خفض سعرالفائدة في الإمارات .. تساؤلات فنية؟

لم يلحق البنك المركزي الإماراتي بالاحتياطي المركزي الأمريكي في خفضه الفائدة الأخير وهذا لابد أن يخلق استفسارا حذرا عن مدى وفرة السيولة النقدية في الإمارات، وهذا الحدث على أهميته تحت الظروف الراهنة لم أر من يرفع حاجبه وجبينه استغرابا وتساؤلا عن هذا الوضع المريب.
فمن ناحية نظرية، فعدم لحاق الفائدة على الدرهم الإماراتي بالفائدة على الدولار الأمريكي مع ربطه به والحفاظ على ثبات معدل الصرف وحرية في تنقل الأموال الدولية سيخلق سيلا من التحويلات المالية المتواصلة من خارج الإمارات إلى داخلها باحثة عن سعر أعلى للودائع. فهل سيقوم البنك المركزي الإماراتي بامتصاص هذه السيولة على حسابه فيدفع فرق الفائدة للسيولة الأجنبية غير المنتجة والباحثة عن الربح في الفرق في أسعار الفوائد؟ أم أنه سيقف محايدا من أجل توفير سيولة للبنوك هي في أشد الحاجة إليها في الوقت الراهن؟ أم أن هناك شحا في السيولة عاما حتى عند البنك المركزي فعليه فإنه في حاجة إلى احتياطيات نقدية أجنبية؟ أم أنه لا توجد رغبة في تخفيض تكلفة التمويل وإنما انصرف الهم والجهد للتعامل مع القروض القائمة حاليا؟ ولكن هذا الافتراض الأخير يقودنا إلى تساؤل آخر وهو: لم إذن لا يلجأ البنك المركزي إلى سياسة مؤسسة النقد السعودي في السنة الماضية فيخفض الفائدة على الودائع دون القروض؟ أم أن البنك المركزي قد ضمن أن الأموال الأجنبية لن تغامر بالهجرة والاستقرار كودائع في البنوك الإماراتية المحلية؟ أم أن معدل المخاطرة الذي يضاف على الفائدة الأمريكية قد ارتفع بالنسبة للإمارات حتى توازن مع التخفيض الأخير للفائدة الأمريكية؟ أم أنه ترغيب للمال الأجنبي في الاحتفاظ بالدرهم كاحتياط احترازي لإفشال أي هجوم من المضاربين عليه مستقبلا مع انتشار كثير من الشائعات عن الوضع المالي لدبي؟ أم هو مجرد اختبار عملي من جانب البنك المركزي الإماراتي لصحة نظريات الاقتصاد المالي الدولي الحديث؟!
 هل هذه الأسباب أو بعضها أسباب حقيقية كانت خلف عدم لحاق الفائدة الإماراتية بالفائدة الأمريكية أم أنها مجرد تأملات نظرية لاقتصادي أكاديمي؟ لا أعلم! ولكن ما جعلني أطرح هذه التساؤلات هو أن ديناميكية النظام المالي الدولي تفرض استحالة الجمع بين ثلاثة أمور: ربط العملة مع استقلالية السياسة النقدية مع حرية تنقل الأموال دوليا. فإما أن يتمتع البنك المركزي باستقلالية سياسة نقدية مع حرية تنقل الأموال شريطة تعويم العملة كما في بريطانيا واليابان. أو أن تكون هناك إمكانية أن يمتع البنك المركزي باستقلالية مالية مع ربط عملته بعملة أخرى ولكن بوضع قيود على حركة الأموال الدولية كما تفعله الصين. والخيار الثالث، والمتبع مثلا عند دول الخليج، هو أن تتمتع الدولة بحرية تنقل الأموال مع المحافظة على سياسة الربط على أن يتنازل البنك المركزي عن الاستقلالية السياسة النقدية في توجيه الاقتصاد والمتمثلة في سعر الفائدة كأداة غير مباشرة أو عرض النقود كأداة مباشرة.
واستطرادا، فإن الذي أبرز تساؤلاتي السابقة هو أن الديناميكية التي تفرض استحالة الجمع بين هذه الأمور الثلاثة تنشأ عندما يصبح الاستثمار في الودائع بالدرهم ذا عائد أعلى من الاستثمار في الودائع بالدولار أو العملات المرتبطة به كالريال السعودي وذلك عندما تُخفض الفائدة الأمريكية وتتبعها العملات المرتبطة به ولا تُُخفض الفائدة على الدرهم فعندها يحدث المسلسل التالي:
سيسحب المستثمرون الأجانب أموالهم من ودائع الدولار أو ودائع العملات المرتبطة به وأخص هنا في حالتنا هذه الريال السعودي ويشترون بها الدرهم. وعليه فسيزداد الطلب على الدرهم فيقوم البنك الإماراتي المركزي بتوفير الدرهم ( إصدار كميات جديدة) وبيعه لهؤلاء المستثمرين للمحافظة على سعر صرف الدرهم بالدولار وبالريال وغيره من العملات المرتبطة به تبعا.
هذه الدولارات والريالات والتي قويضت بالدرهم سيدخرها البنك المركزي الإماراتي في الاحتياطي النقدي الأجنبي في صورة سندات بالدولار والريال تدفع الفائدة المخفضة والتي أصبحت سالبة ( أقل من الصفر)إذا أخذنا التضخم في الحسبان.
وبما أن الأموال تتحرك بحرية من وإلى الإمارات، فالمستثمر الأجنبي سيقوم بإيداع الدراهم الإماراتية في البنوك الإماراتية التجارية في ودائع بالدرهم تدفع الفائدة الإماراتية المرتفعة عن مثيلاتها من دول الخليج أو الولايات المتحدة وبذلك تتوافر للبنوك التجارية الإماراتية سيولة هي في أشد الحاجة إليها لتسديد مستحقات الديون والودائع وتجنب كارثة مالية، فيكون هذا هو سبب عدم لحاق الفائدة الإماراتية بالفائدة الأمريكية.
فإن لم يكن هذا هو السبب، فلا يوجد بنك مركزي يسمح أن يتحكم الأجنبي في عرض النقود في السوق المحلية، فبناء على ذلك فإن البنك المركزي سيتدخل وسيمتص هذه السيولة القادمة من الخارج عن طريق بيع السندات الإماراتية للبنوك وسيدفع البنك المركزي للبنوك التجارية فائدة أعلى من السندات الأمريكية التي قايض بها هذه الدراهم، ومن ثم يدفع البنك التجاري هذه الفوائد للمستثمر الأجنبي.
إذن فالحصيلة من عدم خفض الفائدة الإماراتية تبعا للفائدة الأمريكية مع المحافظة على سعر الصرف هو أن البنك المركزي الإماراتي سيدفع الفرق بين معدل الفائدتين. وسيستمر تدفق السيولة الأجنبية في شكل ودائع بالدرهم إلى إن يتوقف البنك المركزي الإماراتي عن التدخل في سعر صرف الدرهم ويسمح له بالارتفاع مقابل الدولار ( أي فك الارتباط أو إعادة تقييم سعر الصرف) أو أن يمنع تدفق الأموال أي تقيد حرية تنقل المال.
 فبما أن كلا الاحتمالين غير وارد أبدا في الظروف الراهنة، فإن عدم لحاق المركزي الإماراتي بالسياسة النقدية للاحتياطي الأمريكي وتخفيض الفائدة على الدرهم أو على الأقل على الودائع بالدرهم يحكي وضعا مشوشا لوفرة السيولة في الإمارات ويعطي مصداقية لبعض الأسباب التي ذكرت سابقا والمتعلقة بشح السيولة عموما في الإمارات. ومما يزيد احتمالية صحة هذه الأسباب هو أن الصناديق السيادية للإمارات كصندوق أبو ظبي (رغم أنه أكبر صندوق سيادي في العالم) مكون من أسهم وسندات غير حكومية مما يجعل تسييله مكلف جدا في الأزمة الراهنة التي انخفضت فيها أسعار الأسهم والسندات غير الحكومية. إذن فعدم لحاق الفائدة على الدرهم لمعدل الفائدة على الدولار الأمريكي ودفع الفرق بين الفائدتين هو أقل ضررا من الخسارة في تسييل الصناديق السيادية أو من انكشاف الدرهم أمام العملات الدولية.
وقد يحدث ألا تهاجر الأموال إلى الإمارات بسبب عدم اللحاق بالفائدة الأمريكية ولكن لا يعني هذا أنه يمكن كسر نظريات الاقتصاد المالي الدولي فيصبح ممكنا ما هو مستحيل فتجتمع الأمور الثلاثة، ربط العملة مع استقلالية السياسة النقدية مع حرية تنقل الأموال دوليا. إن حدث هذا ولم تهاجر الأموال إلى الإمارات بسبب ارتفاع الفائدة فيكون هذا للأسباب التي ذكرتها عن ارتفاع معدل المخاطرة والتشاؤم للمستقبل المالي في الإمارات من جهة المستثمرين الأجانب وخاصة السعوديين وهذا ما سيمنع هجرة الأموال ولن يحتاج المركزي الإماراتي إلى دفع الفرق بين الفائدتين أو أن يضطر إلى تخفيض سعر الفائدة.
ولكن أنى لنا أن نعلم أياً من هذه الأسباب هو الدافع الحقيقي وراء قرار المركزي الإماراتي عدم تخفيض الفائدة؟ هناك مؤشر محلي قد يمكن استخدامه كوسيلة لحل بعض هذه التساؤلات. فهجرة الودائع من البنوك السعودية إلى البنوك الإماراتية تحل نصف اللغز من وجه واحد وعدم هجرتها يحل النصف الثاني من الوجه نفسه ولكن على كلا الحالين سيبقى الوجه الثاني من اللغز بلا حل إلا أن تأتي الأخبار بمن لم تزود ومن لم تبع له بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي