روسيا تستكشف بيع الطاقة بعملة غير الدولار

روسيا تستكشف بيع الطاقة بعملة غير الدولار

تستكشف روسيا إمكانية إجراء تسويات العملة باليورو والروبل لصادراتها الهائلة في مجال الطاقة، في محاولة منها لتجنب التعامل بالدولار وعزل موسكو عن النظام المالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ماكسيم أوريشكين، وزير الاقتصاد الروسي، أخبر "فاينانشيال تايمز" أن روسيا ترغب في تقليل تعرضها للولايات المتحدة عن طريق جذب مزيد من المستثمرين من خلال التسويات بالروبل. قال: "لدينا عملة جيدة للغاية، إنها مستقرة. لماذا لا نستخدمها لإجراء المعاملات العالمية؟".
وأضاف: "نريد أن تتم (مبيعات النفط والغاز) بالروبل في مرحلة ما". وتابع: "الأمر المهم هنا هو عدم تحمل أي تكاليف باهظة مقابل فعل ذلك، لكن إذا تم إنشاء بنية أساسية مالية على نطاق واسع (...) وإذا كانت التكاليف الأولية متدنية للغاية، فما المانع؟".
صدرت شركة جازبروم ما قيمته 51 مليار دولار من الغاز الطبيعي إلى أوروبا العام الماضي، بينما صدرت شركة روسنفت 123.7 مليون طن من النفط. والشركتان مملوكتان للدولة.
تسعى موسكو إلى تعويض تعرضها للعقوبات الاقتصادية الأمريكية من خلال خطة "للتخلي عن التعامل بالدولار" أصدر بموجبها برنامج سندات وزارة المالية جميع الديون الجديدة باليورو والروبل. وقلص البنك المركزي ممتلكاته من سندات الخزانة الأمريكية من 96 مليار دولار إلى ثمانية مليارات دولار فقط في الـ18 شهرا الماضية.
ويرى أوريشكين أن شعبية السندات الروسية المحلية بين المستثمرين الأجانب - الذين يمتلكون 29 في المائة من ديونها بالروبل - تشير إلى أن موسكو ستكون قادرة على بيع صادراتها من الطاقة بالعملة المحلية.
وقال: "تشتري شركات الاتحاد الأوروبي والمستثمرون أصول الروبل. إذا نظرت إلى شعبية سوق السندات المحلية، فهي ضخمة للغاية. هذا يعني أن أصول الروبل موجودة بالفعل في الميزانية العمومية للمستثمرين الأوروبيين. لذلك، في مرحلة ما في المستقبل، يمكن لشركات الطاقة استخدام أصول الروبل كذلك".
وأضاف: "لديك أسعار سلبية باليورو ومعدلات إيجابية بالروبل مع تضخم ثابت ويمكن التنبؤ به". وأردف: "لا توجد ضوابط لرأس المال، إنه مرن بالكامل، ويمكنك التصرف فيه في أي وقت".
وتستكشف شركات النفط والغاز المملوكة للدولة، التي تهيمن على الاقتصاد الروسي بالفعل، بدائل لتسويات العملة في ضوء التوترات الجيوسياسية المستمرة مع الولايات المتحدة.
في هذا السياق، سعرت "روسنفت" مناقصاتها الفورية لشهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) باليورو، في حين باعت شركة جازبروم في آذار (مارس) أول شحنة من الغاز الطبيعي بالروبل لشركة أوروبية غربية.
تحويل إيرادات النفط والغاز التي تشكل نحو نصف ميزانية روسيا، بعيدا عن الدولار سيكون تغييرا هائلا في البلاد، التي من المتوقع أن تسجل فائضا في ميزانية 2019 يعادل 1.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهو أمر يرجع الفضل فيه جزئيا إلى سعر صرف الروبل المؤاتي.
قال أوريشكين أيضا إن الحكومة مستعدة لإنفاق "مبلغ محدود" من صندوق الثروة القومي الذي يحتوي على 8.2 مليار روبل، تم ادخارها منذ عام 2017 من خلال عائدات مصرفية إضافية، على جميع النفط المبيع بأكثر من 40 دولارا للبرميل، على المستوى المحلي.
ويأمل الكرملين في أن يؤدي الإنفاق الإضافي إلى إطلاق النمو الضعيف الذي يشهده الاقتصاد الروسي، الذي من المتوقع أن ينخفض إلى أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وقد دعمته طفرة في القروض الاستهلاكية غير المستدامة.
في إشارة إلى صندوق الثروة القومي، قال أوريشكين: "عندما تتراجع أسعار النفط، فإن هذا يعني عدم وجود إمداد كاف من العملة الأجنبية للاقتصاد، بالتالي، ستحتاج إلى تغطيته بأصول العملة الأجنبية التي تمتلكها"، مضيفا أن أي زيادة أعلى من المستوى الذي يكفي لتغطية تراجع أسعار النفط يمكن إنفاقها من صندوق الثروة.
كان أوريشكين قد دعا في الأصل إلى استثمار أموال الصندوق القومي في الخارج، على غرار صندوق الثروة السيادية في النرويج. وقال إن التحول الأخير في السياسة نحو الإنفاق المحلي سيتم بصورة تتماشى مع الاستثمارات الخاصة الإضافية، وسيسعى إلى التقليل من مخاوف البنك المركزي من ارتفاع محتمل في التضخم.
وذكر أن روسيا تنوي تعزيز التجارة الثنائية مع الاتحاد الأوروبي. في الأشهر الأخيرة دعا قادة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التقارب السياسي مع روسيا واستعادة العلاقات التجارية معها بعد خمسة أعوام من عقوبات تم فرضها على موسكو عقب ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014.
وقال: "عندما كان ماكرون وزيرا للاقتصاد الفرنسي، كان يترأس لجنة التنمية بين روسيا وفرنسا. إنه يعرف الآن كيفية الوصول إلى مشاريع مشتركة".
ويريد الاتحاد الأوروبي ضمان أن تتمكن شركات مثل "نوكيا" و"إريكسون" من منافسة "هواوي" الصينية في السوق الروسية المزدهرة الخاصة باتصالات الجيل الخامس. ويأمل منتجو المواد الغذائية العودة إلى الأسواق الروسية المسورة بتدابير حمائية ردا على العقوبات الأوروبية.
لكن من غير المرجح أن تدخل صادرات الأغذية من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا مرة أخرى، ما لم تسهل بروكسل بالمقابل وصول موسكو إلى السوق الأوروبية، على حد قول أوريشكين.
أضاف: "توجد عوائق عديدة أيضا على الجانب الأوروبي متعلقة بالدعم الزراعي، والتنظيم الفني، ما يحد من وصول المنتجات الروسية إلى السوق الأوروبية". وتابع: "إذا كنت تتحدث عن التجارة الحرة، فيجب أن تكون تجارة حرة حقيقية وليست تجارة حرة بصورة جزئية".

سمات

الأكثر قراءة