نمو متسارع لسوق أجهزة التنفس الصناعي .. يقترب من 10 مليارات دولار في 2020

نمو متسارع لسوق أجهزة التنفس الصناعي .. يقترب من 10 مليارات دولار في 2020
مخترعون يقدمون جهاز تنفس مصنوع من أجزاء متاحة بسهولة في سلوفاكيا. "رويترز"
نمو متسارع لسوق أجهزة التنفس الصناعي .. يقترب من 10 مليارات دولار في 2020
نموذج لجهاز تهوية الرئة الذي يستخدمه المرضى. "رويترز"

حذرت الشركات المنتجة لأجهزة التنفس الصناعي من أن معظم دول العالم قد لا يمتلك أعدادا كافية من تلك الأجهزة، عندما تصل حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى ذروتها.
وتأتي تلك التحذيرات في الوقت الذي زاد فيه الطلب العالمي على تلك الأجهزة أكثر من عشرة أضعاف على الأقل؛ ففي الولايات المتحدة قدرت جمعية الرعاية الطبية الحرجة أن البلاد ستكون في حاجة إلى 960 ألف جهاز تنفس صناعي، في الوقت الذي تتوافر فيه 200 ألف جهاز فقط، وفي دولة صناعية متقدمة كالمملكة المتحدة يتوفر لديها حاليا ما يزيد قليلا على ثمانية آلاف جهاز تنفس صناعي، وهو عدد أقل بكثير من احتياجاتها التي تقدر بنحو 30 ألف جهاز، أما في إيطاليا فقد أدى النقص الحاد في الأجهزة إلى قيام الأطباء بعمليات فرز للمرضى وتحديد الأولويات، ما أسفر عن وفيات ملحوظة بين كبار السن تحديدا.
هذا الوضع، سارع من وتيرة الإنتاج وعمليات البيع والشراء لأجهزة التنفس الصناعي على المستوى الدولي في الأسابيع الأخيرة، خاصة مع سعي كل حكومة إلى شراء أكبر قدر من تلك الأجهزة، وقد أسهم ارتفاع الطلب بشكل محموم وغير مسبوق في ارتفاع الأسعار التي تتغير على مدار الساعة، وفقا لبعض التقديرات.
ويقول جاك سيمون تاجر معدات طبية يعلق لـ "الاقتصادية" قائلا "عادة ما يتم تصنيع تلك المعدات في عديد من دول العالم، ثم يتم شراؤها من قبل الوسطاء، الذين يعرضونها بدورهم على التجار في مختلف دول العالم، وبعض الدول مثل المملكة المتحدة سعت إلى تجنب الشراء من الوسطاء، لأن هذا يرفع الأسعار بشدة في أوقات الأزمات".
وحول مستوى الأسعار حاليا، يوضح سيمون أن"سعر السوق ارتفع لأنواع معينة من أجهزة التنفس خلال أسبوع من 27 ألف دولار إلى 96 ألف دولار".
لكن كوريرا جوردن وهو مستورد للمعدات الطبيبة يشير إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في الارتفاع الشديد في الأسعار نتيجة الزيادة الكبيرة في الطلب، إنما في حالة الارتباك الراهن في الأسواق.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أنه "في بعض الحالات تم تقديم عروض لمعدات تبين أنها غير موجودة، وبعض المعدات لا تلبي المعايير الطبية، والاختبارات التي أجريت على عينة من أجهزة التنفس التي اشترتها بعض الدول مثل إسبانيا تبين أنها منخفضة الدقة، ما جعلها غير قابلة للاستخدام، كما أن التنافس بين الدول بات كبيرا للغاية، ما يجعل بعض الصفقات تفشل في اللحظة الأخيرة لدخول دولة على الخط بزيادة السعر والاستعداد للدفع نقدا".
الأمر المؤكد أن العالم في حاجة إلى مزيد من أجهزة التنفس الصناعي، لكن زيادة الإنتاج عملية شديدة التعقيد، إلى الحد الذي دفع عديدا من الشركات الكبرى في العالم إلى التحول في الوقت الراهن لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي، ومن بين تلك الشركات شركة دايسون لإنتاج الأجهزة الكهربائية كالمكانس الكهربائية ومجففات الشعر ومجففات الأيدي والمراوح الكهربائية وكذلك شركة السيارات الفاخرة رولزرويس وغيرها.
رغم أن دخول تلك الشركات العملاقة وغيرها على خط إنتاج أجهزة التنفس الصناعي ربما يفتح نافذة أمل لإنتاج أعداد كبيرة من تلك الأجهزة قريبا، بما يسهم في إنقاذ أرواح عديد من المصابين بفيروس كورونا.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، المهندس سيمون دين من شركة دايسون البريطانية طبيعة التحديات التي تواجهها عملية الإنتاج، قائلا "إن تصميم تلك الأجهزة صعب، لأنها يجب أن تعمل بطريقة موثوقة بها للغاية، والطريقة الوحيدة لضمان أنها تعمل بكفاءة تامة هي إجراء اختبارات مكثفة، ويستغرق ذلك وقتا طويلا يصل في الظروف الطبيعية إلى عامين من الاختبارات".
من جهته، يشير ريتشارد ماك الباحث الاقتصادي إلى أن جائحة كورونا ستسهم بشكل كبير في ازدهار صناعة أجهزة التنفس الصناعي، ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "سوق أجهزة التنفس الصناعي قبل جائحة كورونا كانت تنمو بمعدل سنوي مركب بنحو 6.6 في المائة، وكان يتوقع أن يصل إلى 7.13 مليار دولار بحلول عام 2026 بسبب تزايد أعداد المسنين في جميع أنحاء العالم، خاصة الدول المتقدمة، وزيادة أمراض الجهاز التنفسي نتيجة ارتفاع معدلات التلوث في العالم، أما الآن فإن معدلات النمو ستتجاوز ذلك بكثير، ويتوقع أن يراوح حجم السوق بين ثمانية وعشرة مليارات دولار هذا العام".
ويذكر ماك أن "أمريكا الشمالية تعد أكبر سوق لأجهزة التنفس الصناعي في العالم، بسبب الزيادة الكبيرة في الأمراض المرتبطة بنمط الحياة، فنحو 90 في المائة من جميع حالات الوفاة الناتجة عن مرض الانسداد الرئوي المزمن في الولايات المتحدة مرتبطة بالتدخين، ما يجعل أغلب المرضى في حاجة إلى تلك الأجهزة، بينما تعد أوروبا ثاني أكبر منطقة استهلاكية في العالم، يليها كل من آسيا والمحيط الهادئ ثم أمريكا اللاتينية، فارتفاع مستويات الإنفاق الطبي يعزز من قدرة تلك الدول على اقتناء تلك الأجهزة".
ويستدرك ماك قائلا "إنه من المؤكد أن معدلات الإنتاج ستزداد بشكل كبير خلال الفترة المقبلة نتيجة معدلات الطلب غير المسبوقة، لكن السوق ستظل تحافظ إلى حد كبير على الطبيعة التنافسية التي يتحكم فيها عدد من اللاعبين البارزين في الصناعة".
ويقدر الخبراء أن شركة بيكتون ديكنسون الأمريكية المتخصصة في مجال التكنولوجيا الطبية تمتلك الحصة الأكبر في سوق إنتاج أجهزة التنفس الصناعي في العالم، وفقا لتقديرات العام الماضي.
وتأسست الشركة الأمريكية التي توظف حاليا عشرة آلاف شخص عام 1897، وتبلغ قيمتها الصافية نحو 63 مليار دولار، تليها في المرتبة شركة فيليبس الهولندية التي اشتهرت تقليديا بعملها في قطاع الإلكترونيات، وخلال الأعوام الأخيرة تحولت بشكل متزايد نحو التكنولوجيا الطبية والرعاية الصحية، وتبلغ قيمة الشركة التي تتخذ من العاصمة الهولندية أمستردام مقرا لها نحو 30 مليار دولار، وعادة ما تنتج "فيليبس" نحو ألف جهاز تنفس صناعي أسبوعيا، لكن مع تفشي وباء كورونا أعلنت الشركة زيادة الإنتاج إلى ألفي جهاز أسبوعيا، بينما تحتل شركة هاميلتون ميديكال السويسرية المرتبة الثالثة، وهي تصنع أجهزة التهوية للمرضى حديثي الولادة والبالغين والأطفال، وفي شهر مارس المنصرم زادت طاقتها الإنتاجية 50 في المائة مقارنة بالعام السابق، وبنهاية الشهر الحالي يتوقع أن تضاعف الشركة السويسرية طاقتها الإنتاجية من أجهزة التنفس الصناعي.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أعطى الضوء الأخضر لشركات فورد وجنرال موتورز وتيسلا للمساعدة على تعزيز إنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي، وقالت مجموعة بي إس إيه الفرنسية التي تمتلك "بيجو" و"سيتروين"، "إنها تبحث بجدية كبرى في إمكانية الانضمام إلى الشركات التي تصنع تلك الأجهزة الطبية".

الأكثر قراءة