القمة الاقتصادية العربية .. وجهة نظر
الاقتصاد العربي إقليميا وبينياً من كبار اقتصادات العالم إمكانات، ومن أكثرها تعدداً ووعداً وثراء. إنه يتمتع بمميزات وموارد كثيرة وكبيرة ومتنوعة، بتنوع جغرافيته. عدد السكان كبير ومؤهل وقابل للتأهيل. خلفه تراثٌ فاعل ومعطاء. مصادره الطبيعية جمة متعددة وعلى رأسها أكبر مخزون في العالم من البترول وتوابعه والمعادن والمياه والمصادر الزراعية الواسعة الغنية المترامية الأطراف. موقع استراتيجي لا ينافس. نظرياً.. الاقتصاد العربي كإمكانية وحجم يكاد ينافس أو يساوي بنية الاقتصاد الأمريكي أو الاقتصاد الأوروبي لو.. لو فُعل. ولكن هذا الاقتصاد كان ولا تزال معوقاً، فشل حتى في تحديد ماذا يمكن أن يكون! الصراعات السياسية والقطرية والإقليمية أعاقته أو حيدته إن لم نقل همشته. لا توجد رؤية ولا اتفاق لا على أولويات ولا حتى على حد اقتصادي أدنى.
نتحدث ونتكلم ونردد عن السوق العربية الموحدة أو المشتركة إلخ.. ولكن لا نعي مسؤولية ومتطلبات هذه السوق وأنها تتطلب اتفاقاً، ومراحل، والتزامات مالية ومعنوية، وسياسية. والأهم التقيد بذلك. تحدثنا عن الأمن الغذائي وحتى الآن لم نستطع أن نصل إلى الصيغة الإنتاجية مع أن السودان في الانتظار ولا يزال في الانتظار وما زلنا نستورد غذاءنا خصوصاً من القمح من أمريكا.
البطالة تسري في العالم العربي بينما لم نستطع أن نستفيد من هذه العمالة ونستقدمها بدلاً من الغزو الآسيوي والإفريقي، ليس هناك مبرر إلا عدم وضوح الرؤية. لدينا أموال ضخمة ابتزنا بها الغرب كثيراً آخرها الأزمة السياسية التي أخرجتها لنا "وول ستريت" و"ليمان براذرز" و"مندوف" .. مبالغ ضخمه تم شفطها الله يعلم أين ذهبت وكم لنا فيها، كان يمكننا بها وعن طريقها إنشاء بنية سكنية عقارية تجارية صناعية وخدماتية استثمارية بتمويل قومي عربي في عالمنا العربي تعود علينا بأرباح وتطور بلادنا العربية. والمؤلم أن هذه الأموال كانت وما زالت موجودة، وستكون موجودة.
العلة هي أن المفهوم العربي للتعاون والتنمية سياسي بحت وليس اقتصاديا. بمعنى ما لم يتماش مع السياسة لا يقبل. فصل الاقتصاد عن السياسة مشروع فشلنا فيه. نحن أمة لا نعرف ولا نتكلم لغة الاقتصاد، مع أن الاقتصاد هو الذي يوحد الشعوب والسياسة هي التي تفرقهم. يمكن لأي مواطن عربي أن يؤشر ويحدد ويسمي ألف سياسي وألف شاعر نبطي ولكن أتحدى حتى القلة المثقفة أن تسمي لي اقتصادياً مؤهلا واحدا في عالمنا العربي. ليس لقلة الاقتصاديين ولكن لضعف دورهم، إنا نهمشهم. لا يوجد لدينا مجالس اقتصادية متخصصة تسهم في تطوير وتوجيه الاقتصاد ومتفرغة لهذا الغرض. لا يوجد لدينا أولويات اقتصادية، هل نفذنا الخط الحديدي التي يربط الجزيرة ببعضها؟ هل نفذنا مشاريع بتروكيماوية مع بعض الأقطار العربية؟ هل حاولنا أن نوجد بنكا سياديا عربيا؟ الأجوبة ستكون سالبة. الشيء الوحيد أو بارقة الأمل الضئيلة هي أن دول الخليج خلال طفراتها الأخيرة كانت مصدر إنعاش وتطوير واستثمار وتنمية من جانب واحد.
نتمنى أن هذه القمة تبدأ في النظر في الاقتصاد العربي نظرة جادة وعلى أسس علمية، وفصل السياسة عن الاقتصاد. إذا استطاعوا في هذا الاجتماع أن يحددوا أولية واحدة ويضعون لها برنامج عمل ويبدأون في التنفيذ فذلك يكفي. المهم أن نخرج عن الكلام غير الممكن أو واقعي أو غير قابل للتنفيذ.