كيف سيصبح العالم مختلفا بعد كوفيد – 19؟ «3 من 3»

يقول جين سالدانا، مدير الشبكة الأوروبية للديون والتنمية إنه ينبغي معالجة مشكلة الديون من خلال عملية لتخفيف أعبائها، تركز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام لكل بلد.
فقصر النظر في ضبط أوضاع المالية العامة كان يشكل عقبة أمام إدارة الدين، وتخفيضه عقب الأزمة المالية العالمية، وسيقلل مرة أخرى من قدرتنا على التعامل مع الأزمات الصحية والاقتصادية مستقبلا. والرخاء المشترك يمكن أن يكون هو ثمرة عالم كوفيد - 19، الذي يتميز بالطموح المشترك والتضامن العالمي. وسيترك كوفيد - 19 بصمة لا تزول على الاقتصاد العالمي، إذ إنه سيحدث تغيرات دائمة ويعلمنا دروسا مهمة. ومن المحتمل أن يصبح الكشف عن الإصابة بالفيروس جزءا من حياتنا، تماما مثلما أصبحت الإجراءات الأمنية واسعة الانتشار بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر). ومن الأهمية بمكان الاستثمار في البنية التحتية الضرورية للكشف عن حالات التفشي الفيروسي مستقبلا. وهذا الاستثمار يحمي الاقتصادات إذا تبين أن مفعول المناعة من كوفيد - 19 مؤقت.
واعتمد كثير من الاقتصادات طرقا مختلفة من Kurzarbeit أي دعم العمل لوقت قصير الذي تمنحه ألمانيا في فترة الجائحة. فهذه السياسة تحفظ للعاملين وظائفهم بعدد ساعات وأجور أقل، بينما تعوضهم الحكومة عن بعض الانخفاض في أجورهم. ومن خلال الحفاظ على سلامة التوافق بين الشركات والعاملين، يصبح الاقتصاد مستعدا بشكل أفضل للتعافي السريع. ويكتسب تحسين سبل تنفيذ هذه السياسات أهمية، ويجعلها جزءا دائما من مجموعة أدواتنا للتعافي الاقتصادي.
ومن المرجح أن يصبح العمل عن بعد أكثر شيوعا، فكانت لدينا بعض الأدلة على أن العمل من المنزل يرقى على أقل تقدير إلى مستوى الإنتاجية من العمل في المكاتب، ومع ذلك، كان كثير من الشركات يحجم عن تبني العمل عن بعد. والآن، ربما أصبح العمل عن بعد واقعا دائما بعد أن مر كثير منها بهذه التجربة وحقق نتائج جيدة. وعجلت أزمة الجائحة من وتيرة التحول الرقمي، مع زيادة التوسع في التجارة الإلكترونية وتسريع وتيرة اعتماد التطبيب عن بعد، والمؤتمرات المرئية، والتعليم عبر شبكة الإنترنت، والتكنولوجيا المالية.
أما الشركات المرتبطة بسلاسل التوريد العالمية فتواجه مشكلات من نقص الإمدادات ومن حدوث اختناقات. ومن المرجح أن يقدم عدد كبير من هذه الشركات على إعادة بعض منشآت الإنتاج إلى بلدانها، ولسوء الحظ أن هذا الاتجاه لن يوفر عددا كبيرا من الوظائف، نظرا لاحتمال استخدام الوسائل الآلية في معظم عمليات الإنتاج، وسيصبح حجم الحكومات أكبر بعد قيامها بدور شركة التأمين والمستثمر الأخير أثناء الأزمة، وسيتصاعد الدين العام، فيسبب تحديات مالية حول العالم. وأبرز الدروس المستفادة من جائحة كوفيد - 19 هو إدراك أهمية العمل معا لحل المشكلات، التي تؤثر في الجنس البشري قاطبة. ففي اتحادنا قوة أكبر مما في انقسامنا.
ويقول إيان بريمر، رئيس ومؤسس المجموعة الأوروبية الآسيوية، كان النظام العالمي متغيرا بصفة مستمرة قبل أزمة كوفيد - 19 مباشرة. وأدى فيروس كورونا إلى تعجيل ثلاثة من الاتجاهات العامة - الجغرافية - السياسية، التي ستشكل نظامنا العالمي التالي.. الذي سيكون في انتظارنا على الجانب الآخر من هذه الجائحة.
الاتجاه العام الأول هو اللاعولمة، فالمصاعب اللوجستية، التي أبرزتها الأزمة الحالية تشير بالفعل إلى التحول بعيدا عن سلاسل التوريد العالمية في الوقت المطلوب. ولكن مع تصاعد المصاعب الاقتصادية، فإن النمو الحتمي للقومية والسياسة سيدفع الشركات إلى توطين عملياتها التي "وطني أولا" تمنح الأفضلية لسلاسل العرض الوطنية والإقليمية.
والاتجاه العام الثالث، وهو صعود الدور الجغرافي- السياسي للصين، ظل قيد الإعداد على مدى أكثر من ثلاثة عقود. ولكن بينما نجحت الصين في التحول إلى قوة اقتصادية وتكنولوجية عظمى، لم يتوقع أحد منها، أن تصبح قوة عظمى "ناعمة" ومن شأن هذه الأزمة تغيير الوضع، إذا استمرت المساعي الدبلوماسية للصين بشأن الأزمة، واستمرت النظرة تجاه بيجين بأنها كانت أكثر فعالية بكثير من بقية العالم في استجابتها لتفشي الفيروس.
وبطبيعة الحال، إن ما يبدو من أن الصين أفضل حالا من غيرها لا يعني أن الأمر كذلك بالفعل. فهناك من الأسباب ما يدعو إلى النظرة تجاه أرقام الصين بشيء من الحذر. وهذا الشعور العام بعدم الثقة ازداد اشتعالا بفعل تستر الصين على تفشي الفيروس في البداية، ما مكنه من الانتشار في أنحاء العالم. فيميل دونالد ترمب وأعضاء إدارته نحو هذه القصة كاستراتيجية انتخابية ولصرف الانتباه بعيدا عن الطريقة، التي اتبعوها هم في التعامل مع الجائحة. ولن تذعن الصين لهذه الادعاءات، الأمر الذي يزيد الاحتمالات بأنه متى خرج العالم من الجائحة الحالية، سيقحم بنا في حرب باردة جديدة، لكنها هذه المرة بين الولايات المتحدة والصين، وسواء بدأ العالم نظاما جديدا أم لا، هناك بعض الأمور التي لا تتغير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي