ميلاد الوحدة النقدية وإرضاعها .. من السعودية لازم نجاحها

من رحم المخاطر والتضحيات المتوقعة سترى الوحدة النقدية الخليجية، بأمر الله، النور بعد مخاض صعب قد طال وامتدت لياليه في مسيرة طويلة تحدوها آمال عريضة بعملة تحل محل الذهب وتجد لها موطئاً على العرش المحتل بالعملتين العالميتين، الدولار واليورو، اللتين تتصارعان على أن تكون كل منهما هي عملة الاحتياط العالمية لعملات دول العالم. وبانتزاع مفحص قطاة على ذلك العرش نكون قد احتللنا موقعا قياديا بين الدول يعود علينا بالفخر والمنفعة المادية على حد سواء.
مركز عملة الاحتياط العالمية هو مركز احتكاري، خلقة وطبعا لا يتحقق إلا لعملة واحدة فقط. فمنذ نشوء الورق المنسوب إلى الثمن، احتيج إلى غطاء نقدي يغطي الوعود الثمنية التي تعهدت بها هذه الأوراق. وما لبث أن طرد الذهبُ الفضة مستأثرا وحده بعرش عملة الاحتياط العالمية. ثم دار الزمان دورته بأمر من الله فتغيرت معظم أساسيات الاقتصاد وتوافرت الفرصة السياسية والاقتصادية للدولار فأزاح الذهب من مكانه وحل محله كعملة الاحتياط العالمية فحصلت أمريكا على التمويلات الرخيصة لآجال غير مسماة شيدت بها اقتصادياتها وأمكنتها من تغطية عجوزات في ميزانها التجاري لما يقارب 50 عاما مستغلة ميزة كون الدولار عملة الاحتياط العالمية.
الوحدة النقدية الخليجية لا تستطيع أن تدخل ولا تريد أن تدخل في الصراع الدائر بين اليورو والدولار على هيمنة واحتكارية عملة الاحتياط العالمية، نحن نستطيع أن نحصل بسلام على قطعة حلوى تشبعنا ولا تجيع غيرنا من العشاء الفاخر المجاني (كون حلول الأوراق محل الذهب) التي تنعم به أمريكا وتحلم أوروبا بالاستيلاء عليه.
الوحدة النقدية الخليجية تحمل بين طياتها مخاطر كثيرة وتضحيات كبيرة. فمن ذلك تعريض دول الخليج قاطبة للأخطار السياسية والأخطار المالية والعسكرية التي قد تعرضها دولة واحدة من دول الخليج. ومن ذلك التضحية بالسياسة المالية والسياسة النقدية على حد سواء من أجل موافقة الأوضاع الاقتصادية في الدول الخليجية الأخرى. فمن باب العدل والإنصاف أن يكون ميلاد الوحدة النقدية الخليجية وإرضاعها وهي في مهدها في أرض الدولة الخليجية التي هي الأشد تضحية وتعرضا لمخاطر، ليس لها فيها ناقة ولا بعير إلا من أجل تخفيف هذه المخاطر على دولة أخرى بتقاسمها معها.
بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية رضي الجميع بتسليم قيادة السياسة المالية والسياسة النقدية لأمريكا لكونها هي الآمن سياسيا والأقوى عسكريا وماليا كما أنها هي الأعمق اقتصاديا. وكذلك كان الوضع في أوروبا. فدول أوروبا علمت أن مصلحتها في اليورو فارتبطت بأقوى دولها اقتصادا ونصبت بنكها المركزي على أرضها فكانت فرانكفورت عاصمة ألمانيا مهدا لليورو.  
هناك إيران والصفويون وهناك الديون والانكشافات المالية وهناك الأجانب وغلبتهم على القيادة المالية والاقتصادية وحكومات تخلع وأخرى تحل محلها، الديار السعودية هي الآمن سياسيا والأقوى عسكريا والأعظم ماليا والأعمق اقتصاديا والأخبر والأجدر بإدارة البنوك المركزية وطنيا بأيدي أبنائها، فحق لها بل وجب ولزم أن يكون البنك المركزي الخليجي على أراضيها وأن يدار بأحد أبنائها الوطنيين المؤهلين والمستقلين فكريا عن الأجنبي ولو للفترة الأولى، فترة المهد والإرضاع المصاحبة لميلاد هذه العملة لكي يتم ترسيخ أساسات العملة الخليجية على أرض خليجية وبأيد خليجية بعيدا عن أي تأثير أجنبي قد يخلف مسار العملة الموحدة ويقصرها على ترف سياسي وتقليد غربي دون تحقيق المنافع والمكاسب المرجوة والمأمولة، فتتعاظم عندها المخاطر والتضحيات فتنهار الوحدة كما انهارت تجمعات عربية من قبل وتصبح الوحدة النقدية مسخرة يتندر بها الصالح والطالح ويأسف لها المحب وتشفى بها قلوب الحاقدين.
 إن تأسيس البنك الخليجي المركزي في الديار السعودية لهو دعم للوحدة النقدية الخليجية وأما تأسيسه في أي بلد خليجي آخر هو دعم لذلك البلد على حساب الوحدة النقدية الخليجية. فهلا نصدق النية كما صدق الأوروبيون النية من قبل فأخلصوا في حرص بناء اقتصاداتهم فربطوا عملاتهم بالدولار عام 1944، ثم عادوا وصدقوا النية وأخلصوا في حرص على ميلاد اليورو فأسسوا بنكهم المركزي الموحد على أرض تدعم الوحدة النقدية الأوروبية لا على أرض يدعمها وجود البنك المركزي الأوروبي عليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي