«النهاية» يطلق صافرة البداية لدراما الخيال العلمي العربية
هل الدراما فن من أجل الفن وتكون هدفا في حد ذاتها؟ أم أنها تحمل رسالة وبعدا آخر، سلبيا كان أم إيجابيا؟ أم أنها مجرد تنبؤات بأحداث مستقبلية؟ أو محاولة لقولبة أفكار وصور نمطية لقضايا متنوعة؟ لطالما شكلت هذه الأسئلة مثار جدال بين المثقفين والمتابعين للفن، وما زاد من "حماوة" ذلك دخول مسلسلات الخيال العلمي العربية لأول مرة على الساحة الفنية في موسم رمضان الحالي من خلال مسلسل النهاية، الذي أثيرت حوله زوبعة من النقاشات والآراء.
بخطوات واثقة، انطلق صاروخ الدراما العربية نحو الفضاء، فلم تعد تكتفي بالمشكلات الاجتماعية الواقعية كنواة أساسية لبناء العمل، بل بدأت في صياغة حبكات أكثر تعقيدا وإثارة لضمان جذب انتباه المشاهد من خلال اتجاهها نحو الخيال العلمي.
وبدأت معالم هذا الاتجاه تتضح في مسلسل النهاية، الذي كتب فكرته يوسف الشريف وسيناريو وحوار عمرو سمير عاطف وإخراج ياسر سامي وإنتاج شركة سينرجي، ويشارك في بطولته عمرو عبدالجليل وأحمد وفيق وسهر الصايغ وناهد السباعي ومحمود الليثي وسوسن بدر، وعدد آخر من الفنانين وموسيقى تصويرية هشام خرما.
ويحقق مسلسل النهاية نسب مشاهدة كبيرة منذ عرضه ضمن السباق الرمضاني الجاري، إذ يهتم الجمهور والنقاد ونجوم الوسط الفني بمتابعته، كونه عملا مختلفا ولا يشبه السائد من الأعمال الفنية.
التحول الرقمي
وتدور أحداث المسلسل في المستقبل بعد مرور مدة زمنية من العصر الحالي، حيث يعرض التغيرات الحادثة على العالم في قصة تشويقية وسيطرة التكنولوجيا على العالم في تلك الفترة، التي يتصدى لها بطل العمل يوسف الشريف الذي يقوم بدور مهندس اسمه (زين). وتدور الأحداث في عام 2120 وبالتحديد في القدس بعد تحرير فلسطين بواسطة دولة عربية واستخدام السلاح النووي، وعلى الرغم من عدم ذكر اسم الدولة، إلا أن اللهجة المصرية بين أبطال المسلسل تشير إلى أنها مصر وإنشاء مدن وناطحات سحاب تضم مواطنين عربا تعرف بالتكتل وتغير العملة إلى مكعبات الطاقة التي تملأ بالنقاط وتعرف بـ(الآي سي).
يشكل التحول الرقمي المحور الرئيس الذي تستند إليه حبكة مسلسل النهاية، حيث إن التكنولوجيا الرقمية ستغير حياة جميع البشر، وستنتشر الروبوتات لتعمل بديلا عن البشر، كذلك ستسيطر التكنولوجيا على عقول البشر، وعلى الرغم من طرح هكذا أفكار للمرة الأولى في المسلسلات العربية إلا أنها في هوليوود ارتكزت كثير من الأفلام على هذا النمط، مثل فيلم the terminator الذي تدور أحداثه، عن مصير العالم عام 2029، حيث تحكم الآلات الكرة الأرضية عن طريق تصنيع الآلات لنفسها بعدة أشكال، وكذلك فيلم Elysium الذي تدور أحداثه أيضا في عام 2154، حيث يعيش الأثرياء في محطة فضاء، وباقي الناس يعيشون في بقايا الكوكب المدمر، ورجل يوكل بمهمة ليعيد المساواة إلى العالم مرة أخرى، أما مسلسل النهاية فلقد قارب إلى حد كبير هذه الأفلام، وجاءت النتيجة إبداعا عربيا بخيال علمي أجنبي.
آراء رواد التواصل
وقد أثار هذا المسلسل جدلا كبيرا منذ انطلاقته، وتمكن أبطاله من تصدر "تريند" تويتر، وتحديدا بعد الحلقة العاشرة منه، حيث شهدت الحلقة أحداثا ساخنة، لتبدأ مرحلة جديدة من الأحداث، التي شهدت انقلابا في موازين الأحداث، بخروج الروبوت زين عن السيطرة. وهذا ما دفع كثيرين من رواد تلك المواقع إلى عد مسلسل النهاية نسخة عربية من فيلم قصير اسمه Seam، وذلك للتشابه الكبير بين مسلسل النهاية والفيلم المذكور، إذ إن كلاهما يدور في المستقبل، وتم تصوير العملين في الأردن، كذا تتشابه بعض المركبات الفضائية في العملين.
وفي السياق نفسه، تعرض المسلسل لموجة لاذعة من النقد والسخرية، فكشف أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن خطأ في المسلسل، فكتب تغريدة، عبر موقع تويتر؛ "المخرج جايب عربية BMW i3 موديل 2014 في مسلسل بتدور أحداثه في 2120.
"النهاية" ليس الأول
وعلى الرغم من أن هذا العمل يتطرق إلى الخيال العلمي، إلا أنه لا يبتعد عن الواقع على الأرض، إذ تحضر قضايا اجتماعية مختلفة فيه. ويبدو حضور الخيال العلمي جليا في الأفكار وتسريحات الشعر والأزياء الغريبة التي اعتدنا رؤيتها في أفلام هوليوود.
في الواقع تحمل السينما والدراما العربية في جعبتها مئات الأفلام والمسلسلات بجميع أنواعها؛ دراما، ورومانسي، وكوميدي، وأكشن، لكنها ما زالت تفتقر لأعمال الخيال العلمي، إن كانت هناك بعض التجارب التي كانت مبشرة رغم افتقارها للإمكانات المادية والتقنيات العالية، ومن أبرزها مسلسل العبور، إلى أن ظهر مسلسل النهاية في محاولة جريئة ومباشرة لطرق تلك الأبواب المغلقة.
وسعى طاقم عمل المسلسل للتطرق لمكان تحاشاه كثيرون وإن دخله بعضهم لكنه كان دخولا خجولا، فجاء "النهاية" بمنزلة مغامرة واختيار جريء هدف إلى كسب ثقة الجمهور. وقد شهدنا طيلة أعوام ماضية عددا من الأعمال الدرامية السينمائية التي حاولت بشكل ما شق طريقها نحو عالم الخيال العلمي ومنها فيلم سمير وشهير وبهير، مسلسل الرجل العناب، وفيلم مملكة الحب من بطولة حسين فهمي وعادل أدهم، اللذين ركبا آلة الزمن حتى يسافرا إلى المستقبل، لكن يحدث خطأ ويسافرا إلى الماضي حتى يجدا نفسهما على قارة "أطلنتس" قبل أن تفقد، والفيلم من إنتاج عام 1973. إضافة إلى ذلك هناك فيلم رحلة إلى القمر الذي رصد أول رحلة قامت بها البشرية للقمر وأداها إسماعيل ياسين ورشدي أباظة من أجل اكتشاف طبيعة الحياة هناك، ثم يحاولان العودة إلى كوكب الأرض مرة أخرى، والفيلم أنتج وعرض عام 1959.
ويبقى أن مسلسل النهاية يتميز عن غيره من الأعمال الدرامية التي تعرض حاليا خلال الشهر الفضيل، باعتماده على الخيال العلمي في حبكته الدرامية. وهو كمعظم الأعمال الدرامية المستندة على الخيال العلمي تقوم على صراع بين الخير والشر، وهذا ما يجعلها من أخطر الأنواع الدرامية لكونها تحمل مضامين ومقولات أخلاقية تسهم في بناء الصورة الذهنية النمطية، التي يسعى صناع المسلسل إلى تعميمها وغرسها في عقول المجتمع، وهي تكريس مفهوم الصراع من أجل البقاء. وقد فرضت المشاهد التكنولوجية المستقبلية ظهور الممثلين بنمط جديد ومختلف عن الأدوار التي عرفهم من خلالها جمهورهم، كما تطلب نص العمل غير المألوف نمطا جديدا من الديكور ليتماشى الفضاء الدرامي للخيال العلمي مع السيناريو والأحداث وشخصيات العمل.