كيف ننتقل بعلم الاقتصاد من القرن الـ19 إلى القرن الـ 21؟

كيف ننتقل بعلم الاقتصاد من القرن الـ19 إلى القرن الـ 21؟

كيف يمكن لعلم الاقتصاد أن يصبح تخصصا ثاقبا أكثر؟ هل يجب أن يهدف إلى أن يكون أشبه بالفيزياء، في دقتها وقوتها التنبؤية؟ أم هل ينبغي للاقتصاديين أن يقتدوا بعلماء الأنثروبولوجيا أو المؤرخين، ويغمرون أنفسهم في تفاصيل الخاص وغير القابل للقياس؟
توجد حجة لمصلحة كل من الاتجاهين. يجادل بعض النقاد بأن الاقتصاد يفتقر إلى فيزياء أفضل: علق بالقرن الـ19 وأفكاره الرجعية القديمة مثل التحليل الهامشي والتوازن، وفاتته أفكار رائعة مثل نظرية الفوضى وانتقالات المرحلة التي تعد بإلقاء نظرة ثاقبة على التعقيد الاقتصادي أو الأزمات المفاجئة.
يقول آخرون إن علم الاقتصاد يحتاج إلى وضع الرياضيات جانبا والابتعاد عنها ببطء. كما يقول إيمانويل كانط "من العود الأعوج لم يصنع قط شيء مستقيم"، لذلك يجب أن يكون الاقتصاديون أقل ولعا بوضع أحكام على كل شيء.
تشير حقيقة أن كلا الرأيين له حظ من المعقولية إلى أن هذا يمثل تحديا أصعب مما قد يبدو من من النظر إليه من مقاعد المتفرجين. الآن هناك ورقة جديدة تتناول السؤال أعدها شخص ينتمي إلى قلب علم الاقتصاد الأكاديمي: جورج أكيرلوف، الحائز على جائزة نوبل، الذي يكتب في مجلة "ذا جورنال أوف إكونوميك ليتريتشر".
يجادل البروفيسور أكيرلوف، الذي يعمل حاليا في جامعة جورج تاون، بأن تخصص الاقتصاد الأكاديمي يكافئ البحث "الصعب" بدلا من البحث "السهل" من خلال النشر في أهم المجلات، ومن ثم الترقية والمكانة. نحن نعرف "الصعب" عندما نراه: الأرقام أصعب من الكلمات، والكميات أصعب من الصفات. السببية أصعب من الارتباط. الفيزياء "صعب" وعلم الاجتماع "سهل".
هناك الكثير الذي يقال عن العلم الصعب. الجانب السلبي هو أن بعض الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها - أو ربما حتى طرحها - بمصطلحات رياضية وسببية دقيقة. إنها لا تزال مهمة، وإذا أصر علم الاقتصاد على الأساليب "الصعبة" فإنه سيتجاهلها.
كتب حائز آخر على جائزة نوبل، الراحل جاري بيكر، في دراسته الجامعية: "لقد بدأت أفقد الاهتمام بالاقتصاد (...) لأنه لا يبدو أنه يتعامل مع مشكلات اجتماعية مهمة. فكرت في الانتقال إلى علم الاجتماع، لكنني وجدت أن هذه المادة صعبة للغاية".
الأمر المثير في هذه الملاحظة هو أن بيكر حصل على جائزته من خلال تطبيق أدوات الاقتصاد الصعبة على مجالات بدت أنها تنتمي إلى تخصصات أكثر سهولة: الإدمان والتمييز والزواج والتعليم. يبقى مدى نجاحه موضع نقاش. أنا شخصياً أعتقد أنه أسهم كثيرا.
مع ذلك، لا يزال الكثير من علم الاجتماع بعيدا عن متناول أدوات الاقتصاديين: إنه مهم لكنه سهل جدا - أو على حد تعبير بيكر "صعب للغاية". والأكثر صعوبة بالنسبة لمهنة الاقتصاد، يبدو أن بعض الأسئلة الاقتصادية الرئيسة أيضا أكثر عرضة للاستسلام للنهج السهل أكثر من الصعب: ما هي العقبات التي تعترض الحراك الاجتماعي؟ من أين يأتي الابتكار؟ هل يمكننا تقوية المؤسسات المهمة للازدهار؟
بعيدا عن أي مشكلة معينة، هناك أيضا التحدي المتمثل في الجمع بين الأفكار من المجالات الفرعية المتخصصة للغاية. راجورام راجان، عندما كان كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، كان أقرب للتنبؤ بالأزمة المالية في 2008. لاحظ لاحقًا أن الاقتصاديين كتبوا بتبصر حول جميع القضايا الرئيسة لكنهم افتقروا إلى شخص قادر على تجميع كل الأجزاء معا.
هل هذه أيضا مشكلة صعبة/سهلة؟ يعتقد البروفيسور أكيرلوف ذلك. يجادل بأن التحيز إلى التحليل الصعب ينتج أيضا تحيزا إلى التفكير الصومعي المتخصص، وأن كونك عموميا وغير اختصاصي يعد نوعا من المهارة الناعمة.
لست متأكدا من أن هذا صحيح. بعض الأدوات الرياضية متحركة بشكل كبير وصلبة بوضوح. لكن من المؤكد أن هذا النوع من التركيب الذي كان سيحدد الأزمة التي تلوح في الأفق كان من شأنه أن يكون خطابيا للغاية بحيث لا يمكن نشره في مجلة اقتصادية كبرى.
لذا أنا لست مقتنعا تماما بأن الاقتصاد، في المتوسط ، "أصعب" مما ينبغي. لكنني أتفق تماما مع التوصية القائلة بأن علم الاقتصاد يحتاج إلى أن يكون أكثر تساهلا مع الأساليب المختلفة، سواء كانت الفيزياء الحديثة شديدة الصعوبة، أو الاستكشافات الأكثر سهولة لعلم الاجتماع، أو حتى دراسة حالة لكلية الأعمال. في النهاية، يشمل الاقتصاد الكثير من الأشياء المختلفة، فلماذا يجب أن يخضع فقط لمجموعة معينة من الأدوات التحليلية؟
لقد استفاد علم الاقتصاد بالتأكيد من رؤى من هم خارج هذا المجال، مثل عالم النفس دانيال كانيمان ، والراحلة إلينور أوستروم، عالمة السياسة التي أحبط طموحها في دراسة الاقتصاد، لأنها كانت في الأربعينيات من القرن الماضي فتاة تم إبعادها عن الرياضيات. كلاهما حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد.
يمكن أن تتدفق الأفكار في الاتجاه الآخر أيضا. تأثرت نظرية التطور لتشارلز داروين بما كتبه الاقتصادي روبرت مالتوس تحت عنوان "مقال عن مبادئ السكان". عند العمل على النظرية الحركية للغازات، استوحى الفيزيائي جيمس كليرك ماكسويل الإلهام من علماء الاجتماع وعادتهم في التفكير في التقريبات الإحصائية حول الكثافة السكانية الكبيرة.
من الأسهل تقديم مثل هذه التوصية بدلا من تبنيها. كلما ابتعدت المجلات الاقتصادية الرائدة عن خبرتها الأساسية، زادت صعوبة التمييز بين العمل الجيد والسيئ. لكن على الهامش، تقدم مثل هذه التحركات الكثير من الأمل.

الأكثر قراءة