دور صندوق النقد الدولي .. اليوم وغدا «3 من 3»

تنشأ أهم التحديات المستقبلية التي سيواجهها صندوق النقد عن عالمنا المتغير. وتبرز ثلاثة تحديات في هذا السياق.
أولا، ينبغي وجود اتساق بين حجم الأسهم التصويتية لكل بلد عضو وأهميته الاقتصادية. في الوقت الحالي تمتلك بلدان الاتحاد الأوروبي الأعضاء بما في ذلك المملكة المتحدة 29.6 في المائة من الأصوات، والولايات المتحدة 16.5 في المائة من الأصوات، واليابان 6.2 في المائة، وكندا 2.2 في المائة. وفي المقابل، لا تمتلك الصين والهند سوى 6.1 في المائة و2.6 في المائة على الترتيب. ولا تعكس هذه الأرقام على الإطلاق الوزن النسبي لهذه الاقتصادات. فالواقع أن الاقتصادات المتقدمة لا تزال تهيمن على النظام المالي العالمي وتنفرد بإصدار جميع عملات الاحتياطي المهمة.
لكن ذلك لن يستمر على الأرجح. فحفاظ المؤسسات، مثل صندوق النقد الدولي، على أهميته العالمية مشروط بتعديل الأوزان الترجيحية للأسهم التصويتية، ولا سيما لمصلحة آسيا، وذلك اتساقا مع الحجج المقنعة التي ساقها إدوين ترومان من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في دراسته (Edwin Truman (2018.
ولو لم يحدث ذلك، ستقوم الصين حتما بإنشاء مؤسسة محلية مماثلة لصندوق النقد الدولي على غرار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد اللذين أطلقتهما الصين بالفعل.
ثانيا، يجب تعزيز القدرات المالية للصندوق بدرجة كبيرة، ولا سيما في عالم تتدفق فيه رؤوس الأموال بحرية نسبية.
فطاقته الإقراضية لا تتجاوز حاليا تريليون دولار. في حين تبلغ احتياطيات النقد الأجنبي العالمية 11.4 تريليون دولار. ويتضح من هذا التفاوت عدم كفاية موارد الصندوق والتكلفة المتصورة لاستخدام هذه الموارد. وينطوي توسيع نطاق شبكة الأمان على مخاطر أخلاقية. لكن المخاطر الأخلاقية لا تنتفي معها أهمية التأمين وأجهزة إطفاء الحرائق المالية والبنوك المركزية. وينطبق الأمر نفسه على الصندوق.
وأخيرا، تتوقف المصداقية العالمية للمؤسسة على عدم انفراد الأوروبيين دائما بالمنصب الأول، حتى إن كان بعضهم قد أثبت كفاءة بالفعل. فالمؤسسات العالمية في حاجة إلى أفضل القادة العالميين. وهؤلاء القادة ينبغي ألا يكون اختيارهم من خلال مفاوضات وتنازلات بهدف استقطاب تأييد واستحسان الأغلبية العظمى بل من خلال عملية تتسم بالانفتاح والشفافية مع إلزام المرشحين بتقديم خططهم بشأن التنمية المستقبلية للمؤسسة.
كما قالت كريستين لاجارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي سابقا، "كانت الأمم الـ44 المجتمعة في بريتون وودز عاقدة العزم على بدء مسار جديد يقوم على الثقة المتبادلة والتعاون المشترك، استنادا إلى المبدأ القائل: إن السلام والرخاء يتدفقان من نبع التعاون، وإيمانا بتغليب المصلحة العالمية الواسعة على المصلحة الذاتية الضيقة". فهذا التداخل بين المهنية والرغبة في التعاون هو ما جعل الصندوق بمنزلة حجر الأساس.
وربما تكون أهم سمة تميز الصندوق هي قدرته على التأقلم، وهي سمة سيحتاج إليها حتما خلال الأعوام المقبلة. لكنه سيحتاج أيضا إلى عالم تؤمن القوى المهيمنة فيه بالقيم التي يجسدها الصندوق، ألا وهي: المهنية، وتعددية الأطراف، والأهم من ذلك، التعاون. وإن لم يمارس الصندوق عمله في مثل هذا العالم، فسيواجه عديدا من الصعوبات. والصندوق في النهاية مجرد خادم للعالم يمكنه إرشاده لا تشكيله. ودائما ما ستكون أوضاع الصندوق انعكاسا لأوضاع العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي