البنوك اللبنانية واحة استقرار وسط العاصفة
لقد ساعدت النظرة المحافظة والزيادة الكبيرة في الودائع في مقاومة التوجه العالمي. في الوقت الذي تٌحدث فيه الأزمة المالية موجات من الصدمات في الأسواق العالمية، تقاوم البنوك اللبنانية هذا الاتجاه كونها المستفيد من التدفق غير المسبوق للحوالات التي ترد إليها من الخارج.
فخلافاً لمثيلاتها من البنوك في كثير من المراكز المالية الغربية، تجد البنوك اللبنانية نفسها في موقف تحسد عليه من حيث توافر فائض رأسمالي لديها – حيث من المتوقع أن تنمو الودائع البنكية بنحو 50 في المائة هذا العام عن عام 2007.
يقول مروان بركات، مدير دائرة الأبحاث في بنك عودة الذي يعتبر أكبر بنوك البلد: خلافاً لما يجري في بقية بلدان العالم، شهد لبنان زيادة كبيرة في الودائع خلال الأسابيع القليلة الماضية. "ويرجع هذا إلى ثقة اللبنانيين بنظامهم المصرفي الذي يدار بصورة متحفظة ويعمل في ظل نظام تشريعي ممتاز".
بلغ إجمالي الودائع التي تدفقت على البنوك 7.7 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، وفقاً للأرقام الصادرة عن البنك المركزي، ويزيد هذا الرقم على مجموع الودائع في عام 2007 بأكمله، الذي بلغ 6.6 مليار دولار، وهو رقم قياسي بحد ذاته. وكانت الزيادة في الودائع مدفوعة بالحوالات الواردة من الخارج والتي يتوقع أن تتجاوز الرقم الإجمالي المسجل في العام الماضي وقدره 5.5 مليار دولار. يشار في هذا الصدد إلى أن عدد اللبنانيين الذين يعيشون في بلدهم يبلغ أربعة ملايين شخص في حين يعيش نحو 12 مليون لبناني في الخارج يحتفظ كثير منهم بروابط قوية مع بلدهم، ويحولون الأموال إلى البلد ويستثمرون في القطاع العقاري المحلي. ويتوقع كثير من المحللين أن يصل نمو الودائع إلى عشرة مليارات دولار في نهاية العام، الأمر الذي يضع البنوك على طريق تحقيق نمو أفضل من العام الماضي على صعيد الأرباح التي سجلت نمواً بنسبة 27 في المائة.
إن هذه القاعدة النقدية القوية – حيث الودائع تشكل 85 في المائة من موجودات البنوك اللبنانية، ما يجعلها بين أكثر البنوك سيولة في العالم – والخبرة التي تتوافر في البنوك من حيث البقاء والاستمرار في أوقات الفوضى والاضطرابات يعنيان أن البنوك اللبنانية ما زالت لديها ثقة تكفي للتوسع بجرأة في منطقة الشرق الأوسط. وتقول هذه البنوك إنها تقريباً لم تتأثر أبداً بالأزمة العالمية الحالية. تجدر الإشارة إلى أنه يحظر على البنوك أن تطرح أكثر من نصف أسهمها خارج البلد، كما أنه يحظر عليها الاستثمار في العقار أو منتجات المشتقات.
ويقول جان رياشي، رئيس مجلس إدارة بنك FFA Private Bank، وهو أكبر بنك استثماري في لبنان:" إن مجال المراهنة بالنسبة للبنوك اللبنانية ضيق للغاية. إذ إنه من غير المسموح لها أن تستثمر في الجهات التي ليست ضمن الشريحة الاستثمارية المصنفة أو تقدم القروض لها، وهذا شيء يحمي النظام. "قد يكون لبعض البنوك انكشاف لبنك ليمان براذرز لأنه كان شركة حاصلة على تصنيف AA، ولكن بسبب هذه القيود، فإن الانكشاف لا يمكن أن يكون كبيراً. لذلك، فإن النظام المصرفي في لبنان محصّن تماماً".
ولقد نعمت البنوك اللبنانية باقتصاد محلي اتجه وضعه إلى التحسن بعد ثلاث سنوات من النمو البطيء بسبب الكوارث السياسية التي حلت البلد ومنها اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، وحرب عام 2006 مع إسرائيل. ويتوقع الاقتصاديون في القطاع الخاص أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بنحو 5 في المائة هذا العام، الأمر الذي يعود، من بين أسباب أخرى، إلى اتفاقية السلام التي أبرمت بين الفصائل اللبنانية المتنافسة في الدوحة في أيار (مايو) التي تبشر بفترة من الاستقرار النسبي.
وقد أسهمت تلك الاتفاقية إلى جانب وجود مستثمرين خليجيين يبحثون عن مجالات لاستثمار عوائدهم النفطية فيها في حدوث قفزة مفاجئة في تدفق الأموال على لبنان الذي يوجد لديه واحد من أكثر النظم المصرفية تقدماً في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى ظهور وضع غير عادي يبدو فيه الاقتصاد الحقيقي قزماً أمام البنوك – حيث إن لدى البنوك اللبنانية موجودات تبلغ قيمتها الإجمالية 100 مليار دولار في بلد يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي 25 مليار دولار. يقول بركات:" إنك لا تجد ذلك في أي بلد آخر في العالم، باستثناء سويسرا، ربما.
إن هذا المناخ يعني أن البنوك اللبنانية ستكون قادرة على مواصلة توسعها في منطقة الشرق الأوسط . ففي ثلاث سنوات فقط، أنشأ بنك عودة فروعاً له في سورية، الأردن، مصر، السعودية، قطر والسودان بعد أن لم تكن له أي فروع خارج البلد بالمرة.
وفي هذه الأثناء، سيباشر بنك بلوم Blom الذي يعد ثاني أكبر بنك في لبنان، بتقديم الخدمات المصرفية للشركات والأفراد في قطر قبل نهاية هذا العام، وسينتقل بعد ذلك بفترة وجيزة للعمل في القطاع المالي السعودي، وفقاً لما ذكره رئيس مجلس إدارته، سعد أزهري. فقد قال الأزهري لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "هناك الكثير من الشركات في السعودية التي ترغب في طرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي. إن سوق الأوراق المالية هناك مهمة جداً، لذلك، سنؤسس داراً للوساطة ونقوم بأعمال إدارة الصناديق". يشار إلى أن بنك بلوم يعمل في خمسة بلدان عربية، منها مصر، سورية، والأردن.
ويقول الأزهري:" نخطط في المستقبل لتنمية شبكتنا في البلدان التي نعمل فيها، وللدخول إلى بلدان عربية أخرى" مضيفاً أن من المحتمل أن تكون تلك البلدان في منطقة الخليج ولكنه رفض تحديد الأسواق المستهدفة.
"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"