استدامة الزراعة أمن غذائي واجتماعي
يواجه العالم اليوم عديدا من التحديات، خاصة المجتمعات النامية، أولها الزيادة المطردة في تعداد السكان والزيادة في استهلاك الغذاء والتوسع في الإنتاج الصناعي، والضغط المستمر على موارد المياه والتربة ما أصبح يتطلب الاتجاه بالزراعة نحو مفهوم جديد يحقق الاستدامة.
تعد الزراعة أكبر المهن على وجه الأرض فهي التي تمد العالم باحتياجاته من الغذاء يوميا الذي يتجاوز عدد سكانه سبعة مليارات نسمة، ويتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8.5 مليار في عام 2030، وأن يزيد بعد ذلك إلى 9.7 مليار نسمة مع حلول عام 2050 ما تتطلب هذه الكثافة البشرية مصادر آمنة ومستدامة للغذاء وتشغل الزراعة نحو 40 في المائة من مساحة الأرض التي نعيش عليها وتستهلك نحو 70 في المائة من موارد العالم المائية و30 في المائة من المحميات الخضراء في العالم.
وتتحقق الاستدامة في الزراعة من خلال ثلاث دعائم رئيسة، الأولى مراعاة تحقيق المردود الاقتصادي أو الربحية وذلك بالنظر إلى النشاط الزراعي باعتباره استثمارا ذا عائد اقتصادي، والثانية هي إيجاد وابتكار النظم الاجتماعية الجديدة من خلال المشاريع الزراعية وتشغيل الأفراد المعنيين وتنميتهم وتدريبهم، أما الثالثة فتكمن في البعد البيئي من خلال الحفاظ على البيئة وتنوعها. وتتأتى هذه الدعائم من خلال الاستفادة من كل الموارد المتاحة بأفضل الاستخدامات وحمايتها وتنميتها من أجل توفير الغذاء الآمن النظيف والمنتجات الزراعية باستمرار وعلى المدى الطويل وبأقصى كفاية لحاجات المجتمع. كما وتحقق هذه الدعائم أيضا الربحية المرجوة لأصحاب الاستثمارات، وتحافظ على البيئة المحيطة على المدى الطويل مع توفير التنوع البيئي، فإن لم تحافظ الزراعة على البيئة وتنوعها لن تتوافر البيئة اللازمة لاستمرار الاستثمار الزراعي واستدامته وبالتالي لن يتوافر الغذاء الكافي والآمن للمجتمع.
في تقرير لوكالة الأنباء السعودية بث في أوائل أيار (مايو) الماضي بين أن الناتج الزراعي للمملكة حقق نموا 1.31 في المائة عام 2019، محققا بذلك أعلى نسبة نمو منذ 2015، إذ بلغ الناتج المحلي الزراعي نحو 61.4 مليار ريال.
وأظهر تقرير حديث لوزارة البيئة والمياه والزراعة، أن حجم الإنتاج المحلي من الاستزراع المائي (السمكي) قفز 183 في المائة خلال الأعوام الخمسة الماضية ليبلغ 85 ألف طن في 2019، مقارنة بـ30 ألف طن في عام 2015، بينما ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الدجاج اللاحم خلال العام الماضي إلى 60 في المائة مقارنة بنسبة اكتفاء بلغت 40 في المائة في 2015.
وأكد التقرير، أن الإنتاج المحلي من الزراعة في البيوت المحمية ارتفع 58 في المائة إلى نحو 407 آلاف طن خلال 2019 مقارنة بـ257 ألف طن خلال 2015، فيما زاد الإنتاج في الزراعة العضوية 18 في المائة ليبلغ 52.8 ألف طن خلال الفترة ذاتها مقارنة بـ44.6 ألف طن في 2015.
وأوضح التقرير، أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي، بلغت نحو 2.33 في المائة، وفي الناتج المحلي غير النفطي نحو 4 في المائة بالأسعار الثابتة. وبينت الوزارة، أن تحقيق هذا النمو المرتفع، على الرغم من انخفاض إنتاج محاصيل الأعلاف نتيجة لتطبيق قرار إيقاف معظم زراعة الأعلاف الخضراء وعدد من المحاصيل الأخرى ذات الاستهلاك العالي للمياه خلال الفترة الماضية، يعود إلى تحفيز المزارعين على الاستثمار في البدائل والأنشطة الاستثمارية الزراعية الأخرى غير المستهلكة للمياه وتسهيل الحصول على التراخيص اللازمة لها، مثل الاستثمار في مشاريع الدواجن، والبيوت المحمية، ومشاريع الزراعة المائية، وتربية وتسمين الماشية، ومشاريع الثروة السمكية، ومشاريع تربية النحل لإنتاج العسل، وغيرها من المشاريع ذات الكفاءة الإنتاجية في استخدام المياه، إضافة إلى الاستثمار في زراعة الأعلاف الخضراء خارج المملكة. وتقديم التسهيلات الائتمانية للمشاريع المستهدفة في استراتيجية الوزارة من قبل صندوق التنمية الزراعية حسب الاشتراطات اللازمة لذلك.
وأشارت الوزارة في هذا الصدد إلى أنها تعمل على توجيه المزارعين وإرشادهم عبر الحملات التوعوية والإرشادية إلى أهمية استخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة الموفرة للمياه في الإنتاج الزراعي من أجل قطاع زراعي أكثر استدامة، بما يتوافق مع توجهات الوزارة الاستراتيجية للمساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030.
إن انتشار النشاط الزراعي بمملكتنا الحبيبة في معظم مناطقها رغم كبر مساحتها وتعدد تضاريسها وتباين مناخها يوفر عدة مزايا تتفرد بها المملكة من بين دول المنطقة في وجود ميز نسبية عديدة ينبغي للمزارعين التعرف عليها والتوسع في الزراعة بموجبها مع الحفاظ على حيازاتهم الزراعية وتنظيمها وفق الآليات النظامية الجديدة، حيث يحظى القطاع الزراعي حاليا بمزيد من الاهتمام باعتباره صمام الأمان - بعد الله - لتوفير الغذاء للمواطنين والمقيمين على أرض هذا البلد الكريم تحت أي ظرف بل أثبت المزارع السعودي ولله الحمد المسؤولية الكبيرة تجاه الإنتاج النوعي للغذاء الزراعي والحيواني والسمكي بأعلى درجات الجودة وأصبح المنتج السعودي محل الثقة للمستهلك على نظيره المستورد.
كما لا أحد يشك في الدور الإيجابي للقطاع الزراعي في توفير عديد من الوظائف في مناطق المملكة سواء للإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي مباشرة أو المهن التي تندرج ضمن سلسلة الإمداد كالنقل والتوزيع والتخزين والتجميع، واللوجستيات والمعالجة، والخدمات الأخرى ذات الصلة، وسيظهر عديد من فرص العمل الأخرى مع التطور النوعي الذي يشهده القطاع الزراعي من خلال النظم والبرامج والمبادرات الزراعية الحديثة.
ويشكل انتشار الحيازات الزراعية والوجود البشري بها إضافة إلى كل المزايا السالفة أمنا جغرافيا للمملكة ذات المساحة الشاسعة باعتبار المواطن المزارع هو رجل الأمن الأول يسهم مع القطاعات الأمنية في تأمين الحدود الجغرافية للمملكة بالوجود الدائم في هذه الحيازات.
وعند الحديث عن الزراعة والأمن الغذائي لا يمكن إغفال الجهود الكبيرة التي تقوم بها وزارة البيئة والمياه والزراعة وكذلك صندوق التنمية الزراعية الذي شمل دعمهما وتشجيعهما النشاطات الزراعية بكل مناطق المملكة كافة وتقديم القروض الطويلة دون رسوم وكذلك إعادة هيكلة الإعانات غير المستردة حيث تخدم المزارع والمستهلك على حد سواء في منظومة دعم قل أن يوجد حاليا لها نظير.