ألمانيا: ضمانات ميركل للبنوك توقظ مخاوف الناس

ألمانيا: ضمانات ميركل للبنوك توقظ مخاوف الناس

الفنان الذي يملك مالاً هو سلالة نادرة في برلين ذات الطابع البروليتاري المتعصب التي تنخر فيها مشكلات البطالة. ولكن كلاوس أملر يقول إن وجود أموال للشخص في البنك أصبح الآن مثاراً للقلق وليس راحة للبال كما تعودت الناس على اعتبار أن الحكومة ضمنت جميع حسابات الإيداع والادخار. "قلت في نفسي: طالما أن الحكومة ستقوم بذلك، فمعنى هذا أن الوضع أصبح على نحو لا يكاد يرجى منه خير وأن الأمور قد بلغت منتهاها فعلاً."
والآن يبحث أملر عن مكان جديد يضع فيه مدخراته. يقول: "منذ فترة طويلة وأنا أفكر في شراء أحد العقارات في برلين. والآن سأقوم بهذه الخطوة. سأضع كل ما لدي، بما في ذلك المبلغ الذي كنت أودعته في النمسا، في هذا الأمر". كان أملر واقفاً عند مدخل بنك الادخار في برلين بالقرب من محطة القطار.
هذا الفنان ليس وحده في هذا الأمر. حكايات من عدد من الناس تدل على أن البيان المفاجئ لمستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل هذا الأسبوع الذي أعلنت فيه أن جميع المدخرات في أمان، هذا البيان كان الناقوس الذي أيقظ الناس في بلد كان يعامل الأزمة المالية العالمية وكأنها تهديد يقع في مكان بعيد، ويحتل من حيث الأهمية مرتبة التهديد القادم من التغيرات المناخية أو الإرهاب الجهادي. تقول
سيدة عاملة على الخط الساخن لأحد بنوك الادخار: "لقد فُتحت أبواب الجحيم في ألمانيا. منذ يوم الإثنين ونحن نتعامل مع سيل لا ينقطع من المكالمات".
مدير لأحد البنوك، طلب عدم ذكر اسمه، يصف رد الفعل على بيان ميركل على النحو التالي: "إنه لأمر مؤلم! يحسن بي أن أدرس موضوع الأزمة هذا على نحو أكثر عمقاً". ويقول إن الضمانة "يبدو أنها أيقظت الناس ولفتت أنظارهم إلى أمر كان يجدر بهم الشعور بالقلق حوله ولكنهم لم يفعلوا ذلك إلى أن سمعوا بالبيان".
والمشاعر التي من هذا القبيل ازدادت سوءاً بفعل العلامات التي تشير إلى أن الأزمة المالية تضرب الآن الاقتصاد الحقيقي، ما يجعل من الصعب على الشركات الصناعية والشركات الصغيرة تأمين التمويل اللازم لأعمالها.
وتقول كونستانزه ستيمبل، المتحدثة باسم بنك لاندسبانك Landesbank في برلين: "لدينا زيادة هائلة في الطلب على المعلومات هذا الأسبوع. يريد الناس أن يعلموا ما هي أنواع المدخرات التي تغطيها الضمانات الحكومية وكذلك معرفة ما الذي ينبغي لهم عمله في استثماراتهم طويلة الأمد".
يقول توماس كرامر، المحرر المساعد للبرنامج الاستهلاكي المشهور فيزو WISO، التابع للقناة الثانية للتلفزيون الألماني: "كان المزاج العام السائد هو أنه ينبغي احتواء الأزمة وإبقاؤها ضمن القطاع المالي، وأن ألمانيا تتمتع بأساسيات اقتصادية قوية. ولكن هذا الأسبوع الناس يتساءلون عن أسهمهم، وعما إذا كان يجدر بهم شراء الذهب أو وضع أموالهم في العقارات".
وأظهر استطلاع مفاجئ للمارة في شارع فريدريش أمس أنهم غاضبون من المصرفيين الأمريكيين، وأن مشاعر الشماتة التي شعروا بها في بداية الأزمة تحل محلها الآن المخاوف حول مستقبلهم هم أنفسهم. ويقول أنديلو أبانتو، وهو صاحب شركة لأعمال التنظيف في الـ 30 من عمره: "أريد قرضاً صغيراً. وأظن أنه يتعين عليّ الاستعجال للحصول عليه الآن. كلما زادت فترة انتظاري، ازداد ارتفاع أسعار الفائدة".
وبعض بنوك الادخار، التي غالباً ما ينظر إليها الناس على أنها أكثر أماناً من البنوك التجارية، تشهد الآن اهتماماً جديداً من الزبائن.
ويقول هانز ديتر هومبيرج، كبير التنفيذيين في بنك تاونوس شباركاسه Taunus Sparkasse، وهو بنك ادخار إقليمي صغير: "نشهد الآن مزيدا من الطلبات من العملاء، من القدماء والجدد، الذين يريدون فتح حساب لدينا بأسرع ما يمكن، وبعضهم يريد إيداع مبالغ كبيرة".
وكما يحدث غالباً في الأوقات التي يسود فيها اللبس والغموض، فإن وسائل الإعلام كانت محط الأنظار، واتهم بعض السياسيين الصحافيين بأنهم يثيرون في الناس إحساساً بالقلق والتوجس.
رغم أن البيانات تبين أن الطلب المتزايد على الأموال النقدية في منطقة اليورو كان المحرك الرئيسي لإعلان ميركل عن الضمانات، إلا أن ستيفان أولبرمان، وهو متحدث باسم وزارة المالية، يقول إن الاتجاه العام للبرامج والنشرات الإخبارية في الأسبوع الماضي أسهم هو أيضاً في التأثير في القرار. ويضيف: "لا أمضي وقتاً كبيراً وأنا أشاهد التلفزيون، ولكن يبدو أن المُشاهد لا يمكن أن يفتح التلفزيون إلا ويرى أمامه برنامجاً هنا وهناك يتحدث عن الأزمة المالية هذه الأيام".
الدليل على صحة هذا الرأي أن استطلاعاً للرأي أجرته في الأسبوع الماضي مؤسسة إنفراتست Infratest لمصلحة أيه آر دي ARD، المحطة التلفزيونية للقطاع العام في ألمانيا، أظهر أن ربع المشاركين في الاستطلاع اتصلوا ببنوكهم وسألوها عن مدى أمان ودائعهم لديها، في حين أن 20 في المائة منهم اتخذوا إجراءات لإعادة تنظيم مدخراتهم. ويمكن لاستطلاعات الرأي الجديدة التي يتم إجراؤها هذا الأسبوع أن تكشف عن المخاوف المتصاعدة".

"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"

الأكثر قراءة