في حرب الدولار واليوان يكسب الفرنك والين
مع انتقال توترات الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين إلى أسواق العملات، يتعرض صناع السياسات النقدية في كل من سويسرا واليابان إلى ضغوط متزايدة.
قرار وزارة الخزانة الأمريكية هذا الأسبوع، الذي ينتقد الصين ويصفها بأنها متلاعبة بسعر العملة، بعد أن قرر بنك الشعب الصيني "المركزي" السماح للعملة الوطنية الرنمينبي بالتراجع، بما يتجاوز سبعة رنمبيني مقابل الدولار، أدى إلى ارتفاع أصول ينظر إليها باعتبارها ملاذات آمنة، إلى مستويات قياسية جديدة.
أما المعدن الأصفر، أي الذهب، الذي يميل إلى الارتفاع مع تعمق المخاوف بشأن معدلات النمو الاقتصادي العالمي، فقد ارتفع بنسبة 14 في المائة منذ بداية العام.
عموما، تعد عملات الملاذات الآمنة آخذة في الارتفاع. الين الياباني هو أفضل العملات الرائدة أداء في عام 2019، إذ ارتفع بنحو 3 في المائة مقابل الدولار، فانخفض سعر صرف العملة الأمريكية إلى 105.90 ين في بداية الأسبوع.
أما الفرنك السويسري الذي يعد الآن في أقوى مستوياته مقابل اليورو، منذ حزيران (يونيو) 2017، فقد انخفضت أمامه العملة القارية المشتركة إلى 1.0862 فرنك سويسري في التعاملات الأخيرة.
لكل من المصرفين المركزيين في البلدين: البنك الوطني السويسري وبنك اليابان تاريخ مذهل من التدخل في أسواق العملات، عندما ترتفع عملات أي منهما.
قال بولهوي، خبير استراتيجي في العملات الأجنبية في بنك جيه بي مورجان، "إن تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، من شأنه "تعزيزالديناميكية الكلية العالمية المهيمنة وتوسيعها وتكثيفها في أسواق العملات الأجنبية".
قد يؤدي ذلك أيضا إلى تعزيز قوة عملات أكثر، مثل الين والفرنك، تحديدا.
قال أدرييل جوست، رئيس الاقتصاد في شركة الاستشارات ويلرشوف آند بارتنرز في زيوريخ، إن قرار الصين بالسماح للرنمينبي بالتراجع أكثر، أثار الشكوك حول مستقبل الاقتصاد العالمي، ما أدى بدوره إلى بروز طلب قوي على الفرنك السويسري، "ومن المحتمل أن يؤدي إلى مزيد من التدخل من البنك الوطني السويسري".
تشير بيانات البنك المركزي في سويسرا في الأسبوعين الماضيين، أنه قد بدأ في بيع الفرنك للحد من ارتفاعه، للمرة الأولى منذ عامين.
رفض البنك الوطني السويسري التعليق على التدخل في سوق القطع الأجنبي لحماية وضع العملة الوطنية، في مواجهة مضاربات الطلب.
وقال جوست، "إن تحرك السلطات الصينية سيؤدي إلى مزيد من إشعال لعبة إلقاء اللوم على الصعيد العالمي، فيما يتعلق بالتلاعب في قيم العملات، عبر تخفيض أسعار الصرف. ليس بوسع البنك الوطني السويسري تجنب أن يكون جزءا من هذه اللعبة".
تصاعد الحرب التجارية، إلى جانب تسارع المخاوف بشأن معدلات النمو العالمي، يشير إلى أن الرغبة في شراء كل من الفرنك والين، من المرجح أن تستمر.
بيد أنه وسط هذا الاهتمام الزائد بشأن "التلاعب بالعملة" والتهديد باندلاع حروب العملات، يواجه صانعو السياسة النقدية في مختلف العواصم خيارات صعبة.
يمكن لصانعي السياسة النقدية إما أن يعملوا على إضعاف العملة، من خلال خفض أسعار الفائدة أو التدخل مباشرة في الأسواق، أو السماح للعملة بأن تكون قوية أكثر، والمخاطرة بالإضرار بالاقتصادات المحلية.
قال إدوارد الحسيني، محلل العملات في مجموعة كولومبيا ثريدنيدل، "اليابان تقبع في عالم من الألم، فيما ظل البنك المركزي جالسا على الهامش طوال العام، معيدا تدوير لهجة العام الماضي فقط، كما لو أن شيئا لم يتغير قط، أو بعد".
مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي"، كان قد خفض أسعار فائدة الدولار، لأول مرة منذ عام 2008، في اجتماعه في تموز (يوليو) الماضي، في حين أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه على استعداد للبدء في تخفيف الشروط النقدية، وأن ذلك من الممكن أن يحدث بحلول أيلول (سبتمبر) المقبل.
ذلك الوضع، زاد في الوقت نفسه اشتعال التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
قال هانز ريديكر، الرئيس العالمي لقسم استراتيجية تداول العملات الأجنبية في بنك مورجان ستانلي: "هذه الخلفية تشير إلى أنه يجب شراء عملات مثل الين والفرنك السويسري".
على أن صانعي السياسة النقدية في اليابان، الذين كانوا في طليعة من اتخذوا التدابير السياسية المبتكرة مثل التسهيل الكمي، ظلوا حذرين.
وفيما تبادر البنوك المركزية إلى التحرك، يبدو أن بنك اليابان "المركزي" يظل "محلك سر"، لا يحرك ساكنا ولا يبدل قائما.
اقترب الين من مستوى "105 ين"، يوم في تعاملات مستهل الأسبوع، وترك المتداولين يتساءلون عما إذا كانت فكرة التدخل، قد تراود بنك اليابان، بعد ذلك.
بنك اليابان تدخل آخر مرة في أسواق العملات في عام 2011، ضمن جهد منسق مع البنك المركزي الأوروبي ومجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
قال الحسيني إن عدم وجود رد فعل حتى الآن ضد العملة القوية، كان "غريبا للغاية"، إذ كان مستوى 105" ين" في الماضي، يعد مستوى يدافع عنه البنك المركزي في اليابان، تلقائيا، بالتدخل لتعزيز وضع العملة في السوق، في مواجهة العملات الدولية الأخرى.
وأضاف، "ربما تغيرت عتبة الألم، ربما لم يعد حاجز "105 ين" الموضع الفارق الآن، فلربما كانوا ينظرون الآن إلى حاجز الـ100 ين مقابل الدولار، باعتباره المستوى المهم الجديد".
قال جوست إن صانعي السياسة في سويسرا، ربما واصلوا التدخل في أسواق العملات بدلا من خفض سعر الفائدة الرئيس أكثر في البلاد، بدفعه إلى النزول إلى النطاق السلبي.
الورقة الرابحة هي احتمال أن تتدخل الولايات المتحدة لإضعاف الدولار مقابل بقية العملات المنافسة، وهو احتمال وارد بشدة إذا ما تحولت الحرب التجارية بين العملاقين، إلى حرب عملات بين الولايات المتحدة والصين.
في الوقت الذي يتوقع المحللون فيه أن يتراجع الرنمينبي أكثر نحو 7.5 رنمبيني مقابل الدولار بحلول العام المقبل، فإن فرص تحقق مثل هذا التوقع آخذ في التزايد في السوق، وفقا لمحللي بنك جيه بي مورجان.
قال جورج إفستاثوبولوس، مدير محفظة لدى شركة فيديليتي إنترناشونال لإدارة الاستثمار، "على الرغم من أن ذلك ليس الأساس الذي استندت عليه، فإن احتمال نشوب حرب عملات بين أمريكا والصين، يثير القلق خاصة وقد ارتفع هذا الاحتمال، على الأرجح.
أتوقع استمرار الطلب على الملاذات الآمنة، ومن شأن ذلك أن يفيد كلا من الين الياباني والذهب، خاصة إذا ما استمر الوضع في التصاعد".