الحداثة الشعبية.. شعراء "طلّع الإنجليزي اللي معاك يله"!

الحداثة الشعبية.. شعراء "طلّع الإنجليزي اللي معاك يله"!

مدرسة المشاغبين
يونس شلبي يرمي كلمة إنجليزية بشكل غير دقيق، فيصرخ سعيد صالح: "دا بيتكلم إنجليزي!!"، ويتجه نحو يونس شلبي قائلا: "طلّع الإنجليزي اللي معاك يله"، في إشارة إلى أن يونس شلبي يتحدث الإنجليزية دون أن يخبر أصدقاءه بذلك وهذا حتما غير صحيح، حيث إن ما يفعله لا يخرج عن دائرة "الاستهبال"!
وهذا المشهد يعود بنا، لبعض الأصحاب من الشعراء إذ يرمي بعض الصور الجميلة بداخل نص تافه، فنصرخ: طلع الشعر اللي معاك يله، ولكن هذه الصرخة العفوية سرعان ما تتحول إلى صمت مخجل، وملامح تستحضر قسمات المجاملة خوفا من ردة فعل قد لا يتقبلها حضرة الشاعر! حيث إنه بمجرد مرور دقائق من الاستماع تكتشف أن الصورة، صدفة صنعها الخيال، وقدمها على طبق من ذهب وبالتالي يدخل المتلقي والشاعر في ورطة كبيرة!

طيب ما هي الورطة
جميعنا يعلم أن الشعر ذو مرونة طاغية يستلزم الوضع معه الدربة و المران على مسايرة حجمه وأبعاده وتفرعاته، والوقوف على كشف مداخله ومخارجه من حيث البناء والصورة والكلمة التي تحتاج إلى تقليب وتمحيص وأخيلة تشحذ المشهد والفكرة، بمعنى أنه لا يقف عند حدود مسايرة "موجة" كما أنه لا يقبل "الرتم" الواحد، والورطة في التعامل مع شعراء "طلع الإنجليزي اللي معاك يله" هي ما يساورهم من خلال ردة الفعل الأولى حين تتدحرج أمامك صورة ما، تتوهم من خلالها كمتلقي أنها ستتصاعد وتثمر نتاجا أجمل، وهذا ما لم يسبق أن حدث مع شعراء "هاليومين" حيث يتضخم كل واحد منهم ويظن أن ردة الفعل تلك إقرار بشاعرية وبالتالي يتوقف عند هذا الحد ولا يتجاوز مكانه للأفضل كونه يعتقد أن المسألة لا تتعدى "اللي تلعبه أكسبه"!
ولعله من السهل الآن سرد أسباب غياب الدهشة والتصفيق والـ "آه" ويا "سلام عليك".
إذا الشعر في مأزق!

يا رزاق يا كريم
كتب بدر بن عبد المحسن في بدايته:
عطني المحبة كل المحبة ..
عطني الآمان..
وبعد سنوات كتب:
لو حبت النجمة نهر..
وطاحت على صدره سنا..
وبعدها كتب:
لا تشد القيد ..
تجرح يدي أو تجرح القيد..!
تصاعد ملحوظ ونفس يتماوج مع الحالة بانتباه شديد لذا كان الرصد دقيقا ومتقنا وشفافا وجميلا، لأن البدر تعامل مع الشعر كحالة يومية مستمرة وليست وقتية، وكذلك فهد عافت حيث كتب في بداياته:
أنا أنا لولاي أنا من تكونين
أوقلها وآنا نعم فيك مغرور..
وبعدها بسنوات كتب:
على حد العطش أرسم فمي غيمة وخمس أطفال
على حد العطش أرسم فمي عصفورتين وشمس..
وبعدها كتب:
الليل موحش غريب وحية رقطا وديجور
والليل طيب ودفا واختٍ تمازحني ونوار
نباهة ونبوغة، كان الفتيل الذي أشعلها هو: التجريب والجدة والالتزام مع الشعر كنسق يمتد للأعلى، لذا يأخذنا فهد لمساحات كالمدى براحها صور وكلمات وبناء، وكأننا أمام حالة تطور مستمرة، وعليه بقي نتاج مثل هؤلاء الشعراء بداخل صندوق لا يصدأ قفله أبدا، نعود لفتحه كصندوق الهدايا متى راودنا الحنين.
هل ثمة أنموذج يتطابق مع مثل تلك التجارب في هذا الوقت؟
المسألة بحاجة إلى دعاء مستمر يا رزاق يا كريم ارزقنا بشعر جيّد وتجارب تتصاعد وتنمو وتظلل وتتكاثر.
أخر القول
الشعر لا يقبل الآت: البهرجة، الهياط، المكياج، القبلية، الكذب، المجاملة، الخداع، التوقف، النقطة...
ويقبل: أول السطر، والانطلاق، والمساورة، الذكاء، الدربة، المران، الانصهار والعلو.
وأمام مرحلة كهذه، من سيشحذ همة الركض، ويفتح للكلمات معاني، وللمعاني بناء، ويصافح الناس، ويلتقط ملامحهم في البيوت والمقاهي والأرصفة ويحصد أصواتهم في البكاء والغناء والهمس؟
كي نعلن أن الدنيا بمقدورها أن تصبح شعرا والشاعر وسيلة!

الأكثر قراءة