الريبو الكئيب .. كيف تعود سوق التمويل إلى وضعها الطبيعي؟
عندما خرجت سوق التمويل الأمريكية المهمة عن السيطرة في أيلول (سبتمبر)، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي بذل كل ما في وسعه لتجنب تكرر ذلك في نهاية العام.
في اليوم الأخير من عام 2019 - وقت محفوف بالمخاطر غالبا لسوق الريبو، يتم فيه اقتراض النقد مقابل ضمانات عالية الجودة مثل سندات الخزانة - أثبتت إجراءات البنك المركزي نجاحها.
من خلال ضخ عشرات المليارات من الدولارات في النظام المالي في الأشهر الأخيرة، في شكل قروض ريبو يومية وطويلة الأجل وعمليات شراء مباشرة لأذونات الخزانة، أكد مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن هناك ما يكفي من النقد يتدفق لمنع أسعار السوق من الارتفاع.
الآن، المستثمرون وواضعو السياسات متحمسون على حد سواء لإصلاح طويل الأجل؛ إصلاح يعيد إلى أسواق التمويل شيئا من وضعها الطبيعي دون الحاجة إلى تدخلات مفرطة من الاحتياطي الفيدرالي.
ناثان شيتس، مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية وكبير الخبراء الاقتصاديين في "بي جي آي إم فيكسد إنكوم" PGIM Fixed Income، التي تدير 838 مليار دولار من الأصول، قال: "أعتقد حقا أنهم يأملون في أن يكونوا في مكان يمكنهم فيه تشغيل أسواق المال بطريقة لا يضطرون فيها إلى التدخل وضخ السيولة بشكل متكرر".
السؤال هو كيف يمكن للاحتياطي الفيدرالي إزالة هذا الدعم. يقول مارك كابانا، خبير استراتيجي في أسعار الفائدة في "بانك أوف أمريكا": "السوق لا تملك الوضوح وهي تريده حقا".
مستوى الاحتياطيات المصرفية مهم لأي خطة، كونه يعد مؤشرا على النقد المتوافر في النظام المالي، وبالتالي يمكن إتاحته للمستثمرين المصرفيين الآخرين في سوق الريبو. ويعتقد على نطاق واسع أن أزمة النقد في أيلول (سبتمبر) تزامنت مع انخفاض كبير في الاحتياطيات.
الاحتياطي الفيدرالي تدخل منذ ذلك الحين من خلال شراء أذونات الخزانة قصيرة الأجل. عندما يشتري الاحتياطي الفيدرالي الأوراق المالية، يدخل مزيدا من النقد في النظام المالي، ما يعزز احتياطيات المصارف. وفور وصول الاحتياطيات إلى مستوى تكون فيه قادرة على تحمل الصدمات قصيرة الأجل لأسواق المال سيكون الاحتياطي الفيدرالي، وفقا لهذا التصور، قادرا على التراجع عن عمليات الريبو الحالية.
في الشهر الماضي قال جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بمجرد أن تصل الاحتياطيات إلى مستوى كافٍ "سيكون من المناسب أن تنخفض تدريجيا (عمليات) الريبو لليلة واحدة والعمليات لأجل أطول". لكن هذا المستوى لا يزال غير محدد. وتحتفظ المصارف حاليا بـ1.5 تريليون دولار من الاحتياطي النقدي لدى الاحتياطي الفيدرالي – أعلى من 1.3 تريليون دولار في أيلول (سبتمبر) عندما أصيبت أسواق التمويل بالشلل.
علاوة على ذلك، فتح باول الباب أمام التوسع خارج برنامج شراء السندات الحالي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي والتوجه نحو شراء أوراق مالية أخرى قصيرة الأجل لتعزيز احتياطيات المصارف.
المستثمرون بدأوا التفكير في نوع التأثير الذي يمكن أن تحدثه عمليات الشراء هذه في أسعار الأصول، بالنظر إلى أوجه الشبه ببرنامج "التسهيل الكمي" الذي تم تطبيقه في مرحلة بعد الأزمة.
شراء سندات الخزانة يرفع أسعارها، وبالتالي يخفض الأرباح المعروضة على المستثمرين وربما يشجعهم على البحث عن أصول أكثر خطورة - مثل الأسهم وسندات الشركات - لزيادة العوائد. ويرى مستثمرون أن هذا التأثير سيكون أكثر وضوحا إذا زاد الاحتياطي الفيدرالي من أجل استحقاق الدين الحكومي الذي يشتريه. يقول شيتس، من شركة بي جي آي إم: "عندما تحرك المنحنى، في مرحلة ما يصبح مماثلا من الناحية التشغيلية للتسهيل الكمي".
كاثي بوستجانك، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في شركة أكسفورد إيكونوميكس، اعتبرت أن الخيار الأفضل هو أن يظل الاحتياطي الفيدرالي مشاركا في السوق. وهي تفضل تسهيلا دائما للريبو: برنامج دائم يسمح للمؤسسات بتبادل حيازاتها من سندات الخزانة مقابل النقد بسعر فائدة محدد.
قالت: "إذا شعرت المصارف في أي وقت من الأوقات أنها تستطيع مقايضة سندات الخزانة بالاحتياطيات النقدية، فإن ذلك يجب أن يلغي أي اكتناز للاحتياطيات".
الاحتياطي الفيدرالي ناقش هذا الخيار خلال اجتماعه الخاص بوضع السياسات في حزيران (يونيو)، ما أثار مخاوف بشأن كيفية تحديد من يمكنه الوصول إلى التسهيل وبأي سعر فائدة. بعد نصف عام، لا يبدو أن البنك المركزي يقترب من إحراز تقدم حقيقي. قال باول الشهر الماضي: "أعتقد أن تسهيل الريبو الدائم أمر سيستغرق بعض الوقت لتقديره (...) وتنفيذه".
المسؤولون التنفيذيون في المصارف اغتنموا ضغوط الريبو الأخيرة للضغط على الجهات المنظمة لتخفيف متطلبات السيولة التي وضعت بعد الأزمة المالية. وهم يجادلون بأن هذه القواعد منعت المصارف من الإقراض في أسواق التمويل قصير الأجل، على الرغم من أنها مليئة بالنقد.
قال دان إيفاسين، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بيمكو التي تدير نحو 1.9 تريليون دولار من الأصول، إن اللوائح خفضت "المرونة" في المؤسسات المالية. "لا يمكنك الاعتماد على أن المخاطرة يمكن أن تتحول بسهولة (...) مثلما كان في الماضي".
مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي انشغلوا بشكل مؤقت بمسائل مثل هذه، لكن المستثمرين متشككين في حدوث أي تغيير فوري بالنظر إلى المقاومة السياسية من أمثال المرشحة الرئاسية الديمقراطية، إليزابيث وارين. السناتورة من ولاية ماساتشوستس حذرت من استخدام هيجان الريبو "ذريعة" لإضعاف القواعد المصرفية.
بغض النظر عن الاتجاه الذي يتخذه الاحتياطي الفيدرالي في النهاية، المستثمرون حريصون على أن يتصرف بسرعة.
قال آشيش شاه، الرئيس المشارك لشؤون الاستثمار في الدخل الثابت في "جولدمان ساكس أسيت مانجمينت": "إصلاح النظام المالي مهم للغاية لأداء الأسواق والاقتصاد الأوسع".
----------
باول