فشل العقل .. حلول مخفية على مرأى من الجميع

فشل العقل .. حلول مخفية على مرأى من الجميع
كتاب «اقتصاديات الغضب»

في الأسابيع الأخيرة، شعرت بوخزات من التعاطف مع المؤلفين الذين ينشرون كتبا عن عالم اليوم لكنها كتبت قبل كوفيد - 19. عمل الوباء على إحداث تغيير كامل في وجودنا. من السمات البارزة في كتاب "اقتصاديات الغضب" أنه يمكنك تماما اعتبار أنه كتب بالأمس.
كل شيء يتناوله الكتاب - أسباب الغضب في الديمقراطيات الغربية وكيفية إصلاحه – تضخم بسبب الإغلاق والجمود الاقتصادي العميق الناجم عن ذلك. الشركات الكبرى تنهل بكميات ضخمة من صنبور السيولة المفتوح من جانب البنك المركزي، في حين أن الشركات الأصغر تعاني من أجل البقاء على قيد الحياة.
فيروس كورونا جعل جذور الغضب الشعبوي تبدو واضحة تماما. هذا الكتاب هو تلك المخطوطة النادرة قبل كوفيد - 19 التي أصبحت عرضا ذا صلة بالوضع الحالي بسبب الفيروس. الكتاب جدير بالقراءة في جميع الأحوال. المؤلفان المشاركان، مارك بلايث وإريك لونيرجان، هما من دارسي الشعبوية لأعوام. لونيرجان هو مدير صندوق تحوط كلي يكتب عن فلسفة المال. بلايث، باحث في جامعة براون ومؤلف كتاب "التقشف" – وهو توبيخ لاذع للاستجابة لأزمة 2008.
ينخرط المؤلفان في سلسلة من الحوارات لفهم "ما يبدو للوهلة الأولى أنه تدفق غير مترابط للعاطفة البدائية". معظمنا يعد أن من المسلم به أننا نعيش في عالم غاضب. كتابهما يقدم حجة متفائلة للطريقة التي يمكننا بها الهروب من ذلك.
مفتاح أطروحتهما هو التمييز بين الغضب القبلي، الذي يروق لغرائزنا البدائية، والغضب الأخلاقي، الذي يحتج على الأخطاء التي ترتكب بحقنا من قبل الحكومات الخرقاء والفاسدة في بعض الأحيان. كلاهما رد فعل على الفراغ الناجم عن فشل السياسة التكنوقراطية. فقط النموذج الثاني صحي.
بين عامي 1981 و2017، تضاعف الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا، في حين ارتفع استخدام بنوك الطعام (التي تقدم الوجبات المجانية للفقراء) 1000 في المائة. في اجتماع حاشد في سندرلاند، موطن مصنع سيارات نيسان، قال سياسي مؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي إن الانسحاب من أوروبا من شأنه أن يضر "بناتجنا الإجمالي المحلي". عندها صرخ أحد الحضور: "ناتجك المحلي الإجمالي". وكما يكتب المؤلفان: "الانفصال بين تجربتنا الخاصة بالعالم، والنموذج المستخدم لتفسير هذا العالم وصل إلى مستوى الأزمة (...) بحيث لا يمكننا ’وكز‘ هذا النظام ودفعه نحو الاستقرار".
يقول بلايث ولونيرجان إن التفسيرات الثقافية للغضب الشعبي هي حلقة مفرغة. تفسير ارتفاع العنصرية من خلال ارتفاع عدد العنصريين هو تفسير صحيح لكنه فارغ. كما أنه نصيحة باليأس. ويكتبان: "تقريع الفقراء على عنصريتهم وتوبيخهم هو أسهل من فعل أي شيء حيال فقرهم".
التركيز على خياراتنا الاقتصادية، وعلى وجه التحديد، على عدم المساواة، يقدم خريطة طريق للخروج من المستنقع: لتكن بسيطة، ويكون لها أثر مهم، ولتنتشر عبر الحدود السياسية. أهم فكرة لديهما هي إنشاء صندوق ثروة وطني. أسعار الفائدة السلبية الحقيقية هي ما يعادل اكتشاف النفط. عندما تكون تكلفة الاقتراض أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي، ينبغي للحكومات إصدار السندات والاستثمار في أصول متنوعة، إلى حد كبير مثلما تفعل صناديق الثروة السيادية. يجب توزيع المكاسب مع مرور الوقت على الناس كصناديق استثمار يمكن استخدامها في التعليم والصحة.
الفكرة بسيطة ومبدعة. من الجنون حسابيا أن نرفض فرصة المقرضين الذين يدفعون لنا للاقتراض منهم. عائدات صندوق الثروة الوطنية ستعيد توزيع الثروة دون زيادة الضرائب على الأغنياء، الذين أتقنوا نظاما للتهرب من الضرائب في جميع أنحاء العالم.
كما أنه سيولد عوائد جيدة. في عام 1998، وضعت السلطة النقدية في هونج كونج 15 مليار دولار في مؤشر هانج سينج لدعم أسعار الأسهم. في البداية تم انتقاد الفكرة بشدة على أنها تدخل من جانب السلطة في الأسواق، لكنها حصلت على الثناء في النهاية بعد كسب عوائد ضخمة.
تشمل الحلول الأخرى عائدا للبيانات حيث يتم إلزام شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل أمازون وجوجل وأبل بأن تدفع لنا مقابل استخدام بياناتنا الخاصة. مرة أخرى، عوامل النفعية السياسية ستكون أسهل بكثير من تفكيك عمالقة التكنولوجيا - وأكثر ربحية بكثير للمواطنين العاديين.
في الأعوام الأخيرة، الشعور بالسام من أن الناس لا صوت لهم وأن الإجراءات الحكومية غير مجدية أدى إلى إحداث الشلل في ديمقراطياتنا. "اقتصاديات الغضب" هو توبيخ لهذا النوع من "فشل العقل". لو أننا كلفنا خاطرنا ونظرنا حولنا، فإن كثيرا من الحلول مخفية على مرأى من الجميع.

الأكثر قراءة