تداعيات كورونا .. الاقتصادات النامية تعيد النظر في التخطيط الحضري

تداعيات كورونا .. الاقتصادات النامية تعيد النظر في التخطيط الحضري
جانب من العاصمة الكينية، نيروبي.

لطالما كانت الهجرة إلى المدن محركا للتنمية، حيث تنتج حواضر مترامية الأطراف في جميع أنحاء العالم. لكن الآن كوفيد - 19، الذي يزدهر في مناطق ذات كثافة بشرية عالية، يجبر الحكومات في الاقتصادات الناشئة على إعادة التفكير في نهجها تجاه التنمية الحضرية.
وفقا لبيانات الأمم المتحدة، يعيش أكثر من نصف سكان الاقتصادات النامية في العالم في المدن. لكن نموها العشوائي وغير المخطط في كثير من الأحيان يتسبب أيضا في قذارة وبؤس وعدم مساواة على نطاق واسع.
انتشر الفيروس بالكامل تقريبا في المدن. وفقا للأمم المتحدة، 90 في المائة على الأقل من حالات كوفيد - 19 توجد في المناطق الحضرية.
في حين أظهرت دراسات وجود علاقة ارتباط عالية بين معدلات التحضر وتأثير الفيروس على مستوى الدول، إلا أن الظروف المحلية داخل المدن تبدو أكثر أهمية. الكثافة السكانية العالية هي السبب الأكثر وضوحا، لكن دراستين للبنك الدولي - واحدة عن نيويورك والأخرى عن 284 مدينة في الصين - تظهران أنها ليست ذلك العامل الكبير كما قد يبدو للوهلة الأولى.
قال سامح وهبة، المدير العالمي للبنك الدولي لإدارة المرونة الحضرية ومخاطر الكوارث والمؤلف المشارك للدراستين: "لا يتعلق الأمر بالكثافة السكانية في حد ذاتها، ولكن بكيفية إدارة هذه الكثافة".
أضاف: "ما يهم هو كيف يمكن للبيئة المبنية أن تحول الكثافة من الاكتظاظ إلى كثافة ملائمة للعيش. دائما ما تكون أسوأ النتائج هي في حالة وجود بيئة سيئة البناء".
نتيجة لذلك، أصبح الوباء حافزا للمدن، من بوجوتا وبوينس آيرس إلى تشيناي وجاكارتا، لإعادة التفكير في نهجها تجاه التحضر.
قال يوجين زاباتا جاريشي، العضو المنتدب لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في "شبكة المدن المرنة العالمية": "يحدث الوباء على مستوى محلي، وقد أظهر بطريقة عجيبة للغاية، أين توجد نقاط الضعف في النظام الحضري. كانت هناك ثورة من السلطات المحلية في جميع أنحاء العالم تحاول تحسين الأوضاع واتخاذ القرارات للسكان المحليين".
ديفيد فوكنر، رئيس منطقة آسيا والمحيط الهادئ في "معهد الأراضي الحضرية"، أشار إلى أن الفيروس في الصين ركز انتباه مسؤولي حكومات المدن على فوائد السياسة البيئية وتكنولوجيا المدن الذكية.
في كثير من المدن، المبادرات الأولى التي خرجت من الأزمة حاولت الاستفادة بشكل أفضل من الحيز الحضري. في بوينس آيرس، الأرجنتين، يعاد بناء البنية التحتية ويتم نقل العائلات إلى مساكن جديدة. في بوجوتا، كولومبيا، يتم إدخال الزراعة في المناطق الحضرية. فتحت مدينة تشيناي الواقعة جنوبي الهند أكثر من 100 كيلو متر من ممرات الدراجات. في جاكارتا وسعت سلطات المدينة النطاق الجغرافي للأيام الخالية من السيارات وأدخلت ممرات للدراجات - على الرغم من أن الفيروس أوقف أيضا خططا لبناء عاصمة جديدة في محاولة لتخفيف الازدحام.
في كيبيرا، أكبر الأحياء الفقيرة في نيروبي، أنشأ السكان شبكة من محطات غسيل الأيدي، ويأمل كثيرون أن تصبح دائمة.
جمع القادة المحليون الأموال لتركيب المحطات المحمولة، الموضوعة تحت خيام وخارج المتاجر الصغيرة في جميع أنحاء المستوطنة مترامية الأطراف التي، وفقا للأمم المتحدة، يقدر عدد سكانها بنصف مليون إلى 700 ألف نسمة.
منظمة SHOFCO المحلية لديها 90 محطة في كيبيرا - وهي جزء من برنامج أوسع أقام 318 محطة منها في 11 حيا فقيرا. وتقدر أنه تم استخدامها 38 مليون مرة تقريبا.
قال موسى أوموندي، أحد قادة المجتمع في فريق الاستجابة لحالات الطوارئ في كيبيرا، وهو أحد منظمات المجتمع المدني: "هذا عمل يحركه المجتمع بشكل أساسي، ومن المثير للاهتمام جدا أن المجتمع أخذه على عاتقه. الناس يريدون ذلك. إذا كان الناس يريدون ذلك بشكل أساسي، فهذا يعني الآن أنه النظام الجديد. طور كوفيد فرصة النظافة هذه ".
منظمات أخرى، مثل "مؤسسة تمكين النساء والأطفال" برئاسة إيفرلين بووا، تصنع الصابون للمحطات. قالت: "سيجد الجميع طريقة تكون لديهم فيها محطة مياه".
بينما كان جاكسون مولينجي (31 عاما)، العاطل عن العمل يغسل يديه خارج "مركز بلدية كيبيرا"، وهي منظمة توفر مياه نظيفة مجانية من أجل إعادة ملء بعض المحطات، قال: "نريدها أن تبقى".
راكيل رولنيك، وهي مهندسة معمارية ومتخصصة في التخطيط الحضري في ساو باولو، ذكرت أن كثيرا من المدن في العالم الثالث نمت في العقود الأخيرة في ظل سياسات كانت تعطي الأولوية لصناعات النفط والسيارات وتضع وسائل النقل العام والخاص على عجلات بدلا من السكك الحديدية.
إضافة إلى ترك إرث فوضوي في النقل الجماعي، كما قالت، دعم ذلك أيضا نمو الأحياء الفقيرة - الخيار الوحيد للعمال غير القادرين على تحمل تكلفة الإسكان الحضري الرسمي، وهي أماكن ينتشر فيها الفيروس بسهولة.
أضافت أن الوباء أبرز مثل هذه القضايا من خلال "إظهار حدود النظام الحالي. ولكن لا يزال من السابق لأوانه القول ما إذا كانت هذه التجربة المؤلمة ستغير بشكل واسع في عقلية القوى التي تدعمها".
في كل يوم عمل، يقطع أنطونيو ليما مسافة سبعة كيلومترات بالدراجة من منزله في ضواحي سلفادور، في شمال شرق البرازيل، إلى وظيفته في مجلس المدينة.
منذ نيسان (أبريل)، إضافة إلى الفوائد المالية واللياقة البدنية والبيئية، كان هذا الاقتصادي البالغ من العمر 57 عاما يكتسب الوقت للإجازة: مقابل كل 15 يوما يذهب فيها إلى العمل بالدراجة، تمنحه المدينة إجازة يوم إضافي.
قال: "هناك كثير من التلال لكني أصل إليها دون أن أتعرق كثيرا. هذا شيء سيغير حياة الناس".
يهدف المخطط إلى تشجيع التباعد الاجتماعي عن طريق إبعاد الناس عن وسائل النقل العام، وإخراج الآخرين من سياراتهم، ما يعمل على تخفيف الازدحام في الشوارع.
هذه واحدة من سلسلة من الإجراءات التي قدمتها المدينة في محاولة ليتكيف اقتصادها مع الوباء. تشمل الإجراءات الأخرى توسيع ممرات الدراجات، وإغلاق شوارع وسط المدينة أمام السيارات، وتراخيص المطاعم للطاولات الخارجية، والمساحات المخصصة للباعة الجائلين غير الرسميين.
قال أنطونيو كارلوس ماجالهايس نيتو، عمدة سلفادور، إنه بينما تم تصميم إجراءات مثل حافز ركوب الدراجات لتشجيع مزيد من اقتصاد المدينة على الانتقال إلى الهواء الطلق أثناء الوباء، فإن كثيرا منها سيستمر إلى ما بعد الأزمة المباشرة.
أضاف: "الأمور ستتغير نهائيا. سيكون هناك تغيير ثقافي في العلاقات بين المواطنين والأماكن العامة".
لكن كثيرا من الحكومات الحضرية في جميع أنحاء العالم النامي تعاني ضائقة مالية بسبب عدم قدرتها على طباعة نقودها.
يتوقع وهبة أن تنخفض إيرادات المدن النامية هذا العام بنسبة كبيرة تصل إلى 25 في المائة. أكبر المدن فقط هي التي تستطيع الاستفادة من الأسواق المالية العالمية. وتعتمد المدن الباقية على مصادر محلية، بما في ذلك التحويلات من الحكومات الوطنية.
قال وارن سميت، مدير الأبحاث في "المركز الإفريقي" للمدن في جامعة كيب تاون، إن المدن في جنوب إفريقيا استجابت للوباء عن طريق نقل الناس من أحياء المدن عالية الكثافة إلى مساكن مؤقتة غالبا ما يتم بناؤها من حاويات الشحن في الضواحي.
مع ذلك، لاحظ سميت "أنهم في وضع شبه مستحيل حيث ستكون هناك حاجة إلى التعامل مع تحدي المستوطنات غير الرسمية ولكن مع موارد أقل للقيام بذلك".

الأكثر قراءة