ما أسباب ارتفاع مكرر تملك المساكن؟ وما الحل؟
أظهرت تطورات السوق العقارية محليا؛ استقرار مكررات أسعار تملك الوحدات السكنية إلى مستويات الدخل السنوية للأفراد عند مستوياتها المرتفعة، حيث بلغ مكرر متوسط تكلفة تملك الفيلا السكنية نسبة إلى متوسط الدخل السنوي للأفراد عند مستوى 9.2 مرة، وبلغ مكرر متوسط تكلفة الشقة السكنية نسبة إلى متوسط الدخل السنوي المحدود للأفراد عند مستوى 10.3 مرة، وهي المكررات التي ما زالت قريبة جدا من مكرر سنة الأساس 2016 المحددة ضمن مستهدفات وزارة الإسكان ضمن برنامج التحول الوطني 2020 البالغ عشر مرات، وتم استهدافه بالانخفاض بحلول 2020 ليصل إلى مستوى لا يتجاوز مستوى خمس مرات.
يتم قياس هذا المكرر بناء على الأسعار السوقية الراهنة لمختلف الأصول العقارية السكنية، ونسبتها إلى متوسط الدخل السنوي لأفراد المجتمع من المواطنين، وحسبما تبين الأوضاع الراهنة لمستويات الأسعار في السوق العقارية التي أظهرت ارتفاعات متفاوتة بين مختلف المدن والمحافظات، وعودتها إلى التضخم مجددا نظير زيادة ضخ القروض العقارية السكنية بصورة غير مسبوقة خلال العام الماضي، ويتوقع أن ترتفع وتيرة ضخها خلال العام الجاري، ما يشير إلى احتمالية ارتفاع تلك المكررات إلى أعلى من المستويات التي كانت عليها خلال سنة الأساس، أي أعلى من مكرر عشر مرات والابتعاد بصورة أكبر عما تم استهدافه في بداية البرنامج، ما يؤكد بدوره الأهمية القصوى للإسراع في مجال استكمال تنفيذ أدوات كبح تضخم الأسعار السوقية للأصول العقارية السكنية، يأتي في مقدمتها استكمال مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي سيسهم استكماله في الحد كثيرا من آثار ارتفاع ضخ القروض العقارية للأفراد على مستويات الأسعار.
سبق الحديث في أكثر من مقام ومقال؛ والتأكيد على أن جانب تفعيل التمويل وتوفيره بسهولة ومرونة أكبر أمام الباحثين عن تملك مساكنهم، مجرد جزء من الحل وليس كل الحل، وتفعيله في ظل تأخر أو توقف تنفيذ بقية الإصلاحات اللازمة للحد من تضخم الأسعار في السوق العقارية المحلية، سيؤدي إلى نتائج عكسية تفوق ما كانت عليه قبل بدء تلك الإصلاحات، التي مثلت ولا تزال منظومة متكاملة من الحلول، يتطلب تنفيذها تكاملا تاما دون الاكتفاء بتنفيذ بعضها وتأخير أو إيقاف بعضها الآخر.
الآن نحن في مواجهة مزيد من التحديات التنموية في سوق الإسكان المحلية، المتمثل في عودة التضخم السعري مجددا في تكاليف تملك المساكن، وهو أساس وصلب مشكلة السوق طوال أعوام مضت، حيث تمثلت في صعوبة تملك المساكن من قبل الأفراد، وليس في عدم وجود تلك المساكن، أو في ندرة الأراضي السكنية، وأدت إلى اتخاذ الدولة إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، مستهدفة من خلاله القضاء على مختلف أشكال الاحتكار والمضاربات في السوق، والقضاء من ثم على الآثار التي نتجت عن تلك الأشكال والتشوهات التي عانتها ولا تزال السوق العقارية تعانيها.
في ظل الأوضاع الراهنة، وما قد ينتج عنها من استمرار التضخم السعري للأصول العقارية، يمكن القول إن الاكتفاء بأداة حل التمويل العقاري دون غيره من الأدوات، على الرغم من أنه قد يسهم كما يظن البعض في رفع نسب التملك من جانب وحيد، إلا أنه سيسهم في الوقت ذاته في ولادة تحديات تنموية كبيرة أخرى سبق الحديث عنها، ترتبط بارتفاع تكاليف الإنتاج والمعيشة على بقية نشاطات الاقتصاد الوطني، وتزيد أيضا مستويات الديون العقارية على كاهل المواطنين، في الوقت ذاته الذي يمكن تحقيق كل تلك الأهداف التنموية المشروعة، وعلى رأسها رفع نسب تملك المواطنين مساكنهم بأقل تكلفة، وبمستويات أدنى بكثير من المديونيات العقارية طوال الـ20 عاما المقبلة، هذا باشتراط أن يتم تفعيل بقية أدوات كبح أشكال الاحتكار وما نتج عنه من تضخم سعري كبير لمختلف الأصول العقارية، وتمثل بالدرجة الأولى في استكمال مراحل تنفيذ نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وهو الحل الأنسب والأمثل خلال المرحلة الراهنة، وعدم القيام بتلك الخطوة من شأنه أن يعيد السوق إلى ما قبل المربع الأول من مراحلها السابقة.
ختاما؛ سيؤدي استقرار مستويات الأسعار عقاريا ضمن مناطق عادلة سعريا، في تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، وأن تستمد عافيتها من عدمها بصورة أكبر من غيرها من العوامل من الحالة التي يقف عليها الأداء الاقتصادي المحلي، لا أن تكون مستمدة من تجذر أشكال مرفوضة من الاحتكار والمضاربة وغيرها المستهدف القضاء عليها، التي لا تخدم إلا قلة نادرة من ملاكها المحدودين، وفي الوقت ذاته تراها تلحق أذى واسعا وكبيرا بالاقتصاد الوطني والمجتمع، وقد تتسبب أيضا في افتعال أزمات اقتصادية ومالية وتنموية واجتماعية لا حدود لآثارها السلبية.
وسيؤدي تلاشي التضخم في أسعار الأراضي والعقار بانعكاسه على تكلفة الإيجارات السكنية والتجارية بالانخفاض، إلى دعم الاستقرار الاقتصادي، وزيادة فرص نموه واستدامته عبر انخفاض تكلفة تملك الأراضي والعقارات، وانخفاض تكلفة إيجاراتها عن كاهل القطاع الإنتاجي من الاقتصاد، بما يسهم في تخفيف عبء التكاليف التشغيلية وزيادة هامش الربحية، ويمنحه فرصا أفضل للتوسع والتوظيف وتنويع قاعدة الإنتاج الذي ستصب نتائجه الإيجابية في زيادة معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني. كما سينتج عن هذه المستهدفات اللازمة "زوال التضخم العقاري"، انخفاض تكلفة المعيشة عن كاهل القطاع الاستهلاكي، الذي يشكل المجتمع الشريحة الأكبر منه، ويزيد القوة الشرائية للأفراد، بما يعزز الطلب الاستهلاكي المحلي، ويسهم في زيادة التدفقات على عموم منشآت القطاع الخاص، التي تضطلع بدورها في زيادة ضخ الاستثمارات المحلية، وزيادة تنوع قاعدة الإنتاج والتوظيف، ما يعزز في منظوره العام الاستقرار الاقتصادي، ويسهم في ترسيخ دعائم النمو المستدام، ورفع مستوى الدخل، والدفع بتقدم عجلة التنمية المستدامة والشاملة، وفق عمل منظومة متكاملة ومتزنة للاقتصاد الوطني والمجتمع بكل شرائحه، وبما يمنع نشوء أي أزمات تنموية كالتضخم والبطالة وانخفاض مستويات الدخل وارتفاع حجم المديونيات وتعثرها لاحقا، وغيرها من أشكال الأزمات الاقتصادية في أي بلد ومجتمع كان حول العالم.