مكبرات الصوت في المساجد بحاجة إلى ضوابط وسطية
تزامنت دعوة الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية إلى ضرورة وضع معالجات للحد من مبالغة الأئمة في استخدام مكبرات الصوت على نحو مفرط، مع وقت إعداد هذا التحقيق, ففي الوقت الذي كنا نبحث فيه مع بعض المختصين عن ضوابط استخدام هذه المكبرات التي أدت طريقة استخدامها في الفترة الماضية إلى إحداث كثير من الفوضى كاختلاط كلمات القرآن وإزعاج المصلين والسكان, جاء انتقاد الوزير, الذي أشار إلى تحرك وزارته لاستصدار تعليمات جديدة لضبطها, وهو ما وافق حديثنا مع الدكتور خالد بن عبد الله بن رشيد العيد المتخصص في فقه السنة وعلومها, الذي أكد ضرورة وضع هذه الضوابط, وألا تكون هذه المكبرات سبباً في تأخر كثيرين عن إدراك الصلاة, حيث يوقت البعض صلاته على صوت الإمام, مذكراً في الوقت نفسه بالفوائد التي يجنيها المسلم في التبكير إلى الصلاة, الذي حث الشارع عليه ورغب فيه.
#2#
ووفقاً لآراء أخرى في هذا الخصوص, فقد وجدنا تباينا طفيفاً حول موضوع إغلاق مكبرات الصوت الخارجية في المساجد أثناء الصلوات الجهرية, فالبعض يرى أهمية فتحها تذكيراً للغافل وإشاعة للذكر في الأحياء, فيما البعض ينادي بإغلاقها والاكتفاء بالمكبرات الداخلية منعاً للتشويش بين المساجد، لا سيما أنها ـ كما يرون ـ تتسبب في تأخر الكسالى عن الحضور للصلاة عموماً وعلى وجه خاص صلاة الفجر، حيث يظل بعضهم ـ وفقاً لما يرون ـ في مكانه إلى أن يسمع قراءة الإمام, وبين هذا وذاك آراء متوسطة ترى عدم ضرورة رفع الميكرفون ليكون صوته عالياً مزعجاً، ولا منخفضاً جداً بحيث تذهب الفائدة منه، فهي أي مكبرات الصوت ـ كما يرون ـ لم توضع إلا للاستفادة وإسماع الناس الأذان والإقامة للصلاة، ومن هنا يرون ضرورة تحقيق الهدف الذي وضع من أجله.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور خالد إنه عند الحديث عن تشغيل مكبرات الصوت أثناء الصلاة لا بد أولا من بحث مشروعية ذلك من عدمه سواء أكان ذلك متصلاً بالجهاز الداخلي أو الخارجي, ويضيف أنه وبالنظر إلى القصد من الجهاز وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة, فهي بلا شك وسيلة مشروعة, ويؤكد ذلك أنه في عهد النبوة كان الداعي لها موجودا ولكن تعذر استخدامه لعدم القدرة على إيجاده واختراعه, فلذا فهي إذا وسيلة مباحة وجد الداعي لها في عصرنا الحاضر فوجدت القدرة على اختراعه والاستفادة منه.
ويؤكد هنا الدكتور خالد ضرورة وضع ضوابط في عملية الاستخدام وذلك كما قال في حال وجدت المصلحة في تشغيله, ومن أهم هذه الضوابط : ألا يكون تشغيله سببا في التكاسل عن التبكير للصلاة, وكذلك ألا يكون سببا في إيذاء الجيران, وذلك برفع الصوت أكثر من اللازم, أو سببا في تداخل أصوات المساجد القريبة في الحي الواحد, أو أن يكون مدعاة للتفاخر بين أئمة المساجد وساحة لاستعراض قوة الأصوات وجمالها.
ويمضي خالد قائلاً "فالذي أراه أنه لا مانع من تشغيله أثناء الصلاة إذا ضبط بهذه الضوابط", وأضاف وأقترح على وزارة الشؤون الإسلامية أن تضع تنظيما لذلك لكيلا يكون متروكا لاجتهادات الأئمة ولمعارضة من يعارض ذلك.
وعلى خلفية تسبب مكبرات الصوت في تأخر كثيرين عن إدراك الصلاة أو معظمها, شدد الدكتور خالد على ضرورة ألا يكون ذلك سبباً في ذلك, مذكراً في الوقت نفسه بالفوائد التي يجنيها المسلم في التبكير,الذي حث الشارع عليه ورغب فيه, واستند خالد في ذلك إلى عدد من النصوص الشرعية منها أن الذي ينتظر الصلاة تصلّي عليه الملائكة وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه ما لم يحدث أو يؤذِ, حيث قال "عليه الصلاة والسلام " الملائكة تصلّي على أحدكم مادام في مصلاّه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه", وأن منتظر الصلاة لا يزال في صلاة ما انتظرها , وقد قال عليه الصلاة والسلام "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ", ومن الفوائد أن انتظار الصلاة بعد الصلاة سبب في محو الخطايا ورفع الدرجات وهو من الرباط . قال عليه الصلاة والسلام :"ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط", كما أن في التبكير إلى المسجد ضمانا لإدراك صلاة الجماعة التي تفضل على صلاة المنفرد بـ 27 درجة, وأن المبكّر إلى المسجد يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام, وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق", وأيضاً فإن التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة سبب في حضور القلب وفي الصلاة وإقبال المرء على صلاته وخشوعه فيها ـ الذي هو لبّ الصلاة ـ وذلك أنه كلما طال مكثه في المسجد وذكر الله زالت مشاغله ومعلقاته الدنيوية عن قلبه وأقبل على ما هو فيه من قراءة وذكر, بخلاف المتأخر فإن قلبه لا يزال مشغولا بما هو فيه من أمور الدنيا, ولذا يضيف خالد فإنك تلاحظ أن أوائل الناس دخولا المسجد وآخرهم خروجا, وآخرهم دخولا المسجد هم أوائلهم خروجا ـ في الغالب ـ و ما ذلك إلا لما ذكرته. وقد قال عليه ـ الصلاة والسلام ـ مبيّنا أهمية الخشوع وحضور القلب في الصلاة " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته, تسعها, ثمنها, سبعها, سدسها, خمسها, ربعها, ثلثها, نصفها ". ومن الفوائد يقول الدكتور خالد "إدراك التأمين وراء الإمام في الصلاة الجهرية, وفي ذلك فضل عظيم, وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم "إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين , فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه", ومنها كذلك أن المبكر إلى المسجد يتمكن من الإتيان بالنوافل المشروعة بين الأذان والإقامة, المقيّد منها وهي راتبة الفجر والظهر, والمطلق وهو ما دل عليه حديث: " بين كل أذانين صلاة, لمن شاء " والمراد بين كل أذان وإقامة".