاما بعدم التواصل مع المنافسين الآخرين لمدة محددة، علما بأن هذه التقنية شديدة الحساسية وتحتاج إلى حماية لمنع تسربها للمنافسين، وهذا الممثل بحسن نية يظن أنه بهذا يحمي الجهة التي يمثلها، بينما أسهم في إفشال ذلك التفاوض وتعطيله، كون هذا الشرط متعارفا عليه دوليا مع مقدم أي تقنية، ولكن نعود إلى السبب نفسه وهو أن قاعدة التفاوض الأناني وغير المستندة إلى الخبرة لا يمكن أن تؤدي إلى نجاح.