هل تدرك الأجهزة الحكومية والشركات أهمية إدارة المعرفة؟
يستخدم مفهوم إدارة المعرفة في مجال التدريب الإداري بكثرة, ويتداخل هذا المصطلح مع مصطلحات ومفاهيم عديدة مثل رأسمال المعرفة, واقتصاديات المعرفة والمقارنة المرجعية.
هل يمكن توضيح مفهوم إدارة المعرفة والفائدة منه ومتى بدأ استخدامه في الإدارة والأعمال؟ وهل تدرك الأجهزة الحكومية والشركات أهميتها وتطبيقها؟
حامد العلي
موظف في إحدى شركات المساهمة
الإجابة
مفهوم إدارة المعرفة Knowledge Management من المصطلحات والمفاهيم الحديثة, وتوسع المفهوم ليصبح مجالا وتخصصا في الإدارة والأعمال ويقدم فيه بحوث ودراسات متعمقة ويحضر فيه شهادات عليا في السنوات الأخيرة, كما أصبح حقلا من حقول المعرفة وتداخل مع عدة تخصصات علمية في الإدارة والسلوك التنظيمي والاقتصاد والإعلام.
ويعد عالم الإدارة والأعمال بيتر دركر Petter Druker من أوائل من أطلق مصطلح عامل المعرفة في كتابه "عصر اللااستمرارية" The Age of Discontinuity, الذي تم نشره عام 1969 وتحدث فيه عن مجتمع الموظفين.
يرى دركر أنه بعد سقوط الماركسية كعقيدة ونظام للاشتراكية أصبح من الواضح وبشكل قاطع التحول إلى مجتمع جديد مختلف هو مجتمع ما بعد الرأسمالية.
هذا المجتمع سيستخدم السوق الحر آلية مجربة للتوحد الاقتصادي.
ويرى دركر أنه ستكون الأسس في مجتمع ما بعد الرأسمالية من حيث بنائها، ودينامكيتها الاجتماعية والاقتصادية وطبقاتها الاجتماعية ومشكلاتها- ستكون مختلفة عن الأسس التي سيطرت خلال الـ 250 سنة الماضية.
كما يرى دركر أن المورد الاقتصادي الأساسي (أدوات الإنتاج بلغة الاقتصادية) لن تكون رأس المال ولا الموارد الطبيعية ولا العمال.. بل إنها المعرفةKnowledge ستكون المعرفة المحرك الأساسي للأنشطة التي تقود إلى الثراء.
وستأتي القيمة من خلال الإنتاجية والإبداع والابتكار. وهذان البعدان هما الجانبان التطبيقيان للمعرفة في العمل.
الجماعات القيادية في مجتمع المعرفة
يؤكد دركر أن الجماعات القيادية في مجتمع المعرفة ستكون هي جماعات المعرفة العمالية - التنفيذيون الذين يعرفون كيف يوظفون المعرفة بشكل منتج، كما عرف الرأسماليون كيف يوظفون رأس المال بشكل منتج.
المهنيون والموظفون المعرفيون سيكونون عمليا موظفين في منظمات
خلافا لوضع الموظفين تحت المظلة الرأسمالية، فإن الموظفين في مجتمع المعرفة يملكون وسائل الإنتاج عن طريق صناديق التقاعد التي تنمو بسرعة في جميع الدول المتقدمة، وأدوات الإنتاج المتمثلة في المعرفة التي يمتلكها العمال ويستطيعون نقلها معهم إلى أي مكان يذهبون إليه.
مكانة عمال الخدمات
يرى أن التحدي الاقتصادي بالنسبة إلى مجتمع ما بعد الرأسمالية سيكون إنتاجية العمل المعرفي والعامل المعرفي.
كما أن التحدي الاجتماعي لما بعد مجتمع الرأسمالية هو مكانه عمال الخدمات كطبقة اجتماعية ثانية. عمال الخدمات في جميع المجتمعات، حتى في المجتمعات المتقدمة ينقصهم عادة التعليم الأساسي حتى يكونوا عمالا ذوي معرفة، وسيشكلون الأغلبية.
سيقسم مجتمع الرأسمالية بشكل ثنائي إلى ثقافة القيم وثقافة الجمال، ولن يكون مجتمع الثقافتين الثقافة الأدبية والثقافة العلمية.
يعتمد مستقبل المجتمع على القادة المثقفين والقادة ورجال الأعمال والقادة السياسيين.
كان ينظر إلى المعرفة باستمرار على أساس أنها التطبيق على الوجود, وفجأة أصبحت تطبيقا على العمل.
المعرفة أصبحت موردا وأداة ومنفعة كانت المعرفة ولفترة طويلة بضاعة شخصية إلا أنها فجأة أصبحت بضاعة عامة.
مفهوم إدارة المعرفة الحديثة
المعرفة هي عبارة عن معلومات تم فهمها، وتفسيرها وتفعيلها في سياق التطبيق.
وفي آخر الأمر فإن حصيلة إدارة المعرفة تعد عملا.
ويعرف روجرز برلتون, وهو أحد خبراء تجديد المعالجة, إدارة المعرفة بأنها "مجموعة من الممارسات المحترفة التي تسعى إلى تقوية أداء المؤسسة التجارية عن طريق تحسين مقدرات مواردها البشرية وعن طريق تعزيز قدراتهم في مشاطرة ما يعرفونه".
وتطور مفهوم مصطلح إدارة المعرفة لدى خبراء إدارة المعرفة ليشمل:
* الوعي أو التسليم بأمر (إدراك طبيعة الشيء).
* الحصول على معلومات وثيقة الصلة بأمر ما (المعرفة بالشيء).
* التمتع بمهارات والقدرة على فعل أمر ما (معرفة الكيفية).
*
المعرفة الجديدة هي المعرفة القابلة للاستخدام
المعرفة لا تعني القدرة على العمل ولا الاستخدام لأن الاستخدام لم يكن معرفة إنما هو مهارة.
المعرفة الجديدة هي المعرفة القابلة للاستخدام، المعرفة وسيلة لتحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية.
المعرفة يتم استخدامها بالمعرفة.
إنتاج المعرفة بهدف التعرف على أفضل الأساليب في استخدام المعرفة القائمة لتحقيق النتائج هو في الواقع ما نعنيه في الإدارة.
المعرفة الآن تستخدم بأسلوب منظم وهادف إلى تحديد متطلبات المعارف الجديدة. والمعرفة تستخدم في الإبداع المنظم.
الثورة الإدارية عنصر أساسي في إدارة المعرفة.
التغيير الثالث في ديناميكية المعرفة يمكن أن يسمى الثورة الإدارية.
والإدارة وظيفة أساسية في جميع المنظمات، وهي العنصر الأساسي في مجتمع المعرفة.
والمعرفة تعد موردا مهما ولكن لا يمكن إنتاج المعرفة كمورد إلا في ظل إدارة فاعلة (أي استخدام المعرفة في المعرفة) نستطيع دائما أن تحصل على الموارد الأخرى.
وإدارة المعرفة غيرت بشكل جذري بناء المجتمع، وأوجدت ديناميكيات اجتماعية واقتصادية جديدة، لقد أوجدت سياسة جديدة.
المجتمعات تتحول من المعرفة إلى المعارف
بعد التحولات الثلاثة الرئيسة (الثورة الصناعية، ثورة الإنتاجية، والثورة الإدارية) تغيير أساسي في معنى المعرفة, أي تم الانتقال من المعرفة إلى المعارف.
نعني بالمعرفة الآن المعلومات الفاعلة في العمل، والمعلومات التي تركز على النتائج، والنتائج خارج الشخص، في المجتمع والاقتصاد أو في التقدم للمعرفة ذاتها.
التحول من المعرفة إلى المعارف أعطى المعرفة القوة لإيجاد مجتمع جديد.
يجب أن يبنى المجتمع الجديد على قاعدة معرفية متخصصة وأفراد متخصصين في المعرفة، وهذا هو الذي يمنحهم القوة.
المعرفة تتطلب تعلما مستمرا
المعرفة تتطلب تعلما مستمرا، لأن المعرفة تغير نفسها باستمرار.
واقتصاد المعرفة يدعو إلى جعل المعرفة مركزية في عملية تكوين الثروة.. وتطوير الاقتصاد الحالي، وتحفيز عمليات الإبداع والابتكار.
إن سلوكيات الاقتصاد المعرفي الجديدة ليست السلوكيات نفسها التي تفترضها النظريات الاقتصادية التقليدية.
أساليب اقتصاد المعرفة الجديدة
هناك ثلاثة أساليب لتطبيق المعرفة
1- التحسين المستمر للمنتج أو العملية أو الخدمة.
2- استثمار المعرفة, أي تطوير منتجات مختلفة، عمليات أو خدمات.
3- الإبداع والتجديد المستمر.
تجارب الدول المتقدمة في إدارة المعرفة
يرى خبراء إدارة المعرفة أن المعرفة ليست رخيصة الثمن, فالدول المتقدمة جميعها أنفقت نحو خمس إجمالي إنتاجها القومي على إنتاج ونشر المعرفة (حيث إن التعليم الأساسي، تعليم المواطنين الصغار السن قبل دخولهم قوة العمل تأخذ نحو (تسع) إجمالي الناتج القومي الذي كلف 2 في المائة من وقت الحرب العالمية الثانية).
وتنفق المنظمات الموظفة 5 في المائة أو أكثر من إجمالي الناتج القومي في مواصلة تعليم مواطنيها، ويتم إنفاق من 3 في المائة إلى 5 في المائة من إجمالي الناتج القومي في البحوث والتطوير.
تعد هذه النفقات مجمل تكلفة إنتاج المعرفة الجديدة.
تعد اليابان وألمانيا من أكبر الدول في النسب العليا لتكوين رأس المال، حيث تجاوزت نسبة تكوين رأس المال خمس إجمالي الناتج القومي فقط خلال سنوات إعادة البناء المحمومة التي امتدت 40 سنة بعد الحرب العالمية الثانية.
في الولايات المتحدة لم تبلغ نسبة تشكيل رأس المال 20 في المائة من إجمالي الناتج القومي منذ سنوات عدة. لذلك يعتبر تشكيل البنية المعرفية أضخم استثمار في جميع الدول المتقدمة.
أهمية إنتاج المعرفة
يرى علماء إدارة المعرفة أن إنتاجية المعرفة ستكون عاملا حاسما في النجاح الاقتصادي والاجتماعي، وفي الأداء الاقتصادي إجمالا وبشكل متزايد. ويؤكدون أن المردود الذي ستحصل عليه المؤسسة أو الشركة من الاستثمار في المعرفة يجب أن يسهم بشكل متزايد في تعزيز قدرتها على المنافسة.
تباين إنتاج المعرفة بين الدول المتقدمة
أظهرت إحصائيات إدارة المعرفة أن هناك تباينات هائلة في إنتاجية المعرفة بين الدول والصناعات وكذلك بين المنشآت الفردية, فعلى سبيل المثال:
1- بريطانيا: في ضوء نتاجها المعرفي والتقني من المفترض أن تكون قد تصدرت العالم اقتصاديا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (فكل الصادرات الحيوية، والمحرك النفاث، وجهاز تصوير الجسم.. والكمبيوتر من اختراعاتها لكن بريطانيا لم تنجح في تحويل تلك المنجزات المعرفية إلى منتجات وخدمات ناجحة وإلى فرص وظيفية وصادرات وإلى أسواق دائمة).
وعدم إنتاج المعرفة البريطانية يعد السبب الأول في تباطؤ النمو الاقتصادي البريطاني وتعثره.
2 - الولايات المتحدة
هناك مؤشرات مشابهة في أمريكا وهي منذرة بالخطر ومرتبطة بإنتاجية المعرفة: (أمريكا تصنع الرقائق الإلكترونية، أجهزة الفاكس، الآلات الصناعية، وآلات التصوير، لكن اليابان نجحت في منافستها في الأسواق في مثل هذه الصناعات, وتعتبر إنتاجية المعرفة في أمريكا في تراجع.
3- ألمانيا: (على الرغم من إنجازاتها منذ الحرب العالمية إلى عام 1990 وتوحدها مع ألمانيا الشرقية سجلت إنجازات اقتصادية مثيرة في المصارف والتأمين).
لكن يلاحظ أن ألمانيا لم تنجح في إنتاج مجالات المعرفة الجديدة, خاصة في مجال التقنية المتطورة الحديثة والحاسب والاتصالات والصيدلة والبيولوجي الجينية, على الرغم من أنها استثمرت كثيرا من رأس المال والمواهب في هذا المجال.
نجحت ألمانيا في إنتاج المعرفة لكنها أخفقت في تحويل المعرفة الجديدة إلى ابتكارات ناجحة, وظلت المعرفة الجديدة معلومات أكثر من كونها إنتاجية.
4- اليابان: كانت الأكثر تميزا في الإنجازات سواء الأساليب التصنيعية القديمة أو التصنيع الجديد القائم على المعرفة.
لكن اليابان لم تنجح في إنتاج المعرفة في مجال التقنية والإدارة وهي مازالت تستورد المعرفة أكثر من تصديرها, وتفوق اليابانيون في جعل المعرفة منتجة أيا كانت.
أنواع المعرفة
تنقسم المعرفة إلى نوعين, معرفة ضمنية ومعرفة صريحة.
أ- المعرفة الضمنية
تتمركز المعرفة الضمنية حول النماذج العقلية التي نحملها داخليا (المفاهيم، التخيلات، الاعتقادات، وجهات النظر، مجموعات القيم والمبادئ الموجهة).
وتشتمل المعرفة الضمنية على عناصر تقنية (مهارات متماسكة واضطلاع واسع وخبرة مكتسبة تتأتى من الممارسة).
ب- المعرفة الصريحة
أما المعرفة الصريحة فهي شكلية أكثر، وهي معرفة مصنفة تنتقل من شخص إلى آخر بشكل منظم.
وتعتمد المعرفة الصريحة على الخبرة، الحس الباطني ونفاذ البصيرة.
ويتم نقل المعرفة الصريحة بواسطة المستندات والصور وبعض عمليات الاتصال الأخرى.
الفرق بين البيانات، المعلومات والمعرفة
تتكون إدارة المعرفة من تطورات البيانات إلى معلومات ومعرفة ثم حكمة تستثمر كرأسمال معرفي يترتب عليه قرارات ونجاحات ومكاسب مادية ومعنوية (كما في النموذج المرفق), وذلك على النحو التالي:
1- البيانات: حقائق مبنية ذات طبيعة مجردة.
2- المعلومات: بيانات وسياق كلام له معنى.
3- المعرفة: استخدام المعلومات.
4- الحكمة: الاستثمار الحكيم للعائدات المادية والمعنوية.
التعلم والذكاء
يعد التعلم هو المعرفة المكتسبة والقدرة على الفهم أو البراعة من خلال الخبرة أو الدراسة, أما الذكاء فهو القدرة على اكتساب المعرفة.
المقارنة المرجعية Benchmarking
* أفضل التجارب عبارة عن تصرفات أو معالجات جديرة بالملاحظة.
* إن أي أفضل تجربة هي أسلوب يتعلق بنظام يختبر نفسه.
* هي علامة خارجية لموقف يتعلق بالتعلم داخل منشأة، وينطوي على روح المغامرة.
* إن المقارنة المرجعية هي عبارة عن عملية تعلم تعاونية.
المقارنة المرجعية نتاج إدارة المعرفة
إن أفضل التجارب هي ناتج لإدارة المعرفة. ويجب أن تكون خاضعة لعمليات:
1- البحث.2- التقييم. 3- الفاعلية. 4- التطبيق.
دور القيادة والإدارة في إدارة المعرفة
يوصى خبراء إدارة المعرفة القيادة والمديرين بالاهتمام بإدارة المعرفة في الشركات والمؤسسات الحديثة, وذلك من خلال:
* أهمية إظهار إدارة المعرفة من خلال الروابط المباشرة بالمشاريع الحقيقية.
* التركيز العملي يمكن أن يكون أكثر العوامل إقناعا في التغييرات السلوكية.
* يحتاج كبار المديرين والمشرفين إلى توجيه سلوك مشاطرة المعرفة من خلال التركيز والرؤية.
* الحاجة إلى تجنب الثقافات التي تشجع على التنافس الداخلي والارتياب واختزان أو احتكار المعرفة.
* تهيئة وتدريب من يمتلك ويستخدم ويدير المعرفة والمعلومات.
هل تطبق الإدارات الحكومية وإدارة الشركات أهمية إدارة المعرفة؟
بالنسبة للاستفسار عن مدى تطبيق الأجهزة الحكومية والشركات إدارة المعرفة, أقول لا شك أن مسؤولي الأجهزة الحكومية والشركات لدينا يعلمون عن إدارة المعرفة، لكني لا أدري عن حقيقة تطبيق هذه المنهجية بشكل دقيق, وليس لدى معلومات عن هذه التطبيقات، لكني أتوقع أن هناك محاولات ولو جزئية لتطبيقها في الشركات الكبيرة والمتطورة, مثلها مثل إدارة الجودة وإدارة نظم الجودة الآيزو 9000:2000 .
نأمل الاهتمام بهذا المفهوم من قبل الأجهزة الحكومية والشركات والمؤسسات, كما نأمل من جامعاتنا ومعاهدنا وكليات ومعاهد الإدارة والتقنية الاهتمام بتخصص إدارة المعرفة لإيجاد جيل من مديري إدارة المعرفة كما هو الحال بمديري الموارد البشرية, ومطوري الأعمال لتتكامل وتتضافر عناصر النجاح والفاعلية في مؤسساتنا الحكومية وشركاتنا في القطاع الأهلي .
[email protected]
رئيس آفاق الإبداع والجودة للتدريب والاستشارات