اعتبارا من اليوم .. عقوبات أمريكية على مشتري النفط الإيراني
يبدأ اليوم تنفيذ قرار إلغاء الإعفاءات الأمريكية لمشتري النفط الإيراني، وسط توقعات بتهاوي الصادرات الإيرانية إلى الصفر فى مدى قصير. ومالت أسعار النفط إلى التراجع النسبي بسبب ضغوط ارتفاع المخزونات الأمريكية وحالة الضبابية النسبية التى تهيمن على السوق.
وحذرت الولايات المتحدة مشتري الخام الإيراني من مواجهة عقوبات في حال تنفيذ صفقات مع طهران، لتنهي بذلك إعفاءات مدتها ستة أشهر سمحت لأكبر ثمانية مشترين للنفط الإيراني، معظمهم في آسيا، باستيراد كميات محدودة. فيما تحاول طهران التحايل على القرار مع تأكيد بيجن زنجنه وزير النفط الإيراني أمس أن بلاده تدرس سبلا جديدة لبيع نفطها. دون أن يكشف الوزير عن تفاصيل.
وما زالت العوامل الضاغطة في اتجاه صعود الأسعار هي الأقوى خاصة الأزمة في فنزويلا والإصرار الأمريكي على تطبيق عقوبات صارمة تخنق الصادرات النفطية الإيرانية لتصل إلى مستوى الصفر، إلى جانب أن تأثير تمسك "أوبك" باتفاق خفض الإنتاج ربما يمتد على مدار العام الجاري كاملا.
ويرى محللون نفطيون أن الرهانات الصعودية للسوق قوية في ضوء أن العوامل المحفزة للأسعار الأكثر تأثيرا، لكن يقاومها ارتفاع المخزونات وبعض المضاربات وجني الأرباح ما يجعل الأسعار معرضة لموجة من التقلبات السعرية المتلاحقة.
وأضاف المحللون أن "إلغاء الإعفاءات الأمريكية لمشتري النفط الإيراني التي بدأ تطبيقها اليوم كان إحدى المفاجآت للأسواق وهي التي قادت الأسعار إلى تسجيل مستويات قياسية، حيث ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في ستة أشهر في بداية الأسبوع الماضي، ثم انخفضت يوم الجمعة عقب مطالبات أمريكية بزيادة الإنتاج، التي قابلتها "أوبك" بالإشارة إلى احتمال تمديد صفقة خفض الإنتاج.
في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، "إن حرص السعودية ودول أوبك على توازن السوق دفع إلى التمهل في إجراء زيادات إنتاجية لحين صدور مؤشرات عن مستويات الطلب تؤكد الحاجة إلى مزيد من الإمدادات، خاصة أن هبوط الصادرات الإيرانية إلى الصفر لن يخصم كثيرا من المعروض النفطي العالمي".
وأشار شتيهرير إلى أن تصفير الإنتاج الإيراني سيحدث من دون شك تدريجيا مع تشديد العقوبات الأمريكية، عادا إلغاء التنازلات رغم صعود الأسعار إلى مستويات قياسية يعكس أمرين، الأول هو الإصرار على توجيه ضربة قاصمة إلى الاقتصاد الايراني بإنهاء الصادرات النفطية، والثاني الثقة بقدرة "أوبك" على تعويض الإنتاج الإيراني بسهولة الذي لا يتجاوز 1.1 مليون برميل يوميا حاليا.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، روبين نوبل مدير شركة أوكسيرا للاستشارات، أن محاولات الصين تقديم بعض الدعم إلى الصادرات النفطية الإيرانية لن يكتب لها النجاح فى ظل إصرار أمريكي على تصفير الصادرات الإيرانية وتطبيق عقوبات مشددة على كل من يبرم صفقات لشراء النفط الإيراني، منها الاستبعاد من النظام المالي الدولي، لافتا إلى أن الصين على الأرجح ستبدي مزيدا من المرونة خاصة مع بدء جولة جديدة من المفاوضات التجارية بين البلدين في بكين ورغبة الجانبين فى سرعة إنهاء النزاعات التجارية لتعزيز النمو الاقتصادي.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، "إن زيادة الإنتاج من تحالف المنتجين في "أوبك+" ستحدث تدريجيا وربما قبل أشهر الصيف، وستكون في الأساس مترتبة على انتعاش الطلب بسبب موسم الرحلات الصيفية في الولايات المتحدة".
وذكر كروج أن زيادة الإمدادات قادمة لأن الأسعار المفرطة في الارتفاع ليست هدفا لـ"أوبك" إنما استقرار السوق الهدف الرئيس"، مشيرا إلى أن إمدادات النفط الإيراني ستتقلص بوتيرة سريعة خلال الفترة المقبلة حتى تصل إلى مستوى الصفر، ويجيء ذلك بالتوازي مع تفاقم الأزمة في فنزويلا وهبوط إنتاجها واستمرار القتال في ليبيا وهو ما سينعكس سريعا على إمداداتها النفطية، ومن ثم سيجد المنتجون أنفسهم في حاجة إلى تعزيز الإمدادات قريبا.
بدورها، توضح لـ"الاقتصادية"، جولميرا رازيفا كبير محللي المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، أن الشهرين المقبلين حاسمان في سوق النفط، وبحلول نهاية الشهر المقبل سيتضح حجم الخسائر التي لحقت بالصادرات الإيرانية وربما تكون قد اقتربت بالفعل من مستوى الصفر وهو ما سيجعل الصورة واضحة أمام الاجتماع المقبل للمنتجين في "أوبك+" في فيينا، ويسهل التوافق على سياسات إنتاجية جديدة وإجراء تعديلات مؤثرة تخدم مصالح كل أطراف الصناعة وتعزز الاستثمارات الجديدة.
وأشارت رازيفا إلى أن قرار المنتجين سيكون بلا شك داعما لاستقرار السوق ومانعا لأي شطط في مستوى المعروض أو في مستوى الأسعار، وسيكون في ضوء مراجعة دقيقة وتقييم لتفاعلات العرض والطلب ومدى تطور الأزمات في الدول الثلاث إيران وفنزويلا وليبيا، مع الأخذ في الحسبان حجم الطلب ونمو الإنتاج الأمريكي، الذي يسجل بالفعل وتيرة متصاعدة حتى الآن ويحاول ملء فراغ الإنتاج الإيراني رغم صعوبة الأمر على المنتجين الأمريكيين لاختلاف مستوى الجودة والكثافة.
وتراجعت أسعار النفط أمس بعد تقرير أظهر زيادة في مخزونات الخام الأمريكية، لكن التوتر ظل يشوب الأسواق العالمية وسط تفاقم الأزمة السياسية في فنزويلا وتشديد العقوبات الأمريكية على إيران واستمرار تخفيضات معروض "أوبك".
بحسب "رويترز"، فقد لامست العقود الآجلة لخام برنت 71.52 دولار للبرميل، منخفضة 54 سنتا بما يعادل 0.8 في المائة عن أحدث إغلاق لها. ونزلت عقود الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 66 سنتا أو 1 في المائة إلى 63.25 دولار للبرميل، وجاءت المعاملات هزيلة على أساس أن أول أيار (مايو) عطلة في أسواق عديدة.
وأظهرت بيانات معهد النفط الأمريكي أن مخزونات الخام في الولايات المتحدة زادت 6.8 مليون برميل إلى 466.4 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 26 نيسان (أبريل).
لكن تركيز السوق يتحول صوب الأزمة في منتج النفط الرئيس فنزويلا، حيث تدور مواجهة بين الرئيس نيكولاس مادورو وزعيم المعارضة خوان جوايدو، ويخشى مراقبون عديدون أن يفضي ذلك إلى عنف متصاعد ومزيد من التعطيلات للمعروض النفطي.