"الميل الأخير" مشكلة تؤرق شركات توصيل الطرود
ستمتلئ الشوارع والطرق العامة في مدن العالم قريبا بالروبوتات والدراجات الكهربائية والشاحنات الصغيرة في الوقت الذي تحاول فيه شركات الخدمات اللوجستية حل أصعب التحديات، "الميل الأخير".
الرحلة الأخيرة من المستودع إلى الزبون هي جزء بسيط من الرحلة التي يقوم بها المنتج من المصنع إلى الباب، لكن يمكن أن تمثل ما يصل إلى نصف التكلفة.
نقل حزمة إلى سيارة توصيل وإيصالها إلى عنوان معين يعد عملية صعبة من حيث الأتمتة. في الوقت نفسه الزيادة في عمليات تسليم الطرود تضع الشركات تحت ضغط من السياسيين لمعالجة نتيجتين غير مرغوب فيهما، الازدحام والتلوث.
ارتفعت أحجام الطرود نحو 10 في المائة سنويا في الأسواق المتقدمة وتضاعفت في كل عام في دول مثل الهند، وفقا لتقرير صدر في 2016 عن شركة ماكينزي الاستشارية. جائحة فيروس كورونا التي أجبرت الناس على البقاء في منازلهم وطلب الطعام عبر الإنترنت، أدت إلى تعزيز هذا الاتجاه.
توقعات ماكينزي التي تقول في غضون عشرة أعوام تقريبا سيتم تسليم كل طرد استهلاكي - 80 في المائة من إجمالي الأحجام - بواسطة الروبوتات، تبدو بعيدة المنال الآن. ففي حين لا يزال هناك الكثير من الحديث الحماسي حول قيام الطائرات من دون طيار بتغيير طبيعة الخدمات اللوجستية الاستهلاكية، يعتقد معظم الخبراء أن هناك مزيدا من الحلول الواقعية والفعالة من حيث التكلفة في متناول اليد.
يشير توماس زوندر، الباحث المشارك الرئيس في "فيوتشر موبيلتي جروب" في جامعة نيوكاسل شمالي إنجلترا، إلى عدم وجود مساحة جوية كافية فوق لندن لتسليم كل طرد هناك عن طريق الجو. وهو يعتقد أن المستقبل سيبدو إلى حد كبير مثل الماضي - الناس والشاحنات الصغيرة والدراجات، لكن مع المساعدة التكنولوجية.
أحدث تجربة لنيوكاسل هي "دليل روبوتات" من الناحية العملية: يمشي عامل التوصيل في الشوارع متبوعا بثلاثة روبوتات صغيرة تحتوي على الطرود لزيادة القدرة الاستيعابية دون استخدام مركبة.
يقول البروفيسور زوندر: "من الصعب جدا استبدال إنسان عند التوصيل إلى الباب. لذلك أنت تقدم له الدعم".
شركة يو بي إس UPS، العملاق اللوجستي الأمريكي الذي يسلم 22 مليون طرد في اليوم وعائداته السنوية 74 مليار دولار، تعمل على أفكار مماثلة. تشمل أحدث تصميماتها دراجات كهربائية وعربة كهربائية يمكن للفرد سحبها. يمكن لكل منها حمل 200 كيلو جرام من الطرود واستخدام الأرصفة ومسارات الدراجات، ما يقلل الضغط على الطرق.
يقول البروفيسور زوندر إن الابتكارات التي من هذا القبيل ضرورية تماما. بدأت السلطات المحلية وحكومات الدول في فرض رسوم ازدحام أو تلوث على المركبات التجارية التي تعمل بالوقود التقليدي، وإخراج أماكن وقوف السيارات، لتثبيط حركة المرور في المدن. وأنشأت مدن أخرى ممرات شحن تجبر الشاحنات الكبيرة على السير في بعض الطرق السريعة إلى مراكز توزيع في الضواحي.
وأنشأ بعضها مراكز تجميع. هذا يلزِم كل حركة المرور بالتوجه إلى مستودع عملاق، مع مزود واحد يتولى التسليم في الميل الأخير، ويمكن أن يكون هذا من الناحية النظرية أكثر كفاءة. في 2008 وجدت "كراون ستيت" Crown Estate، التي تسيطر على العقارات المملوكة لملوك المملكة المتحدة، أن الازدحام في ريجنت ستريت، أحد أرقى شوارع التسوق في وسط لندن، كان يردع الزوار. ووجدت أيضا أن مركبات التوصيل تشكل 35 في المائة من جميع حركة المرور في ساعة الذروة في منطقة البيع بالتجزئة. لذلك ألزمت المتاجر عبر ويست إند باستخدام مركز تجميع واحد مع مزود واحد يتولى التوصيل من هناك. بالمثل، تجبر إمارة موناكو جميع شركات نقل الطرود على استخدام موقع واحد، مع وجود شركة واحدة فقط تتولى التسليم النهائي.
لكن شركات التوصيل لا تريد أن يكون الآخرون مسؤولين عن بيانات عملائها ومنتجاتها. يقول البروفيسور زوندر: "من الصعب القيام بذلك في ظل اقتصاد متحرر. هذه تنجح فقط عندما تكون الأرض تحت سيطرة دولة أو مالك عقار".
كان البروفيسور زوندر يدير مركزا للدمج في جامعته مع شركة كليبر للتوصيل. وهذا خفض التلوث، لكن الجامعة قررت أنها لا تريد دفع 100 ألف جنيه إضافي سنويا لتشغيل النظام.
تقول شركة يو بي إس إن مثل هذه المراكز تعمل فقط في حالة وجود شبكة كثيفة من الزبائن، لكنها تضيف أن مثل هذه الحلول يمكن أن تصبح أفضل لمصلحة البيئة. في 2012 أنشأت مستودعا كبيرا في وسط مدينة هامبورج يملأ مرة واحدة يوميا، ثم تتم خدمته بالكامل باستخدام دراجات إلكترونية.
قال بيتر هاريس، مدير الاستدامة الدولية في الشركة، إن معظم شركات النقل جعلت شبكاتها أكثر كفاءة مع أنظمة تخطيط الطرق ونقاط التسليم البديلة مثل المتاجر الصغيرة، ما يعني رحلات أقصر ومزيدا من عمليات التسليم لأول مرة. "لكن من تلقاء نفسها، لن تحل المشكلة".
ومن هنا جاءت الكهرباء. كان التقدم مقيدا بشبكة الكهرباء ذات الأحمال الزائدة في كثير من الدول ونقص السيارات الكهربائية الرخيصة والمصممة لهذا الغرض. حولت يو بي إس بعض شاحنات الديزل للعمل على البطاريات، لكن تبين أن ذلك مكلف. لديها الآن عشرة آلاف شاحنة تعمل بالكهرباء من أسطولها البالغ قوامه 125 ألف شاحنة حول العالم. ثم قررت الاستثمار في سيارتها الكهربائية الخاصة، بالعمل مع شركة أرايفال Arrival، وهي شركة بريطانية ناشئة.
أدت عملية إعادة التفكير الكاملة إلى تصميم لوح تزلج بمحركات داخل المحور، شكل شاحنة يو بي إس المألوف، مع تخزينه فوق رأس السائق، وهو لا يزال على حاله لكنه أكثر أناقة ولديه نافذة أكبر. تشتري يو بي إس عشرة آلاف منه على الأقل.
لكن سرعان ما ظهرت مشكلة اختناق إمدادات الكهرباء في مستودعها في لندن. يقول هاريس: "وصلنا إلى عشرة مركبات ولم نتمكن من توصيل واحدة أخرى لأن جميع الأنوار انطفأت". بعد الدفع مقابل ترقية إمدادات الكهرباء، قررت يو بي إس اتباع نهج جديد. بتمويل حكومي وتعاون مع مورد للكهرباء، أنشأت شبكة كهرباء ذكية ونظاما لتخزين الطاقة. أدى ذلك إلى مضاعفة طاقة الشحن ثلاثة أضعاف عن طريق الاستفادة من الأوقات التي تكون فيها الشبكة أقل انشغالا.
طلبت يو بي إس أيضا 125 سيارة من طراز HGVs الكهربائية من تسلا، لكن في الولايات المتحدة اختارت الغاز المتجدد وقودا لسياراتها.
فيديكس، شركة نقل أمريكية أخرى، تنتقل أيضا نحو الكهرباء. لكن روكسو Roxo، روبوت التوصيل الذي لا يزال قيد التطوير في الشركة، ليس موضع ترحيب في كل مكان. يتم اختباره في مدن أمريكية، لكن عندما ذهبت وحدة عرض في نزهة في مدينة نيويورك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حظرها بيل دي بلاسيو، رئيس البلدية، خوفا من أن تسد طريق المشاة وتأخذ الوظائف من البشر.
يقول هاريس بحلول 2025 سيتم تشغيل 40 في المائة من أسطول يو بي إس بوقود بديل وستنخفض التكاليف. "نحن ندفع بسرعة نحو النقطة التي لا تكون فيها هذه التكنولوجيات حلولا مستدامة فحسب، بل المنطق التجاري السليم. هذا هو المكان الذي يتعين علينا الوصول إليه".