النفط يتراجع مع تغيير المستثمرين مراكزهم ومخاوف تأثير الجائحة على الطلب

النفط يتراجع مع تغيير المستثمرين مراكزهم ومخاوف تأثير الجائحة على الطلب
الطلب الأسيوي على النفط كان يستعد للتعافي الكامل والعودة إلى مستويات ما قبل الجائحة."رويترز"

استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على تراجع جديد على أثر أزمة الإصابات المتفاقمة بوباء كورونا في الهند، ما وجه ضربة قوية للطلب العالمي على الوقود، كما أعاد المعنويات السلبية لتوقعات النمو الاقتصادي العالمي على المدى القصير، على الرغم من التعافي الملموس في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويدعم الانخفاضات السعرية الزيادة الإنتاجية المرتقبة من مجموعة "أوبك +" مطلع الشهر المقبل، وعلى مدار عدة أشهر لاحقة، ما يعيد مليوني برميل يوميا إلى المعروض النفطي العالمي بحلول يوليو المقبل، كما تترقب السوق نتائج الاجتماع الشهري لوزراء الطاقة في المجموعة، غدا.
ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، إن أسعار النفط الخام بدأت الأسبوع الجاري وسط ضغوط هائلة بسبب الوضع الوبائي الخطير في الهند، لكن وضع السوق ليس سيئا بالكامل، حيث توجد بيانات إيجابية مقابلة نتيجة بقاء الولايات المتحدة بالقرب من طليعة انتعاش الطلب العالمي بعد تجاوز ذروة الوباء واتساع نطاق توزيع اللقاحات، كما أثارت أحدث أرقام التصنيع من أوروبا التفاؤل بشأن التعافي هناك أيضا.
وأوضح المختصون، أن خطورة الموجة الجديدة من الوباء تتكشف من خلال زيادة القيود على النشاط الاقتصادي، لكن بشكل عام يمكن القول إن الطلب على الصادرات لبعض المنتجات النفطية لا يزال قويا مدفوعا من الاقتصادات الإقليمية الأخرى غير الهند واليابان، حيث ما زال بعض مستهلكي النفط الخام الآخرين يسجلون اتجاها جيدا للتعافي.
وفي هذا الإطار، يقول روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن أزمة وباء كورونا في الهند تسيطر على اهتمامات السوق النفطية كأبرز تحديات المرحلة الراهنة، وتمثل السبب الرئيس وراء تدهور الأسعار بعدما تجددت حالة المخاوف من تردي تعافي الطلب العالمي، خاصة على الوقود، وذلك في الدول الرئيسة في الطلب، حيث تعد الهند هي ثالث أكبر مستهلك للوقود في العالم.
وأضاف أن الإحصائيات والتقديرات الاقتصادية تشير إلى انخفاض استهلاك الهند من الديزل والبنزين بمقدار الخمس هذا الشهر، موضحا أن أزمة الهند جاءت في توقيت دقيق وحرج للغاية، حيث كان الاقتصاد العالمي يراهن بقوة على الطلب الآسيوي باعتباره أبرز المحركات للنمو والتعافي الاقتصادي، لكن المخاوف من حدوث مزيد من التصاعد للأزمة في الهند، وأيضا اليابان، أضافت أعباء ثقيلة على خطط التعافي وبثت حالة من المعنويات السلبية المحبطة في السوق العالمية.
ويرى، أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، أن تجدد الإصابات بالوباء تعرقل تعافي حركة السفر والطيران قبل موسم الصيف الحيوي والمرتقب، لافتا إلى أن تدهور وضع الإصابات في دول الاستهلاك الرئيسة للنفط الخام يهدد بتبديد مكاسب سعرية جيدة تحققت للنفط الخام خلال الربع الأول، وبلغت نحو 30 في المائة.
وأوضح أن إعلان الحكومة الهندية عن خروج الأزمة عن السيطرة، نشر حالة من المخاوف الواسعة في هذا الاقتصاد الضخم والمؤثر في خطط تعافي الاقتصاد العالمي، لافتا إلى أنه من المتوقع أن ينخفض استهلاك الهند للديزل والبنزين بنسبة تصل إلى 20 في المائة، في نيسان (أبريل) مقارنة بالشهر السابق بسبب القيود المتجددة، كما يتكرر السيناريو نفسه في اليابان، التي تواجه زيادة في الحالات، وتم إعلان حالة الطوارئ حتى 11 مايو في مدن رئيسة، بما في ذلك العاصمة طوكيو.
ومن ناحيته، يقول لوكاس بيرتريهر المحلل في شركة "أو إم في" النمساوية للنفط والغاز، إن السوق في وضع متوتر وتهيمن عليها حالة عدم اليقين، مشيرا إلى أن الهند واليابان هما اثنان من أكبر خمسة مستهلكين للمنتجات البترولية، وأن تصاعد الأزمة فيهما يمثل أكبر تحد لتعافي الطلب في المرحلة الراهنة، التي كان الطلب الآسيوي فيها يستعد للتعافي الكامل والعودة إلى مستويات ما قبل الجائحة مع رواج الحركة على الطرق وارتفاع استهلاك الوقود، وذلك مباشرة قبل وقوع الأزمة الأخيرة.
وأشار إلى أن الخسائر السعرية الحالية للنفط الخام كان من الممكن أن تكون أكثر فداحة لولا عوامل إيجابية تكبح الخسائر، أبرزها الانتشار السريع للقاحات كورونا حول العالم، وقيود العرض، وضبط الإمدادات بشكل يقظ ومتلاحق من جانب مجموعة "أوبك +"، التي تحرص على مراجعة وتقييم وضع السوق بشكل شهري وتقييم سياساتها، حيث تستعد الأربعاء لعقد اجتماع وزاري افتراضي جديد لتقييم المستجدات الأخيرة في السوق.
وتضيف نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، أن ضعف الدولار الأمريكي يوفر بعض الدعم لأسعار النفط الخام، وفقا للعلاقة العكسية، لكن الضغوط السلبية على أسعار النفط الخام ما زالت واسعة، خاصة في ضوء تجدد إصابات كورونا وانتهاء فترة التخفيضات المشددة لمجموعة "أوبك +"، التي ستقوم بزيادات تدريجية مطلع الشهر المقبل.
وذكرت أن بعض التقارير الدولية المهمة، مثل وكالة بلاتس، عدلت توقعات نمو الطلب العالمي على النفط الخام خلال العام الجاري بانخفاض 400 ألف برميل يوميا عن التوقعات السابقة بسبب أزمة الهند الحالية، مشيرة إلى أنه مع زيادة عمليات الإغلاق الإقليمية وتأثيرها اللاحق في التنقل والنشاط الصناعي، ستضطر المصافي الهندية لتقليص تدفقات النفط الخام، تفاعلا مع تباطؤ الطلب على النفط.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، تراجعت أسعار النفط أمس، على خلفية مخاوف من أن تصاعد وتيرة الإصابات بكوفيد - 19 في الهند سيبدد الطلب على الوقود في ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، ومع تغيير المستثمرين للمراكز قبيل زيادة مزمعة في إنتاج "أوبك +" النفطي اعتبارا من أيار (مايو).
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 38 سنتا بما يعادل 0.6 في المائة، إلى 65.73 دولار للبرميل، وذلك بعد ارتفاع 1.1 في المائة، الجمعة. ونزلت العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 31 سنتا أو 0.5 في المائة إلى 61.83 دولار للبرميل بعد صعود 1.2 في المائة الجمعة الماضي. وعلى أساس أسبوعي، خسر الخامان القياسيان نحو 1 في المائة، الأسبوع الماضي.
وقال كازوهيكو سايتو كبير المحللين لدى "فوجيتومي" للوساطة في السلع الأساسية، "تأثرت المعنويات في السوق بسبب المخاوف من أن زيادة وتيرة الإصابات بكوفيد - 19 في بعض البلدان، ولا سيما الهند، ستقلص الطلب على الوقود".
وحث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، جميع المواطنين على تلقي التطعيم وتوخي الحذر، قائلا الأحد، إن "عاصفة" الإصابات تهز البلاد، إذ سجلت البلاد رقما غير مسبوق جديدا لعدد الإصابات اليومية بكوفيد - 19.
وفي اليابان، رابع أكبر مشتر للنفط في العالم، بدأت حالة طوارئ ثالثة في طوكيو وأوساكا ومقاطعتين أخريين، الأحد، ما يؤثر في نحو ربع السكان، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد للتصدي لزيادة وتيرة الإصابات.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 63.63 دولار للبرميل الجمعة مقابل 63.06 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، الإثنين، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة، حقق ارتفاعا لأول مرة عقب عدة انخفاضات سابقة، وإن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 65.21 دولار للبرميل.

الأكثر قراءة