ثروات الخليج .. مخرجات دراسة «صندوق النقد» غير دقيقة
بدأت التكهنات بنهاية عصر النفط مع بدايات اكتشافه في القرن الـ19، ولا تزال مستمرة مع استمرار النفط مصدرا رئيسا للطاقة. كانت تدور التكهنات حول "الندرة" ونضوب النفط، ثم تطورت للضد حول "الوفرة" وانتهاء زمن النفط قبل نضوبه. ثم انطلقت دورة جديدة من التوقعات أن الطلب على النفط "وليس العرض" سيتلاشى، وسيستغنى عنه لحساب مصادر جديدة للطاقة، معتمدين في ذلك على الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي ولتطوير التقنيات. وأخيرا نشر باحثون في صندوق النقد الدولي نتائج دراسة تدعم هذا التوجه، تصدرت وسائل الإعلام وأثارت جدلا، حيث قدروا أن الطلب على النفط سيبدأ في التراجع بعد بلوغه الذروة في 2040 في أفضل الأحوال إذا لم يكن قبله. وبناء على هذه التقديرات توقعت الدراسة نفاد ثروات الخليج (الصناديق السيادية + احتياطيات البنوك المركزية) في 2034 أي قبل ذروة الطلب على النفط بستة أعوام.
وعليه ينبغي التأكيد على أن الدراسة - عكست ما هو سائد - لا تمثل رأي صندوق النقد الدولي أو مجلسه التنفيذي أو إدارته. وبصرف النظر عن ذلك، فإن مخرجات الدراسة تعد غير صالحة لتكون مدخلات لأي قرارات استثمارية أو سياسات اقتصادية. وذلك لعدة أسباب منها: أولا، إن تقديرات الطلب على النفط بنيت على افتراضات محددة ذات حساسية عالية بالنسبة للنتائج، وبالتالي فأي تغير طفيف في هذه الافتراضات -وهو أمر وارد تماما- سيؤدي في النهاية إلى نتائج مختلفة. ثانيا، طبيعة البيانات المدخلة في النموذج القياسي لتقدير الطلب على النفط هي غير تجريبية Non-experimental data ومن بديهيات علم الاقتصاد القياسي عدم الجزم بنتائج مثل هذه التقديرات والتعامل معها بحذر. ثالثا، لشرح التغير في الطلب على النفط استخدم الباحثون "عدد السكان" و"نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي" (إجمالي الناتج المحلي ÷ عدد السكان) كمتغيرين مستقلين في النموذج رغم وجود عامل مشترك بينهما هو "عدد السكان"، ما يعني حمل المتغيرين للمعلومات الشارحة نفسها للطلب على النفط، ما قد يجعل النموذج يبدو أفضل مما هو في الحقيقة. رابعا، إن استخدام نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي كمحدد للطلب الكلي على النفط قد يكون مضللا! لأنه إذا افترضنا زيادة الطلب الكلي على النفط نتيجة لزيادة النشاط الاقتصادي، فإن زيادة عدد السكان (المقام) بوتيرة أعلى من النمو الاقتصادي (البسط) سيخفض نصيب الفرد، ما سيعطي معلومة خاطئة للنموذج عن مستوى الطلب الكلي للنفط. خامسا، عللت الدراسة استبعاد الباحثين لـ"سعر النفط" بالدولار من النموذج لعدم أهميته إحصائيا في التأثير في الطلب الكلي للنفط في حين أغفلوا دور سعر صرف الدولار (عملة النفط) في التأثير في قرارات الشراء ومرونة الطلب. فمثلا لو افترضنا ثبات سعر النفط، فإن انخفاض الدولار أمام اليوان الصيني سيجعل النفط أرخص للمستهلك الصيني، وبالتالي سيزيد الطلب رغم ثبات سعر النفط. هذا من شأنه أن يعكس العلاقة التي افترضتها الدراسة، فيكون الطلب على النفط المدفوع بتغير سعر الصرف هو المؤثر في سعر النفط وليس العكس.
وفيما يتعلق بمستقبل ثروات دول الخليج، فإن جودة تقديرات أي دراسة تعتمد بالضرورة على جودة البيانات المدخلة. وبهذا الخصوص أقر الباحثون بصعوبة قياس الثروات، نظرا لمحدودية البيانات المتوافرة لديهم! وهذا يجعل النتائج المستخلصة غير دقيقة ولا يعتمد عليها. أضف إلى ذلك أن الدراسة اعتمدت الموارد الهيدروكربونية مصدرا وحيدا للثروة حاليا ومستقبلا، وأغفلت كون منطقة الخليج غنية أيضا بمصادر الطاقة البديلة. وفي هذا المجال أطلقت السعودية عدة مشاريع ضمن "رؤية 2030" لتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، وأبدلت وزارة البترول بوزارة الطاقة لتشمل جميع مصادر الطاقة. وبالتالي ففي حال ظهرت تقنيات جديدة لتوليد الطاقة من مصادر بديلة، فإن دول الخليج قادرة على الاستفادة منها اقتصاديا بحكم موقعها الاستراتيجي وتوافر الموارد الطبيعية والمالية اللازمة لذلك.