تنفيذ العولمة بسلام يؤدي إلى رخاء «3 من 3»
من الخطوات الحاسمة في هذه الرحلة: اعتماد الصين سياسة "الإصلاح والانفتاح" أواخر السبعينيات تحت قيادة دنج زياو بنج؛ وانتخاب مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا عام 1979 ورونالد ريجان رئيسا للولايات المتحدة عام1980؛ وإطلاق الاتحاد الأوروبي برنامج "السوق الواحدة" عام 1985؛ وجولة أوروجواي من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف التي بدأت عام 1986 وانتهت بعد ذلك بثمانية أعوام؛ وانهيار الإمبراطورية السوفياتية بين عامي 1989 و1991؛ وانفتاح الهند بعد أزمة النقد الأجنبي التي شهدتها عام 1991؛ وقرار عام 1992 بإطلاق الاتحاد النقدي الأوروبي؛ وإنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995؛ وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، ارتكزت هذه التغيرات على رفض للتخطيط المركزي والاكتفاء الذاتي واعتناق مفاهيم السوق والمنافسة والانفتاح. وهذه ليست إمبراطورية عالمية. ولأول مرة في التاريخ أصبح هناك اقتصاد عالمي متكامل يربط أنشطة تنفذ في عدد كبير من الدول المستقلة بهدف مشترك ألا وهو تحقيق الرخاء.
وقد عمل هذا النظام وإن لم يكن بطريقة مثالية. ووفقا لمعهد ماكينزي العالمي 2014، زادت تدفقات السلع والخدمات والأموال من 24 في المائة من الناتج العالمي عام 1980 إلى ذروة نسبتها 52 في المائة عام 2007 قبل الركود الكبير مباشرة. وبين عامي 1995 و2002، ارتفعت نسبة التجارة في السلع إلى الناتج العالمي من 16 إلى 24 في المائة.
وأصبح جميع الاقتصادات تقريبا أكثر انفتاحا للتجارة. وارتفعت نسبة التجارة في السلع "الصادرات زائد الواردات" إلى إجمالي الناتج المحلي في الصين من مستويات لا تذكر في السبعينيات إلى 33 في المائة عام 1996 و63 في المائة عام 2006، قبل أن تتراجع خلال الأزمة المالية. وارتفعت نسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي في الهند من 18 في المائة عام 1996 إلى 40 في المائة عام 2008 . ويتمثل المحرك المهم لتوسع التجارة في توافر عمال بتكلفة منخفضة في الاقتصادات الصاعدة. وقبل الحرب العالمية الأولى، تمثلت الفرصة الكبيرة في إدماج الأراضي غير المستصلحة في الإنتاج من أجل السوق العالمية، خاصة في الأمريكتين. وتتمثل أكبر فرصة هذه المرة في إدراج مليارات الأشخاص الذين كانوا منعزلين من قبل كعمال ثم مستهلكين ومدخرين. وتضخم حجم التجارة التي تشارك فيها الاقتصادات الصاعدة كما ينبغي. وفي عام 1990 كان 60 في المائة من التجارة في السلع تتم بين الاقتصادات مرتفعة الدخل، و34 في المائة منها كانت بين الاقتصادات مرتفعة الدخل واقتصادات الأسواق الصاعدة، وكان مجرد 6 في المائة منها يتم فيما بين اقتصادات الأسواق الصاعدة. وبحلول عام 2012، بلغت هذه النسب 31 و45 و24 في المائة على التوالي.
وتعد الشركات العالمية أطرافا أساسية في هذه العملية. ويدل على ذلك، ضمن جملة أمور، نمو الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يؤدي إلى ملكية الشركات عبر الحدود. وفي عام 1980 كان حجم الاستثمار الأجنبي المباشر يكاد لا يذكر. لكن الاستثمار الأجنبي المباشر اليوم لم يعد مجرد تدفقا كبيرا بل مستقرا أيضا "3.2 في المائة من الناتج العالمي في المتوسط بين 2005 و2012". وقد ثبت أنه مفيد من ثلاثة جوانب كمصدر لنقل المعرفة، ومركبة لتعزيز التكامل الاقتصادي عبر الحدود، ومصدر مستقر للتمويل. وكانت مجالات التمويل الأخرى أقل استقرارا بكثير. ووصلت التدفقات المالية الكلية عبر الحدود إلى ذروتها عند 21 في المائة من الناتج العالمي عام 2007 قبل تراجعها الكبير إلى 4 في المائة عام 2008 وإلى 3 في المائة عام 2009. وأعقب ذلك حدوث انتعاش متواضع. لكن الإقراض عبر الحدود وإصدار السندات وتدفقات محفظة الأسهم لم تتعاف إلى مستويات ما قبل الأزمة حتى بحلول عام 2012. وكان الإقراض عبر الحدود خاصة من المصارف متقلبا للغاية كما هو معتاد في الأزمات. وبينما زادت التجارة والتمويل والاتصال بشكل سريع لا يصدق ذلك بالقدر نفسه على حركة الأشخاص. وعلى الرغم من زيادة عدد المسافرين الدوليين والطلاب الأجانب زيادة كبيرة، فقد زاد عدد المهاجرين بمعدل زيادة عدد سكان العالم نفسه رغم الفجوات الكبيرة جدا في الأجور الحقيقية. وإلى حد ما فإن التجارة وتدفقات رؤوس الأموال بديلان لحركة الأشخاص. غير أنه لا تزال هناك ضغوط كبيرة على حركة الأشخاص من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية خاصة عبر نهر ريو جراندي والبحر الأبيض المتوسط. وبالتالي فإن العولمة تعني زيادة النشاط الاقتصادي عبر الحدود. لكن المسألة أكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بالرخاء.