علم الاجتماع وليس التكنولوجيا سيقرر سباق السيارات الكهربائية

علم الاجتماع وليس التكنولوجيا سيقرر سباق السيارات الكهربائية
علم الاجتماع وليس التكنولوجيا سيقرر سباق السيارات الكهربائية

التاريخ المبكر لصناعة السيارات المليء بالنجاحات الملحمية والإخفاقات المذهلة، يقدم أدلة حول مستقبلها أيضا. كما الحال في كثير من الأحيان أثناء الثورات التكنولوجية، الاندفاعات الأولية للتجارب السريعة والعنيفة من قبل الرواد ذوي العيون الجامحة تتلوها موجات من توحيد الصناعة من قبل الشركات الأكثر رصانة.
هكذا كان الوضع في الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الـ 19 عندما أطلق العشرات من رواد الأعمال المهووسين صناعة السيارات الحديثة. على مدى العقود القليلة التالية، أسسوا مئات الشركات التي تصنع آلاف الموديلات المختلفة. على حد تعبير أحد المؤرخين، هؤلاء المتحمسون المخلصون كانوا يتنافسون في عالم دارويني جذريا وكان يبدو عليهم أنهم يفضلون "أن يتعرضوا للإفلاس في صناعة السيارات على أن يصبحوا أغنياء في فعل أي شيء آخر"، وهي نغمة يتردد صداها مرة أخرى اليوم.
لكن تطوير أساليب التصنيع الشامل التي تحتاج إلى رأسمال كثيف، والكساد العظيم والحرب العالمية الثانية أضعفت المنافسة. بحلول عام 1950، سيطرت على الصناعة ثلاث شركات عملاقة فقط: "جنرال موتورز" و"فورد" و"كرايسلر"، وشكلت فيما بينها نحو ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي.
اليوم، تنفتح صناعة السيارات مرة أخرى أمام الوافدين الجدد وسط تشنج تكنولوجي آخر مثل السيارات الكهربائية والمتصلة وربما السيارات ذاتية القيادة في النهاية محل محركات محرك الاحتراق التي يقودها البشر. مع تطور هذه الثورة، نشهد موجة أخرى من المنافسة الإبداعية في الوقت الذي تغمر فيه السوق الشركات الناشئة الريادية وشركات التكنولوجيا.
وفقا لشركة أبحاث السوق CB Insights، تم إطلاق أكثر من 70 شركة ناشئة أخيرا في قطاع السيارات الكهربائية، بدءا من شركات تصنيع السيارات العادية وشركات البطاريات إلى موفري البنية التحتية للشحن. الاستثمارات في سوق الشركات الناشئة للسيارات الكهربائية في طريقها لتصل إلى 16.3 مليار دولار هذا العام، بزيادة 28 في المائة عن العام السابق، كما تتوقع الشركة.
حتى الآن كانت "تسلا" الأكثر نجاحا بين الوافدين الجدد، التي أسسها الزئبقي إيلون ماسك. أعادت "تسلا" تعريف قطاع السيارات الكهربائية بالكامل وتفتخر بقيمة سوقية تبلغ نحو 632 مليار دولار، أي أكبر من "جنرال موتورز" و"فورد" و"تويوتا" و"فولكس فاجن" مجتمعة.
لكن إذا كان الماضي حقا مقدمة، فمن المؤكد أن بعض الشركات الناشئة الحديثة ستفشل فشلا ذريعا وسط الادعاءات التكنولوجية المحمومة وكوارث الإنتاج. يقول بيتر رولينسون، الرئيس التنفيذي لشركة لوسيد للسيارات الكهربائية: "هناك إهدار شرير للأموال الحمقاء"، وتوقع أن من المرجح أن تنهار 80 في المائة من الشركات الناشئة في مجال السيارات الكهربائية و20 في المائة من شركات صناعة السيارات التقليدية.
مع ذلك، لا يزال رولينسون، مهندسا سابقا في "تسلا"، مقتنعا بأن الانتقال إلى عالم المركبات الكهربائية سيحدث بشكل أسرع مما يتوقعه أي شخص، مدفوعا بالحتمية البيئية. ستطلق "لوسيد" سيارتها الصالون الفاخرة في وقت لاحق من هذا العام بمدى يزيد على 500 ميل، وهو ما يكفي للقيادة من سان فرانسيسكو إلى لوس أنجلوس بعملية شحن واحدة. قال لي رولينسون في منتدى المؤسسين" التكنولوجي الأسبوع الماضي: "نحن على أعتاب ثورة في النقل. البيئة في أزمة. العالم بحاجة إلى ملايين السيارات الكهربائية غدا".
في الوقت الحالي قطاع المركبات الكهربائية سوق صغيرة، وإن كانت تتوسع بسرعة، ويتم الهتاف لها -وغالبا ما تكون مدعومة بشكل كبير- من قبل الحكومات الواعية بالبيئة. وفقا لموفر البيانات EV-volumes.com، ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية العالمية إلى 3.24 مليون عام 2020، ارتفاعا من 2.3 مليون في العام السابق، مع تفوق أوروبا على الصين باعتبارها السوق الأسرع نموا في العالم.
إنه سؤال مفتوح ورائع، حول من سيدعم سوق السيارات الكهربائية في النهاية. يراهن كثير من الناس على أن الشركات الصينية ستهيمن على السيارات الكهربائية في السوق الشاملة. عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، مثل "جوجل" و"أبل"، ينظرون إلى السيارات على أنها "أجهزة كمبيوتر على عجلات" ويقومون بتنشيط طموحاتهم في هذا القطاع. رغم أن كثيرين تأخروا عن اللعبة، إلا أن شركات صناعة السيارات التقليدية تستثمر الآن بكثافة في السيارات الكهربائية.
تتمثل رؤية "جنرال موتورز" في إيجاد سوق سيارات "صفر حوادث، صفر انبعاثات، صفر ازدحام". هذا الشهر أعلنت ماري بارا، رئيسة مجلس الإدارة والرئيسة التنفيذية لـ "جنرال موتورز"، أن الشركة ستنفق 35 مليار دولار على استثمارات السيارات الكهربائية بحلول عام 2025، في عملية يقودها طلب الزبائن. وقالت لشبكة "سي إن بي سي": "في جميع المجالات، نشهد ردود فعل قوية بشكل استثنائي واستجابة إيجابية لجميع سياراتنا الكهربائية".
يتمثل حلم الصناعة في إنشاء سيارة كهربائية جذابة وموثوقة بقيمة 25 ألف دولار تتغلب على القلق بشأن المسافة التي يمكن أن تقطعها. وكما يقول آلان كورنهاوزر، الأستاذ في جامعة برنستون، سيكون الفائزون الذين يستطيعون بناء سيارات تروق للسائقين العاديين، إضافة إلى "الشباب من الطبقة العمالية وسائقي الشاحنات. الأمر كله يتعلق بعلم الاجتماع، وليس التكنولوجيا". بعبارة أخرى، سيكون الزبون هو الذي يقرر، كما هي الحال دائما عبر التاريخ.

الأكثر قراءة