«المسافة صفر» .. ذاكرة مشحونة بالمشاهد الطفولية

«المسافة صفر» .. ذاكرة مشحونة بالمشاهد الطفولية
بوستر الفيلم.
«المسافة صفر» .. ذاكرة مشحونة بالمشاهد الطفولية
مشهد من العمل.

منذ نعومة أظافرنا نتهافت على التقاط الصور الفوتوغرافية، التي تعيش على شريط ذكريات لمرحلة من الزمن ثم تتلف وتختفي كاختفاء لحظات العمر، وعلى الرغم من اندثارها ورقيا أو فوتوغرافيا إلا أن ذاكرتنا تبقى أحيانا محفوفة بالمشاهد الطفولية الجميلة، وأحيانا أخرى نصاب بفقدان ذاكرة لبعض اللحظات، وانطلاقا من هذا الواقع جلس المخرج السعودي عبدالعزيز الشلاحي مع الكاتب مفرج المجفل يتسامران ويتبادلان أطراف الحديث، عن الصور التي كانت تطمس وتحرق في مرحلة الطفولة، وأشعلت هذه الذكريات فكرة، تبلورت إلى أن أصبحت فيلما يحمل اسم “المسافة صفر”.
تدور أحداث الفيلم في 2004، حول ماجد المصور الفوتوغرافي، يلعب دوره خالد الصقر، صاحب استوديو تصوير في وسط العاصمة الرياض، ورفيقه الذي أودع السجن بتهمة الضلوع في الإرهاب. فبعد أن هرب من ماضيه المضطرب يجد ماجد نفسه وسط واقع غريب، عندما يجد فجأة علبة دواء لاضطرابات الذاكرة تحمل اسمه، وصورة لجثة على أرض شقته، ومسدسا ذا رصاصة ناقصة في سيارته، فيحاول خلال رحلته إبعاد الشبهة عنه.
التشويق منذ اللحظات الأولى
منذ اللحظات الأولى للفيلم، يبدأ التشويق والغموض يسيطران على المشاهد، ويزدادان مع مرور الأحداث، ليقارع الفيلم كبرى إنتاجات هوليوود، ينظر ماجد بنظرات الحيرة والضياع، فأتقن الدور وجعلنا كمشاهدين ننغمس معه ومع حيرته، هل هو فاقد للذاكرة فعلا أم أن أحدا يحضر كمينا لإدخاله السجن؟، وأتت الحبكة متقنة بشكل رائع، فجاء فيلم “المسافة صفر” ليثبت تطور الدراما السعودية التي بدأت في الآونة الأخيرة تزدهر وتنشط تماشيا مع رؤية المملكة 2030.
وفي حديث خاص مع «الاقتصادية» قال المخرج عبدالعزيز الشلاحي، “إن الفيلم دخل مرحلة الكتابة منذ بداية عام 2017 والتحضيرات بدأت في منتصف 2018 أما بداية التصوير فكانت في ديسمبر 2018”، وعن سبب هذا الوقت الطويل لتبلور العمل، قال الشلاحي، “استغرقنا كل هذا الوقت لحرصنا على إظهار تفاصيل القصه بشكل متقن، لكن استغرقنا جهدا أكبر في محاكاة الفترة الزمنية للفيلم، حيث إن الأحداث تدور في 2004، وكان يجب علينا البحث عن أماكن حقيقية لم تتغير مع مرور الوقت مثل البيوت والشوارع والسيارات، ورغم أن فترة الـ2004 ليست بعيدة كثيرا عن الآن، إلا إنها كانت من أصعب المراحل في الاحتفاظ بالتفاصيل الخاصة بها”.
«نتفليكس» تبثه
بدأت شبكة نتفليكس، بث الفيلم السعودي “المسافة صفر”، الذي بلغت تكلفة إنتاجه 350 ألف دولار، في 31 يوليو الماضي، الذي صادف أول أيام عيد الأضحى المبارك. وعن هذا الأمر يقول الشلاحي، “وجود الفيلم في منصة رائدة ومنفردة مثل نتفليكس يعطي الفيلم حضورا أكثر وفرصة مشاهدة عالية، خصوصا في وضع الظروف الحالية، والقيمة الإضافية هي أنه منذ عرضه وهو في مجموعة العشرة الأوائل كمشاهدة في المملكة العربية السعودية”، وبذلك ينضم فيلم “المسافة صفر” إلى عدد من الأعمال السعودية، سواء درامية مثل: “وساوس” ومسلسل “تكي”، أو سينمائية مثل: “مسامير” و”بلال”، إضافة إلى الأفلام الستة القصيرة من إنتاج “تلفاز 11”، لما يحققه الانتشار الواسع الذي تؤمنه شبكة نتفليكس على مستوى العالم.
2020 عام جميل سينمائيا
عن واقع السينما السعودية في الفترة الراهنة، وما المأمول مستقبلا من هذا القطاع؟، قال الشلاحي، “إن العام 2020 رغم قساوته إلا أنه كان عاما جميلا فيما خص حضور الأفلام السعودية، فهناك فيلم: شمس المعارف، للأخوين قدس يعرض في السينما، وقبله أفلام أخرى سعودية”، وأضاف أن “هذا الحضور اللافت في هذه الظروف يعطينا انطباعا مبشرا بعودة الجمهور إلى مشاهدة الأعمال السعودية والسينمائية على وجه الخصوص، وبالتالي إنتاج أكثر وإتقان أفضل”.
جوائز
حاز فيلم “المسافة صفر” عديدا من الجوائز، أبرزها جائزة أفضل سيناريو في مسابقة أيام الفيلم السعودي بدعم من إثراء “مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي” 2017، وأفضل فيلم روائي طويل في مهرجان أفلام السعودية 2019، وجائزة أفضل إنجاز سينمائي في مهرجان الإسكندرية السينمائي 2019. وعن هذه الجوائز يقول الشلاحي، “إن حصول أي فيلم على جائزة لا يعني بالضرورة أن الافلام الأخرى سيئة، إنما هو تكريم و تميز يضاف إلى الفيلم وجميع الفريق العامل فيه”.
وتعد هذه الجوائز استكمالا للنجاح الذي يحققه المخرج عبدالعزيز الشلاحي، الذي حصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان الأفلام السعودية عام 2016، وعلى جوائز أخرى، وله عديد من الأعمال والأفلام السينمائية التي شاركت في مهرجانات الأفلام في السعودية وفي الخليج وفي أنحاء العالم كافة، واستطاعت أفلامه حصد عديد من الجوائز، من أبرزها “عطوى (2015)، وكمان (2016)، والمغادرون (2017)، والمسافة صفر (2019)”، وله أيضا عديد من الأعمال التلفزيونية أبرزها “يا تلفزيوني”، الذي عرض على القناة السعودية.
وعن الربحية في سوق الأفلام السعودية يقول الشلاحي، “لا يمكن الحكم بهذه السرعة على تحقيق العوائد من الأفلام في السوق السعودية، فنحن ليس لدينا عدد من الأفلام التجارية الكافية لعمل قياسات ونجاحات ودراسات لمسار الأفلام في السينما”.
تألق صناعة السينما السعودية
شهدت صناعة السينما السعودية نقلة نوعية في الأعوام الأخيرة، وتنوعت الأفلام ما بين الروائية والوثائقية والقصيرة، أدت دون أدنى شك إلى إثراء المحتوى العربي، ورفع راية الإنتاجات السعودية في سماء الدول الأجنبية، حيث حصد المخرجون والمصورون والممثلون السعوديون عديدا من الجوائز العالمية خلال الرحلات والجولات الدولية للأفلام السعودية في المهرجانات السينمائية حول العالم، أبرزها مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الذي شهد مشاركتين، الأولى لفيلم “المرشحة المثالية”، والثانية لفيلم “سيدة البحر”، الذي حصل على جائزة فيرونا للفيلم الأكثر إبداعا ضمن جوائز أسبوع النقاد، بجانب مهرجان صن دانس السينمائي في أمريكا، الذي شهد مشاركة ثلاثة أفلام سعودية، من بينها فيلم “الدنيا حفلة” للمخرج رائد السمري الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم، وأيضا مهرجان قرطاج السينمائي الدولي الذي حصدت فيها المخرجة شهد أمين جائزة “التانيت البرونزي” عن فيلمها “سيدة البحر”.
كما شاركت الأفلام السعودية أيضا في مهرجان الإسكندرية، ومهرجان الرباط، ومهرجان الشارقة، ومهرجان برلين، ومهرجان كليرمون فيران الدولي، ومهرجان لندن، ومهرجان الدار البيضاء، ومهرجان تورنتو السينمائي الدولي، والقاهرة، ومهرجان الفيلم العربي في توبنجن في ألمانيا، ومهرجان عين السينمائي، ومهرجان مراكش، ومهرجان سنغافورة.
الدراما السعودية بين عامي 1969 و2020
على صعيد ذي صلة عرفت الدراما السعودية من خلال مسلسل “الفارس الحمداني”، الذي يعد أول إنتاج درامي سعودي عرض عبر تلفزيون الرياض عام 1969، ورغم عدم وجود أي معهد فني لدراسة التمثيل في المملكة فإن المسلسلات بدأت تأخذ طريقها في الظهور في محطات التلفزة السعودية، وبدأت تتخذ مكانا في الأوساط العربية، مع بدء عرض مسلسل “طاش ما طاش” الشهير في 1993 حتى 2010، للبطلين ناصر القصبي وعبدالله السدحان.
وعلى مدار الأعوام القليلة من عمر الدراما السعودية، لم تكن أغلبية أعمالها معروفة أو قوية، بسبب ضعف القدرات، إلا أنها استطاعت أن تحقق تقدما ملموسا خلال هذه الفترة.
إن هذه النقلة النوعية في صناعة الأفلام السعودية تنعكس إيجابا على توجه المملكة الثقافي والترفيهي، وستسهم في تنمية قدرات الشباب وإبراز المواهب المحلية.

الأكثر قراءة