بورصة لندن المحشورة بين نيويورك وآسيا تكافح لاستعادة سحرها

بورصة لندن المحشورة بين نيويورك وآسيا تكافح لاستعادة سحرها
الحي المالي في لندن قوة عظمى عالمية في عدد من مجالات التمويل، لكن هذا لا ينطبق على سوق الأوراق المالية.

عندما طرحت ذا هت جروب The Hut Group في أيلول (سبتمبر) أسهمها للاكتتاب بتقييم قدره 5.4 مليار جنيه، قرع المدير المالي لشركة التجزئة عبر الإنترنت جرسا صغيرا في مكاتبها بالقرب من مطار مانشستر.
تلك كانت طريقة متواضعة للاحتفال بأكبر طرح عام أولي في المملكة المتحدة منذ خمسة أعوام. وهي تختلف اختلافا مذهلا عما يحدث في نيويورك حيث ظهر بث لوجه بريان تشيسكي، مؤسس إيربنب، في تايمز سكوير في طرح عام أولي الأسبوع الماضي.
البهرجة ليست المجال الوحيد الذي تتخلف فيه لندن. ففي حين يظل الحي المالي في لندن قوة عظمى عالمية في عدد من مجالات التمويل، فإن هذا لا ينطبق على سوق الأوراق المالية.
نظرا لعدم وجود أسهم التكنولوجيا الضخمة التي تهيمن على الولايات المتحدة والصين، يتم تداول مؤشر فاينانشيال تايمز 100 الآن بواحد من أكبر خصومات السعر إلى الأرباح لمؤشر ستاندرد آند بورز500 منذ 15 عاما. في الأعوام الخمسة الماضية، حققت المملكة المتحدة أسوأ عوائد مقارنة بأي منافس أوروبي أو آسيوي أو أمريكي كبير، وفقا لبيانات "فاكتشيت" الخاصة بمؤشرات MSCI.
تقدم الولايات المتحدة مجمعات أكبر لرأس المال، فضلا عن احتمال ارتفاع التقييمات. كما أنها تتسامح مع حقوق التصويت الممتازة لأصحاب المشاريع مثل تشيسكي. في المملكة المتحدة، الإصرار على تعزيز القوة للمستثمرين الأصليين على حساب المساهمين العاديين – كما فعلت هت – يصد الشركات عن مؤشرات فاينانشيال تايمز والصناديق التي تتعقبها.
قال ماثيو مولدينج، مؤسس مجموعة هت: "غني عن القول إن الولايات المتحدة هي أكبر سوق لرأس المال من أي دولة أخرى. إذا كان التقييم هو محركك، فمن الصعب التنافس معها".
لكن في النهاية قرر مولدينج أن الإدراج في سوق الأسهم الأمريكية "بدا وكأنه الشيء الخطأ الذي لا يجب القيام به على المستوى الشخصي". تمت تغطية الاكتتاب العام الأولي لشركة Hut في لندن بزيادة 15 ضعفا، وقال مولدينج إنه شعر بالترحيب من قبل التنفيذيين في بورصة لندن.
وإدراكا منه أن أصحاب المشاريع الآخرين سيختارون بشكل مختلف، يشجع مولدينج الإصلاحات لمساعدة لندن على المنافسة. الآن يعكف وزراء المملكة المتحدة على مراجعة نظام الإدراج، بهدف جذب شركات جديدة بالضبط في الوقت الذي تتطلع فيه عواصم مالية أخرى لاستغلال عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
لندن، التي ينظر إليها منذ وقت طويل باعتبارها موطنا للبنوك وشركات التأمين وشركات النفط وشركات التعدين، تحتاج إلى أن تعكس "تحولا متزايدا نحو الاتجاهات سريعة النمو في التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية وشركات العلوم"، وفقا لمشورة تلقتها الحكومة.
الإدراجات الجديدة مطلوبة بشدة. وفقا لتقرير صدر الشهر الماضي عن شركة أوكسيرا الاستشارية، أسواق الأسهم في المملكة المتحدة تتقلص بوتيرة أسرع من البورصات الأوروبية الأخرى. انخفض عدد الشركات المدرجة بنسبة الخمس منذ 2012.
قال مارك ديكنسون، الرئيس المشارك لوساطة الشركات في إتش إس بي سي، إن التهديد "باللجوء إلى السندات بدلا من الأسهم" يبدو أنه أخذ في الانتعاش مرة أخرى، نظرا لموجة عروض الاستحواذ الخاصة للشركات البريطانية. كان هناك 14 منها خلال أكثر من شهر بقليل.
وأوضج ديكنسون أنه قلق "دائما بشأن قدرة سوق لندن على التجديد". يجري سحب الشركات البريطانية الكلاسيكية "من السوق، لكن التوازن الإيجابي هو المجموعة الكبيرة من الاكتتابات الأولية المقبلة إلى سوق المملكة المتحدة في 2021".
يتفق روس ميتشينسون، الرئيس التنفيذي المشارك في شركة نوميس للأوراق المالية، مع ذلك قائلا: "عدد الشركات المدرجة اليوم أقل كثيرا مما كان عليه قبل عشرة أعوام، لكن هذا الاتجاه قد يبدأ في الانعكاس"، مضيفا أن المجموعة المقبلة مليئة بشركات "ممكنة رقميا وذات نمو أعلى حيث تكون الأسواق العامة على استعداد لدفع مضاعفات تعكس آفاق النمو الجيدة تلك".
من بين الشركات التي تسعى للإدراج العام في العام المقبل هناك شركة دوك مارتينز Doc Martens لصناعة الأحذية وشركة مونبيج Moonpig للبطاقات وشركة دليفرو للتوصيل عبر الإنترنت.
قال صاحب المشاريع التكنولوجية مايك لينش، وهو مستثمر في داركتريز Darktrace، وهي شركة للأمن السيبراني تصطف لتكون واحدة من عمليات الإدراج التي تعد حجر الأساس للعام المقبل: "غياب شركات التكنولوجيا البريطانية عن بورصة لندن يجعلها تبدو وكأنها مثل مريض بالقلب يعاني آلام شديدة في الصدر – بمعنى أنها تحت تهديد حقيقي ولكن لم يفت الأوان بعد".
قال تشارلي ووكر، رئيس الأسواق الأولية في بورصة لندن، إن مجموعة "غيرت الجدال" حول ما إذا كانت شركات التكنولوجيا الكبيرة تريد التعويم في المملكة المتحدة.
يخشى تنفيذيون آخرون من أن لندن متهاونة فوق الحد. قال علي بارسا، مؤسس شركة الصحة الرقمية، بابيلون هيلث Babylon Health: "لدي اتصالات في البيت الأبيض أكثر مما لدي في رئاسة الوزراء في بريطانيا. وهم يسألون: ’كيف يمكننا أن نجعل الولايات المتحدة مكانا أكثر جاذبية؟‘".
أضاف: "عمق سوق رأس المال أكبر بكثير في الولايات المتحدة – وأعمق بكثير عبر جميع الهياكل. بين نيويورك وآسيا، لندن تتعرض للضغط".
قال خبراء ماليون في الحي المالي إن الاختبار سيكون ما إذا كان بإمكان المملكة المتحدة الاحتفاظ بشركات التكنولوجيا الدولية الكبيرة التي تتخذ من لندن مقرا لها، التي يمكن أن تتطلع إلى إدراجها، مثل شركات التكنولوجيا المالية ريفولت Revolut وترانسفير وايز TransferWise، وبابيلون هيلث.
حتى هذه ليست نهاية القصة. شركات التكنولوجيا التي تأسست ونمت وأدرجت أحيانا في المملكة المتحدة دائما ما تكون عرضة للمستحوذين الأجانب الأغنياء.
قال لينش: "هذه مشكلة طويلة الأمد. كنا قلقين بشأن بيع مايسس Misys كذلك تم بيع شركات أخرى مثل ديب مايند وماجيك بوني. كل شيء يسير في اتجاه واحد. ومع بيع شركات مثل آرم هولدينجز، إلى شركة الرقائق الأمريكية نفيديا Nvidia، تخلينا عن قدر لا يصدق من القوة".
كان لينش منخرطا في واحدة من هذه الصفقات، وهي بيع شركة أوتونومي في المملكة المتحدة بقيمة 11 مليار دولار لشركة هيوليت باكارد في 2011. أوتونومي، وهي شركة برمجيات أسسها لينش وكان يديرها، تفككت بعد ذلك واتهمته وزارة العدل الأمريكية بالاحتيال. وهو ينفي التهم الموجهة إليه.
قد يكون التحدي الأكثر واقعية على المدى القريب هو البقاء على القمة في أوروبا بعد انفصال المملكة المتحدة نهائيا عن الاتحاد الأوروبي. قال توم جونسون، رئيس الأسواق الرأسمالية للأسهم في باركليز: "المملكة المتحدة هي مكان الإدراج الممتاز في أوروبا وتحتاج إلى الكفاح من أجل البقاء هناك في مواجهة المنافسة من أوروبا القارية".
من دون بريكست – وإذا لم يتم حظر الاندماج المقترح بين بورصة لندن والبورصة الألمانية من قبل سلطات المنافسة في الاتحاد الأوروبي – لكانت لندن قد عززت موقعها في قلب اتحاد أسواق رأس المال.
لكن مع وصولها إلى رأس المال، ومجموعة من المواهب، والبنية التحتية، كثيرون في الحي المالي واثقون بأن لندن يمكن أن تستمر في التغلب على المنافسين الإقليميين الأصغر.
السماسرة واثقون أيضا بأن سوق لندن اجتازت اختبارا رئيسيا خلال الوباء: فقد جمعت نحو 40 مليار جنيه لأكثر من 400 شركة تسعى للحصول على أموال طارئة.
قال تريفور جرين، رئيس الصناديق المؤسسية في المملكة المتحدة في شركة أفيفا إنفسترز لإدارة الأصول، إن هذا العام كان "وقتا عصيبا لمستثمري الحي المالي، وفي كل حالة تقريبا أنجزت الأمور المطلوبة للشركات". أضاف: "بعد كوفيد سترغب الشركات في جمع رأس المال لتمويل التوسع وعمليات الاندماج والاستحواذ. لذا فإن كونك شركة عامة يساعد في الأوقات الجيدة والسيئة".
يقول الوسطاء إن لندن تتمتع أيضا بميزة تتمثل في تركيزها على حوكمة الشركات القوية. كانت هناك استثناءات بارزة، ولا سيما شركة إن إم سي هيلث NMC Health التي كانت مدرجة سابقا على مؤشر فاينانشيال تايمز 100، التي انهارت وخضعت للإدارة القضائية في نيسان (أبريل) وسط عملية احتيال مشتبه فيها. مع التركيز على الشركات الأكبر، تتعرض أسواق بورصة لندن الموازية والشركات المدرجة على مؤشر فايناشيال تايمز 250 أحيانا لانتقادات بسبب تسليط الأضواء السلبية عليها.
لكن إذا كانت ميزة لندن هي المعيار الذهبي في معايير الشركات والمعايير البيئية، فهذا ينفر عددا كبيرا من الشركات التي تريد قواعد أكثر تساهلا.
قالت شركة أوكسيرا الاستشارية في تقرير لها إن العبء التنظيمي عامل مثبط بشكل كبير للشركات للتعويم والحفاظ على إدراجها في المملكة المتحدة.
لاحظ جونسون، من باركليز، أن قواعد الإدراج لم تتغير بما يكفي على مدى العقود الأربعة الماضية: "الأشخاص الذين يسعون وراء الاكتتابات العامة عالميون. (لكن) القواعد لا تعكس ذلك".
تبحث مراجعة الإدراج في المملكة المتحدة في مجالات لتعزيز لندن، بما في ذلك تخفيف متطلبات التعويم الحر وأنواع هياكل الأسهم ذات الفئة المزدوجة التي يفضلها كثير من أصحاب المشاريع في التكنولوجيا.
قال بارسا، مشيرا إلى النظام القانوني للولايات المتحدة الذي جعلها جذابة للشركات: "هذه فرصة لإيجاد مكان أكثر ملاءمة للمؤسسات – على غرار قوانين ولاية ديلاوير لكن على مستوى العالم. تحتاج لندن إلى الذهاب أبعد من ذلك، لجعلها أسهل وأكثر تقدما وأكثر انسجاما مع ريادة المشاريع".

الأكثر قراءة