توطين التقنية يعزز الاقتصاد والاستدامة
التقنية علوم ومعارف ومنتجات، ولا سبيل إلى نقلها على وجه الحقيقة، إلا بالعلم الذي له حظ وافر من التطبيق، وأدوات نقلها دور العلم والمعرفة من الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب والشركات والمؤسسات. فاليابان تمتلك أكثر من 40 جامعة مصنفة ضمن أفضل جامعات العالم، بحسب تصنيف QS 2018، وهذا من مجموع 780 جامعة منتشرة على الأرخبيل الياباني، ما بين جامعات حكومية وخاصة، فضلا عن عديد من الكليات والمدارس التي تقدم درجات علمية متفاوتة في تخصصات علمية ومهنية مختلفة. وفي كوريا الجنوبية 247 جامعة مدرجة في 31 تصنيفا جامعيا مختلفا، بينما تمتلك ألمانيا 380 مدرجة، منها 34 جامعة ضمن هذا التصنيف.
في السعودية يوجد 30 جامعة حكومية، و12 جامعة أهلية وخاصة، بإجمالي 42 جامعة، إضافة إلى 13 كلية حكومية وخاصة وأهلية، وسبع كليات عسكرية. الإجمالي 62 جامعة وكلية، رقم يدعو إلى الفخر لدولة حديثة عدد سكانها 21 مليونا من المواطنين، وعدد من هذه الجامعات مصنف بحسب تصنيف QS 2018، فخمس جامعات جاءت على النحو التالي: جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المرتبة 173، وجامعة الملك سعود في المرتبة 221، وجامعة الملك عبد العزيز في المرتبة 267، وجامعة الملك خالد في المرتبة 471، وجامعة الملك فيصل في المرتبة 751.
ولا شك أن جودة النظام التعليمي والعناية بالعلم والمعلم، هو العمود الفقري للنهضة التقنية، وربط نتائج الأبحاث بالجوانب التطبيقية وتفعيلها من قبل الشركات في القطاعين العام والخاص، هو الهدف الأسمى، كما أن نقل المعارف باستقدام الخبراء وضرورة إلزامهم بنظراء سعوديين وبفترات زمنية محددة تنتهي مهمتهم بعدها ليتولى هؤلاء النظراء مهام نقل وتطوير العلم لأبناء وطنهم، ونصل بعدها إلى الاكتفاء الذاتي من الخبراء، كما أن الابتعاث والترجمة المواكبة لكل جديد من التقنية في دول العالم المتقدم، لها دور كبير في نقل التقنية وتوطينها.
لا يمكن إنكار دور برامج التعاون الدولية من الدول المتقدمة علميا وتنمويا للدول الأقل نموا، فقد كانت العلاقات العلمية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة واليابان شاملة، وممتدة إلى أكثر من 100 عام، الأمر الذي ساعد على انتقال التكنولوجيا والخبرات من الولايات المتحدة إلى اليابان، وشملت هذه العلاقات تبادل الصناعات، والبضائع التجارية، والتبادل الثقافي، كما امتدت لتشمل المعاملات بين المنشآت الحكومية، والجامعات.
وفي المملكة، لا يمكن تجاهل الدور الإيجابي والرائد للجنة السعودية - الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي "جيكور" في نقل عديد من التقنيات، حيث انتقلت العلاقات الاقتصادية بين البلدين في الثامن من يونيو 1974، إلى مرحلة جديدة من التعاون، عقب توقيع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حينما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية - على بيان مشترك مع أمريكا يقضي بتأسيس هذه اللجنة لسد احتياجات المملكة من المواد والخبرات في مرحلة كانت تشهد فيها البلاد زيادة هائلة في مشاريع التنمية.
واستجابت هذه الاتفاقية إلى تطلعات شركات أمريكية كبرى تبحث عن عقود عمل في المنطقة العربية، من خلال الإفادة من إعادة تدوير العائدات النفطية في وقت بدأ فيه سعر النفط آنذاك بالارتفاع بدرجة كبيرة عما كان عليه في وقتها، في حين حققت بنود هذه الاتفاقية جل الأهداف المنشودة من الجمع بين احتياجات التنمية السعودية والخبرة التكنولوجية والإدارية الأمريكية، واستفاد من برامجها التدريبية والتنموية آلاف السعوديين، وكان من نتائجها إجمالا، التطور العقاري والصناعي والزراعي وإنشاء وتفعيل صناديق الاقتراض في هذه المجالات.
وعلى هذا النهج شاركت برامج أخرى مثل GTZ الألمانية، وICDF التايوانية، وJICA اليابانية، وغيرها، بفرق عمل في المملكة ولا تزال، وتعد آليات متاحة لمزيد من التفعيل والإسهام في نقل ما لدى هذه الدول من تطور للمملكة.
بقي الأمل معقودا في مراجعة مستمرة وتقييم جاد للأهداف والنتائج للأدوار المطلوبة من جامعاتنا السعودية، ومن ذلك مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وكذلك المعاهد المهنية المعنية بالتدريب المهني والتقني، لما تحقق من أهدافها القابلة للتطبيق، وألا تقتصر على النهج الأكاديمي، وإزالة ما يعترض أدوات نقل التقنية من الجامعات والمعاهد من صعوبات أو معوقات، لكي تتسارع عجلة نقل التقنية، ويصبح لدينا منتجات وطنية بتقنيات محلية.
وننجح في توطين تقنيات لتدعيم ميزانياتنا الوطنية بدلا من استيرادها سنويا، مثل بعض المنتجات البتروكيماوية وتقنيات صناعة السيارات والقطارات وكثير من الأدوات الاستهلاكية.
الصناعة هي العمود الفقري للاقتصادات في دول العشرين، التي تنعقد برئاسة المملكة هذا العام، وتستند وتعول عليها "رؤية 2030"، لرفع الناتج المحلي غير النفطي بطريقة مستدامة وفاعلة من خلال الصناعة، التي لا تتم إلا بتوطين التقنية محليا، وتفعيل أكبر لدور الصندوق الصناعي والغرف التجارية ومجلس الغرف، وإطلاق مبادرات من رجال الأعمال في هذا الشأن، بحيث ندعم ونحفظ موارد المملكة بقطاعيها العام والخاص، بدلا من استيراد آلاف المنتجات الممكن تصنيعها محليا، حتى تتجلى خطط رفع إسهام المحتوى المحلي، وفق رؤية وتوجيه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد.
وتعمل الدولة جاهدة، متمثلة في وزارة الصناعة والثروة المعدنية، على دعم الصناعات المحلية وتعزيز تنافسية المنتج الوطني على المستويات، المحلي والإقليمي والدولي، لتحقيق المفهوم الشامل للنهوض بالقطاع الصناعي الوطني.