من النيل إلى الفرات.. هل تحقق حلم الصهاينة؟

في حرب الخليج الثانية عندما غزا العراق الكويت انقسم العرب والمسلمون على أنفسهم وعلى حكوماتهم بين راض عن العراق مؤيد له وبين حانق عليه مقاتل له. وبين هؤلاء وهؤلاء انتهز الانتهازيون ضبابية الموقف واحتقان المشاعر فركبوا موجة الانتصار للدين أو الانتصار للعروبة فتباكوا وأبكوا جماهير الشعوب العربية المسلمة البسيطة واستغفلوا عقولهم فمنهم من برر الغزو بتعنت الكويت ومنهم من برره فداء للوحدة العربية ومنهم من برره بسبب فساد الحكومات وإفسادها، وكانت بلادنا وهي تخوض حربا مصيرية تئن بألم وحرقة  من هجمات الداخل بدعوى الإصلاح ومن هجمات الخارج بدعوى وحدة العروبة والاستعلاء على الاستعمار.
ما أشبه اليوم بالبارحة. غزة تستباح نساؤها ويُذبح أطفالها وتُقتل شيوخها وتهدم مساجدها وتخنق صلواتها فيركب الجبناء والخونة والانتهازيون مركب الحكمة والنظرة الثاقبة فأشغلوا الأمة في مناظرات تبحث في أصل الخطأ، فما كان هذا ليكون لولا أن حماساً تحمست لدينها وأبنائها ووطنها.
يا ليت هؤلاء وسعهم صمتهم إذ لم تسعهم حماقتهم. نعم، هناك فسحة للخلاف والنزاع ولكن هناك حد فاصل لا تجاوز له ولا اقتراب بين عتب الإخوان وخيانة الأوطان.
غزا الروس بلاد الأفغان فتنادى المسلمون يا لرايات الجهاد ويا لثارات بخارى وطاجيكستان. وتنافس المتنافسون على اختلاف مشاربهم ومقاصدهم في استخدام أساطير آيات الرحمن في كرامات جهاد  بني الأفغان لتنفيذ مآربهم وأهدافهم الخاصة والعامة ما خفي منها وما علن. ويا للعجب! فقد كان انسلالهم وتبرؤهم من دفعهم للشباب في أتون الحرب الأفغانية أسرع من تنافسهم فيه.
وحسمت "حماس" أمرها فارتأت مقاومة العدو الصهيوني بالحجارة،  فصفق لها العرب والمسلمون قاطبة، ووجد الانتهازيون فرصتهم فأنشدوا لها الأشعار وزمروا وطبلوا حتى إذا جدت الأمور جدها واختارها شعبها ممثلة له دون غيرها حوصر الشعب وجُوع وقُتل، فكان أمر الله فانقلبت الحجارة إلى صواريخ  قاذفة، فقذف الخسيس "حماس" بالملامة وبرر غزو الصهاينة. 
وا إسلاماه، كم اُُستغلت من القريب والبعيد ومن الصديق ومن العدو ومن رجل الدين ورجل السياسة ومن رجل الاقتصاد. سُفكت دماء نخبة من أبطال شباب المسلمين على سفوح أفغانستان تحت اسم الجهاد وسلبت حريات من تبقى منهم تشريدا وتقتيلا وسجنا تحت اسم الإرهاب بعد أن راغ عنهم من ارتقى على ظهورهم. وكذلك فُعل بحماس بعد أن حُطمت أيدي أشجع  شبابهم وهم يقذفون الحجارة على الصهاينة وبعد أن قُتلت خيرة أمرائهم ودمرت منازلهم واغتصبت أموالهم وغصت سجون بني صهيون بهم.
يقاد فكرنا في عالمنا الغربي والإسلامي من سياسيين ودينيين وقوميين وحمقى يتشدقون بشجاعة وتضحيات غيرهم فيحصدون من وراء ذلك المنافع والمصالح الخاصة بهم حتى إذا جاء وقت دفع الثمن، والشجاعة والتضحية غالية الثمن، قلب هؤلاء ظهر المجن وركبوا مركب الحكمة والمصلحة. وعامة المسلمين في كلا الحالين يركضون خلفهم عميا بكما صما.  
كان من نهج شيخ أهل الحديث وإمامهم، أبو عبد الله البخاري، في تصنيفه لصحيح البخاري، كتاب أهل السنة والجماعة، أن يبوب بعض الأبواب بحديث يعتقد صحته ولكنه لا يرتقي إلى شرطه وهكذا كان عنوان هذا المقال، اعتقاد يضيق به صدري ولا ينطلق به  لساني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي