التعافي من الأزمة
دفع الانتشار المتزايد للفيروس التاجي عبر البلدان عديدا من الحكومات إلى إدخال تدابير غير مسبوقة لاحتواء الوباء. وأدت هذه الإجراءات إلى إغلاق عديد من الشركات مؤقتا، وقيود كبيرة على السفر والتنقل، وتنفيذ استراتيجيات واسعة النطاق للتباعد الاجتماعي، ما أدى إلى أغلاق الاقتصادات حول العالم والدخول في شلل اقتصادي كامل.
وتختلف هذه الأزمة عن الأزمات السابقة أنها قد تعالج تراجع عام 2020 بطريقة مشابهة للركود الناجم عن كارثة طبيعية، التي لها تأثير فوري كارثي، لكنها تختفي بعد ذلك بسرعة كبيرة، حيث يمكن وصف الأزمة بحرف V. فبينما تعكس الآثار الاقتصادية لأزمة الفيروس التاجي، خفض الطلب من قبل المستهلكين، وقضايا سوق العمل، وانخفاض مستوى النشاط بين الشركات، التي ممكن أن تنعكس بتناقص الإجراءات المصاحبة لتفشي الفيروس وإعادة فتح الاقتصاد. وللمقارنة، فإن الأزمة المالية العالمية 2008 - 2009 على سبيل المثال، التي كانت مشكلة انهيار البنوك العالمية بسبب عدم القدرة على تسديد الرهن العقاري، ما أدى إلى أزمة مالية عالمية واسعة النطاق، احتاجت القطاعات المالية في تلك الدول إلى عدد من الأعوام لإعادة إصلاح القطاع المالي.
في حين أكد صندوق النقد الدولي أنه ليس هناك دولة في العالم ناجية من الآثار السلبية المترتبة على "كورونا"، وأن كثيرا من البلدان ستسجل نموا سلبيا. وفي مواجهة هذه الأزمة، اتسم تعامل المملكة بالشفافية لكل خطوة اتخذت لمكافحة الوباء. ووضعت الأهمية الأولى، لصحة الفرد، سواء كان مواطنا أو مقيما، ووفرت العلاج والفحوص للجميع. وأصدرت الحكومة تطبيق "موعد" للمساعدة على تتبع الفيروس، الذي قام عديد من السكان باستخدامه، وساعد على الكشف عن عديد من الحالات. كما يعد القطاع الصحي أحد أولويات السعودية، مع نمو يقدر 8 في المائة، وكانت وزارة الصحة قد أعلنت ارتفاع متوسط العمر في المملكة ليصبح 74.2 عاما، وهو يتجاوز المعدل الإقليمي بستة أعوام، والعالمي بأربعة أعوام. وقامت بالرعاية الصحية الشاملة، واتخذت إجراءات مهمه خلال الأزمة بتقديم الإمدادات الطبية للمواطنين مجانا وتوصيلها إلى المنازل، واتخذت إجراء فحوص الحرارة على الحدود، ومع رفع المنع الجزئي للاقتصاد، استخدمت فحوص الحرارة في كل أماكن التجمع، وألزمت الأفراد بالالتزام والحرص على حماية أنفسهم، ما يشير إلى جاهزية السعودية للحفاظ على الاستقرار طوال الأزمة، خاصة عند مقارنتها بالدول الأخرى. كثير من غير المواطنين، شعروا بالثقة بأن الحكومة ستتعامل مع الوضع بطريقة أفضل مما هي عليه في عديد من الدول، ما جعلهم يفضلون البقاء في المملكة. كانت السعودية الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي فرضت منعا تاما. في حين، وهي دولة تضم مكة المكرمة والمدينة المنورة، قامت باتخاذ قرارات صعبة لتعليق العمرة وصلاة الجماعة في المساجد، حيث تعد السعودية وجهة العالم الإسلامي في رمضان وفي موسم الحج، وذلك للحفاظ على عدد قليل نسبيا من الضحايا للفيروس، ما يجعلها في وضع جيد للتعافي بسرعة.
إن النظام المالي السعودي مهيأ لتقليل أي صدمة من الآثار الاقتصادية للجائحة، كما أن "رؤية 2030"، التي شرعت في إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق، كانت داعما رئيسا للاستقرار المالي والنمو الاقتصادي المستدام، وتنمية الإيرادات غير النفطية، لخفض الاعتماد على النفط، فعلى الرغم من الاحتياطات المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا، فإن النظام المالي في المملكة مهيأ جيدا، فالبنوك السعودية ذات ملاءة مالية قوية، وتمتلك رؤوس أموال ضخمة، والتزامات الدين العام منخفضة نسبيا. وكل هذه العوامل من شأنها أن تسمح لها بمقاومة تباطؤ الاقتصاد العالمي، حيث يتمتع الاقتصاد السعودي بمرونة قوية وإمكانات كبيرة، في حين أن أساسيات التنمية عالية الجودة لن تتغير.
كما تنبأ صندوق النقد بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي 6.2 في المائة للاقتصادات المتقدمة خلال 2020، بينما توقع الصندوق انكماش اقتصاد السعودية 2.3 في المائة، ثم نموا 2.9 في المائة في العام المقبل، وكذلك توقع أن تنهي فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا العام بمستويات من الدين العام تزيد على 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يبلغ إجمالي الدين العام للسعودية في أبريل 2020 نسبة 26 في المائة من الناتج المحلي فقط. كل هذا يبين أن السعودية تأثرت في الأزمة بنسبة أقل من الدول المتقدمة الأخرى.
ومع بداية مايو قام عديد من الدول باتخاذ سياسات لفتح الاقتصاد، ما سيعيد الانتعاش الاقتصادي العالمي، الذي بدأ ينعكس على الطلب على النفط، حيث بدأت الأسعار بالارتفاع، إضافة إلى الدور المهم الذي قامت به السعودية في إدارة سوق النفط خلال الأزمة وأدت إلى نتائج مهمه انعكست على أسعار النفط التي بدأت في الارتفاع، وتوقعت "بلومبيرج" أن يصل السعر في الربع الثالث إلى 65 دولارا للبرميل. كما توقعت وكالة الطاقة في باريس رجوع الطلب إلى مستواه قبل الأزمة.
لقد بينت السعودية أنها في وضع جيد بشكل خاص للارتداد من هذه الأزمة، واتخذت الدولة سياسات مالية ونقدية قوية، ومضت الحكومة قدما في عمليات التحفيز التي يمكن أن تتجاوز 200 مليار ريال. إن هذه الإجراءات المالية المباشرة التي تم إدخالها في الاقتصاد السعودي حتى الآن، تعادل 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2019، أي نحو أكثر من ضعف الحافز المكافئ لعام 2008 في الأزمة المالية لعديد من الدول المتقدمة. وأعلى من 6 في المائة من معدل حجم الحافز للدول المتقدمة، في هذه الأزمة. وهذا يدل على قدرة المملكة على التعافي، ما سينعكس على النشاط الاقتصادي من خلال الروابط التجارية والمالية مع مجموعة متزايدة من الدول والشركات. وهذا يوفر تداعيات إيجابية على النمو الاقتصادي، بعد توجه الدول لفتح اقتصاداتها ورفع المنع.