محللون: تحركات منتجي النفط لإعادة التوازن للسوق تدعم الأسعار .. والأعين على المخزونات
مالت أسعار النفط اليوم إلى الارتفاع بسبب بيانات عن تراجع مفاجئ في المخزونات الأمريكية، بينما تتلقى الأسعار دعما من أنباء عن توجه تحالف "أوبك+" إلى تعميق مستوى خفض الإنتاج على النحو الأوسع من الخفض الحالي وقدره 1.2 مليون برميل يوميا والممتد العمل به حتى آذار (مارس) المقبل، ما سيؤدي إلى امتصاص وفرة المعروض ودفع السوق باتجاه التوازن والاستقرار.
وشدد محللون نفطيون على أهمية الحوار الناجح، الذي جمع "أوبك" والصين هذا الأسبوع في إطار المشاورات المستمرة والمعمقة بين دول الإنتاج والاستهلاك، لافتين إلى أن الحوار يشهد تقدما مستمرا ويدعم تفاهمات تساعد على مواجهة تحديات السوق في المرحلة الراهنة، خاصة المتعلقة بأمن الإمدادات والعمل على تحسين وإنعاش منظومة الطلب العالمية وبخاصة في ثاني أكبر اقتصاد عالمي مستهلك للطاقة.
في هذا الإطار، أوضح لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل، مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن تأثير المخاطر الجيوسياسية محدود على الأسعار، التي استمرت في التراجع بسبب مخاوف التباطؤ الاقتصادي وضعف توقعات نمو الطلب، التي كان لها التأثير الأكبر في السوق، مشيرا إلى أن "أوبك" تبذل جهودا واسعة لدعم الأسعار ومنع الانفلات في الهبوط الحاد وإيجاد علاقات مستقرة ومتوازنة بين العرض والطلب.
وأضاف شيميل أن "أوبك" تواجه مزيدا من التحديات في السوق خلال الفترة الراهنة، خاصة في ضوء الارتفاع المستمر والمتلاحق في مستويات الإنتاج الأمريكي وبخاصة من النفط الصخري، حيث زاد حاليا إلى 12.6 مليون برميل يوميا ارتفاعا من 11.7 مليون برميل يوميا في بداية العام، لافتا إلى أن "أوبك" وحلفاءها قد يواجهون الأمر بمزيد من تخفيضات الإنتاج، مشيرا إلى أن المنتجين يفضلون منذ اتفاق "إعلان التعاون" توازن السوق وتماسك الأسعار على الحفاظ على الحصص السوقية، التي باتت تواجه تغيرات جذرية.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، فيتوريو موسازي، مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة، إن الخروج من نفق الحرب التجارية يحتاج إلى جهود كبيرة ورغبة قوية من الجانبين خاصة مع صعوبة التغلب على آثار التعريفات التجارية بشكل فعال، والذي أسهم على نحو رئيس في الحد من فرص النمو وانتعاش شركات الطاقة بصفة خاصة.
وأشار موسازي إلى أن الارتفاع المستمر في مستوى المخزونات الأمريكية ومخزونات الطاقة بشكل عام يحمل كثيرا من المخاطر على الطلب، لافتا إلى أنه في المقابل أدى نمو إنتاج النفط الصخري الزيتي الأمريكي بوتيرة سريعة فاق التوقعات إلى المساهمة في إعاقة انتعاش الأسعار رغم استمرار المخاطر الجيوسياسية وتعثر الاقتصاد العالمي.
من ناحيته، يقول أندرو موريس، مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، إن أسعار النفط تلقت دفعة إيجابية مهمة بعد تقارير مفادها أن "أوبك" والمنتجين المتحالفين معها سيناقشون تعميق خفض الإمدادات الشهر المقبل، وهو من طمأن السوق إلى مرونة عمل المنتجين ورغبتهم في بقاء علاقة العرض والطلب في حالة توازن مستدام وامتصاص تداعيات العوامل الخارجة عن أساسيات السوق.
وذكر موريس، أن ارتفاع العقود الآجلة أكثر من 2 في المائة يجيء انعكاسا لحالة القلق في السوق بشأن توقعات الطلب العام المقبل، مشيرا إلى أن التخفيضات الأعمق مطروحة منذ فترة على مائدة التفاوض بين المنتجين، ولكنها ربما أصبحت أكثر إلحاحا في ضوء ظروف السوق الراهنة، وفي ظل القراءة المستقبلية لتطورات الوضع بالأسواق في الأمد القصير.
بدورها، توضح لـ"الاقتصادية"، جولميرا رازيفا، كبيرة المحللين في المركز الدولي للطاقة في أذربيجان، أن تحالف المنتجين في "أوبك+" يستعد لاجتماع مهم خلال كانون الأول (ديسمبر) المقبل للنظر في وضع السوق وتقييم التخفيضات القائمة والنظر في إمكانية تعميق هذه التخفيضات لامتصاص وفرة كبيرة في المعروض قد تهيمن على السوق خلال العام المقبل، مضيفة أن السعودية قامت بتخفيضات أكبر من المطلوب وأغلب المنتجين أيضا التزموا بحصص خفض الإمدادات مع وجود بعض الاستثناءات المحدودة.
وأشارت جولميرا إلى أن طبيعة السوق في العام الجديد، خاصة مخاوف التباطؤ والركود واستمرار وفرة الإمدادات تتطلب مزيدا من تعاون المنتجين لامتصاص تلك الوفرة ودفع السوق باتجاه التوازن والاستقرار عبر رفع مستوى المطابقة لحصص خفض الإنتاج دون أي تهاون، مشددة على أهمية دور اللجنتين الوزارية والفنية في متابعة أداء المنتجين وتحديد أفضل الآليات لإنعاش السوق في العام المقبل.
على صعيد تداولات الأسواق، ارتفع النفط متجاوزا 60 دولارا للبرميل اليوم بعد أن أظهرت بيانات حكومية تراجعا مفاجئا في المخزونات الأمريكية مع دعم السعر باحتمال تعميق تحفيضات إنتاج "أوبك" وحلفائها.
وبحسب "رويترز"، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 44 سنتا بما يعادل 0.74 في المائة إلى 60.14 دولار للبرميل. وزادت عقود الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط تسليم كانون الأول (ديسمبر) 48 سنتا أو 0.88 في المائة لتسجل 54.96 دولار للبرميل.
وكانت أسعار النفط قد انخفضت في وقت سابق من الجلسة بفعل بيانات من معهد البترول الأمريكي تظهر ارتفاع المخزونات الأمريكية أكثر من توقعات المحللين، إذ زادت وفقا لتلك الأرقام 4.5 مليون برميل إلى 437 مليون برميل.
وقال جين مكجيليان، نائب الرئيس لأبحاث السوق لدى تراديشن إنرجي في ستامفورد في ولاية كونيتيكت، إن تقرير وزارة الطاقة الأمريكية "دفع بعض المشترين إلى السوق، لكن سيكون من المثير للاهتمام رؤية إن كان هذا سيستمر". في حين سيبعد هذا الأنظار عن تحطم الطلب، فإن السوق ستعود للالتفات إليه في نهاية المطاف.