أسعار المساكن الجامحة .. الرابحون والخاسرون من الوباء

أسعار المساكن الجامحة .. الرابحون والخاسرون من الوباء
يمثل الارتفاع الحاد في أسعار المساكن تحديا ضخما - فهي مشكلة مالية واجتماعية واقتصادية ضخمة.

في أكرون في ولاية أوهايو، ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 10.1 في المائة خلال العام الماضي. وكانت الزيادة في ألباني في نيويورك 11.7 في المائة. وشهدت ألبوكيركي في نيو مكسيكو، زيادة مماثلة بلغت 11.6 في المائة. وهذه فقط المدن الأمريكية التي تبدأ بالحرف "أ".
تقول آلي وولف، كبيرة الاقتصاديين في "زوندا" شركة أبحاث سوق الإسكان في كاليفورنيا: "يمكنك أن ترمي سهما على الخريطة ولا يهم أين يهبط لأن سوق الإسكان هناك ربما يكون ذات أسعار عالية".
عندما ظهرت الجائحة لأول مرة العام الماضي، كان الافتراض الأولي لكثير من السياسيين أنه سيتم تقاسم الألم الاقتصادي. كان من المفترض أن يكون هذا الحدث الملحمي بمنزلة مساواة عظيمة بين الجميع. لكن مع تدخل الحكومات في جميع أنحاء العالم المتقدم لحماية الدخل بطرق ساعدت على معظم الأحيان الأشخاص الذين لديهم وظائف ثابتة، فقد وقعت المشقة بشكل غير متناسب على العمال والشباب المرنين وذوي الدخل المنخفض. أما الأسر الغنية التي وجدت نفسها فجأة غير قادرة على تناول الطعام خارج المنزل أو السفر، فقد استخدمت العام الماضي لبناء مدخراتها.
ارتفع إجمالي الثروة العالمية التي تراكمت من قبل الأسر بنحو 28.7 تريليون دولار عام 2020، وفقا لتقرير نشره بنك كريدي سويس أخيرا الذي سلط الضوء على الانفصال غير العادي بين هذا النمو وحظوظ الاقتصاد الأوسع.
وجهت الأسر الغنية مدخراتها غير المتوقعة إلى الأسهم والعملات المشفرة وحقائب اليد "لوي فويتون" والفنانين الهولنديين العظام. لكن الأهم من ذلك كله، أنهم قاموا بضخ الأموال لشراء منازل أكبر وأفضل.
يقول جيمس بوميروي الاقتصادي في بنك "إتش إس بي سي"، "لم يتوقع الناس أن يحدث هذا على النحو الذي حدث عليه. "لم يسجل أحد حتى بضعة أشهر حتى يكون هناك رابحون وخاسرون واضحون". الآن، يمثل الارتفاع الحاد في أسعار المساكن "تحديا ضخما، مشكلة من حيث الاستقرار المالي لكنها مشكلة اجتماعية واقتصادية ضخمة أيضا".
هذه الظاهرة عالمية. وكان بعض أكبر الارتفاعات في الولايات المتحدة، حيث أظهرت البيانات الصادرة أخيرا أن متوسط السعر لجميع أنواع المساكن ارتفع بنسبة 23.6 في المائة على أساس سنوي في مايو. تبيع معظم المنازل الأمريكية الآن أعلى من السعر المطلوب، مع قبول عرض في جزء من الوقت من الإدراج أكثر مما كان عليه قبل الوباء، وفقا لداريل فيروذر كبير الاقتصاديين في Redfin شركة الوساطة العقارية عبر الإنترنت.
لكن حتى في اليابان وإيطاليا، حيث تحد الشيخوخة السكانية من الطلب على تسارع نمو الأسعار. مع السياسة النقدية الفضفاضة للغاية التي تحد من تكاليف الاقتراض، تضخمت أسعار المنازل الآن بأرقام من خانتين في كثير من الاقتصادات المتقدمة، من السويد إلى كوريا الجنوبية، ومن كندا إلى هولندا ونيوزيلندا، وحيث أكبر الزيادات ليست في العواصم، لكن في الضواحي، والمدن الصغيرة والمناطق الريفية.
قال البنك المركزي النرويجي أخيرا، إن أوسلو شهدت تدفقا خارجيا صافيا للمقيمين لأول مرة منذ 20 عاما في 2020، حيث تحول العمال عن بعد من الشقق في وسط المدينة إلى منازل أكثر اتساعا في ضواحي العاصمة.
في المملكة المتحدة، التغطية الصحافية لقادة مجموعة السبع الذين اجتمعوا في منتجع كورنيش في خليج كاربيس ألهمت موجة جديدة من عمليات البحث عن المنازل في المنطقة الجنوبية الغربية ذات المناظر الخلابة، حيث السوق مجنونة، كما يقول هنري بريور وكيل الشراء. ويضيف: "غادر أحد العملاء لندن لعقد صفقة في كورنوال وبعد 40 دقيقة من قيادة السيارة طلب منه الالتفاف والعودة لأنه تم بيعه بالفعل".

هوة متسعة

كانت قوة الطلب على الإسكان موضع ترحيب في البداية، وشجعتها الحكومات في المملكة المتحدة وهولندا وبعض الولايات الأسترالية، التي قدمت إعفاءات ضريبية في محاولة للحفاظ على حركة الاقتصاد. يجادل لويز دي ميلو، الذي يقود الأبحاث حول الإسكان في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن هناك حاجة إلى سوق إسكان نشطة، في وقت تجري فيه إعادة الهيكلة الاقتصادية، لأن "العقبات أمام التنقل السكني تصبح عقبة أمام تعافي اقتصاداتنا".
لكن السوق الجامحة تنطوي على شاغلين لصانعي السياسة. أولا، يمكن أن تتحول الأسعار إلى منطقة الفقاعة، ما يجعل الاقتصادات عرضة لتصحيح مفاجئ في السوق من شأنه أن يلحق الضرر بثروات الأسر. يقول آدم بوزين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "لست سعيدا بارتفاع أسعار المنازل لأن العقارات المؤشر الأضمن، والمؤشر الرئيس الأكثر إقناعا لحادث تحطم".
ثانيا، يمكن أن تصبح ملكية المنازل أكثر صعوبة بالنسبة للشباب والعاملين الرئيسين الذين أصبحت أسعار المنازل فوق طاقتهم منذ الآن في كثير من المناطق قبل الوباء، ما أدى إلى ترسيخ عدم المساواة بين الأجيال الذين لديهم قدرة بشكل أو بآخر على الاعتماد على مساعدة الوالدين. يقول نيل هدسون، وهو محلل إسكان مقره في المملكة المتحدة: "النشاط الذي نشهده في الأغلب الأشخاص الذين لديهم منذ الأصل حصة في سوق الإسكان. إنهم المالكون".
يقول بوميروي: "ترتفع أسعار المساكن كل عام وتتسع هذه الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، كبارا وصغارا"، مضيفا أن "الرياضيات حول العقارات الميسورة" أصبحت أسوأ كثيرا خلال العام الماضي، لأن الشباب عانوا فقدان الوظائف وتعطيل التعليم، وهو ما يمكن أن يلحق الضرر بالأرباح على مدى حياتهم.
كلتا المسألتين هما مصدر قلق متزايد لواضعي السياسات. يقوم ارتفاع الأسعار على زيادة حقيقية في الطلب على المساكن، من العمال المنزليين المتعطشين للمساحة. لكن هناك علامات على بدء المضاربة المالية في تغذية الأسعار في الأسواق التي تمثل فيها القدرة على تحمل التكاليف مشكلة بالأصل.
قال روبرت كابلان، رئيس فرع الاحتياطي الفيدرالي في دالاس في حدث هذا الأسبوع: "ما نراه هو في كثير من الأحيان هذه الأيام، أن المزايد الفائز في كثير من هذه المزادات على المنازل في بعض الأحيان ليس عائلة. إنه صندوق بريد في ولاية ديلاوير، وهو مستثمر لم ير المنزل قط من قبل، ويريد المنزل مفروشا وسيقوم بشرائه لأغراض الاستثمار وتأجيره".
قالت "بلاكستون" شركة الأسهم الخاصة التي أصبحت أكبر مدير للعقارات في العالم، إنها ستدفع ستة مليارات دولار للاستحواذ على "هوم بارتنرز أوف أمريكا"، وهو مشتر ومشغل للعقارات المؤجرة لعائلة واحدة.
أوضح كابلان أنه يعتقد أن الوقت قد حان كي يعيد البنك المركزي الأمريكي النظر في دعمه لسوق الإسكان من خلال مشترياته الشهرية البالغة 40 مليار دولار للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري التي تشكل جزءا كبيرا من برنامجه لشراء السندات البالغ 120 مليار دولار.
ألمح البنك المركزي النرويجي أخيرا، إلى أنه قد يقوم قريبا بتشديد السياسة النقدية جزئيا من أجل الضغط على وتيرة نمو أسعار المنازل غير المرحب بها، وانفصلت نيوزيلندا عن المبدأ السائد هذا العام بإضافة بند إلى تفويض بنكها المركزي، وتوجيهه لاتخاذ أسعار المساكن في الاعتبار عند وضع السياسة النقدية.
كما تم استجواب كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، حول هذه القضية التي أصبحت بندا مهما في انتقادات السياسة النقدية المتساهلة للغاية للبنك المركزي الأوروبي خلال جلسة استماع في البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع.
ردا على ذلك، قالت لاجارد إنه "لا توجد مؤشرات قوية على وجود فقاعة إسكان يغذيها الائتمان في منطقة اليورو ككل"، لكنها أضافت أن هناك "نقاط ضعف في العقارات السكنية" في بعض الدول والمدن خصوصا.
وقالت إن "الانفصال بين أسعار المساكن والتطورات الاقتصادية الأوسع نطاقا خلال الوباء ينطوي على مخاطر تصحيح الأسعار"، داعية إلى سياسات احترازية كلية، مثل القيود الوطنية على إقراض الرهن العقاري لتكون "مصممة بعناية لمعالجة المخاطر الخاصة بكل بلد". وردا على سؤال هذا الشهر عن مخاطر السياسة النقدية التي تغذي فقاعة الإسكان، قالت لاجارد: إن فوائد قرارات البنك المركزي الأوروبي "تفوق إلى حد كبير الآثار غير المباشرة".

فرض ضرائب على الأغنياء؟

في حين أن اهتمام البنوك المركزية الاستقرار المالي، فإن ارتفاع أسعار المنازل يشعل الجدل السياسي حول التأثير المحتمل للوباء على التفاوتات الاقتصادية.
في برلين، خرج المستأجرون إلى الشوارع الشهر الماضي للمطالبة بمصادرة العقارات المملوكة للمستثمرين التجاريين، بعد فترة وجيزة من حكم المحكمة الدستورية الألمانية بأن سقف الإيجار في المدينة غير قانوني.
في المملكة المتحدة، دعت جمعيات الديون الخيرية الحكومة إلى التدخل للمساعدة في حل 360 مليون جنيه من متأخرات الإيجار المتراكمة بسبب الوباء، بعد رفع وقف مؤقت لعمليات الإخلاء هذا الشهر.
في الولايات المتحدة، بينما كان انفجار الأسعار نعمة لكثير من مالكي المنازل، فقد ثبت أنه مدمر للمشترين والمستأجرين المحتملين من ذوي الدخل المنخفض.
خلص تقرير صادر عن المركز المشترك لدراسات الإسكان في جامعة هارفارد في الماضي، إلى أن "الأسر التي تجاوزت الأزمة دون ضائقة مالية تستحوذ على المعروض المحدود من المنازل المعروضة للبيع، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويزيد من استبعاد المشترين الأقل ثراء من ملكية المنازل. في الوقت نفسه، فإن ملايين الأسر التي فقدت دخلها أثناء عمليات الإغلاق متخلفة عن سداد مدفوعات الإسكان وعلى شفا الإخلاء أو مصادرة المنزل".
كما أن الوضع بالنسبة للمستأجرين سيئ للغاية، رغم بعض الارتياح على المدى القريب من إدارة بايدن بقرارها تمديد الوقف الوطني لعمليات الإخلاء حتى نهاية يوليو. أعرب نحو 4.2 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد عن قلقهم من أنهم سيواجهون الإخلاء أو مصادرة المنزل في الشهرين المقبلين، وفقا للبيانات الأخيرة الصادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي. يحذر المعهد الحضري، مؤسسة فكرية، من أن العبء سيقع بشكل غير متناسب على ذوي البشرة السمراء والسكان الأصليين والأمريكيين اللاتينيين وغيرهم من الملونين.
لكن يشير بوزين إلى أن الزيادة في ثروة الإسكان في العام الماضي ستساعد الأمريكيين من الطبقة الوسطى على اللحاق بالذين يتصدرون التوزيع، بينما يبتعدون عن أفقرهم. أسعار المنازل المرتفعة أحد الأسباب التي تجعل أغلب الأمريكيين أفضل حالا اليوم مما كانوا عليه قبل فيروس كورونا. ويقول: "هل هذا انتصار للمساواة أم انتصار لعدم المساواة؟ يعتمد الأمر على المكان الذي ترسم فيه الخط".
ويوضح أنه يتعين على البنوك المركزية أن "تعتمد على الريح" بإجراءات مثل القيود على الإقراض العقاري المحفوف بالمخاطر، إذا أرادت منع حدوث فقاعة خطيرة في أسعار المساكن. لكنه يضيف أن علاجات عدم المساواة تكمن في السياسة المالية العامة. الذين حققوا أرباحا زائدة من خلال الوباء يجب أن يواجهوا الآن ضريبة تضامن للمساعدة على تسديد تكاليفها. ويضيف: "إذا كنت مهتما بعدم المساواة، فعليك إعادة التوزيع مباشرة، لن تكون هناك أي قوة خارقة ستعتني بها نيابة عنك".

الأكثر قراءة