التضخم والأسواق .. التكلفة عالية

لجأت أكثر الحكومات التي تمتلك صناديق سيادية، إلى هذه الصناديق ذات القاعدة الاستثمارية والمالية الصلبة والقوية لتمويل جزئي، وأحيانا كلي، لحزم الدعم التي أطلقتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي جلبتها جائحة كورونا قبل أكثر من عام ونصف. حيث لعبت هذه الصناديق ذات العوائد الاستثمارية دورا كبيرا في دعم الاقتصادات الوطنية خلال هذه الأزمة المفاجئة، التي أسهمت بشكل إيجابي في تخفيف الضغوط من جراء عمليات السحب المالية.
كما استفادت الصناديق المشار إليها من الارتفاع الذي حدث في أسواق الأسهم، مع العلم أن الأغلبية العظمى من هذه الصناديق تضخ استثمارات كبيرة للغاية في الأسهم والسندات إلى جانب ميادين استثمارية أخرى. والملاحظ أن الحكومات التي تدير صناديقها السيادية بصورة جيدة، قللت من ضغوطها المالية خلال أزمة كوفيد - 19، عبر السحب المنظم والمسيطر عليه من أموال هذه الصناديق، وفي مقدمتها الصندوق السيادي النرويجي.
والذي أسهم في دعم جدوى عمليات السحب من الصندوق النرويجي التي بلغت 4.2 مليار دولار من أسواق الأسهم والسندات خلال الربع الثاني من العام الجاري، وحقق عوائد وصلت إلى 9.4 في المائة، و111 مليار دولار أرباحا في ستة أشهر. وتستمر عمليات السحب في ساحة الصناديق السيادية عموما، وهي وفق الجهات المختصة، استمرار للتدفقات التي سجلت في الفصول الثلاثة الأولى من جائحة كورونا.
لكن لا شك في أن عمليات السحب جاءت في الوقت المناسب، لماذا؟ لأن أسعار الأسهم ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى مستويات معقولة في الربع الثاني من العام الحالي، وهذه الارتفاعات كانت مدعومة من الانفراج الذي حدث على صعيد أزمة كورونا في المجال الاقتصادي، عبر عودة حراكه إلى مستويات ما قبل الأزمة.
وفي ظل هذا الانتعاش الاقتصادي الذي لا يزال تحت المراقبة من جانب العالم أجمع، نمت أصول صناديق سيادية مهمة على الساحة العالمية في الربع الثاني، مستندة إلى ارتفاع قيمة الأسهم التي تستثمر في نطاقها، وإلى جودة استثماراتها عموما، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي، والشركة السنغافورية "تيماسيك هولدنجر"، والصندوق السيادي النرويجي الذي يتصدر قائمة الصناديق بقيمة بلغت 1.4 تريليون دولار.
وإذا ما أردنا أن نحدد النطاق الذي حقق الارتفاع في عوائد الصناديق السيادية عبر الأسهم العالمية، فأسهم الطاقة والشركات المالية والتكنولوجيا تتصدر المشهد في هذا المجال المهم. فعلى سبيل المثال "السيادي النرويجي" ضخ استثمارات كبيرة في الشركات الفردية في قطاع التكنولوجيا الأمريكي، وتحديدا في الشركات الرئيسة المعروفة مثل "أبل" و"ألفابت" و"أمازون" و"فيسبوك"، بحيث بلغ العائد على هذه الأسهم 13.7 في المائة.
وهذه المكاسب والتحرك في ميدان السحب من أجل الدعم، أدت إلى إعلان رئيس الصندوق النرويجي أنه "يرى فرصة تجنب صدمة تضخم محتملة محدودة، بعد التحذير من التأثيرات السلبية لارتفاع معدل التضخم على كل من الأسهم والسندات". وفي مثل حالة صندوق بحجم الصندوق النرويجي، يعترف المسؤولون، بأن من الصعب إعادة تخصيص الاستثمارات استعدادا لمثل هذه الأزمة المحتملة. والمشكلة تكمن في أن الصندوق المشار إليه، وصناديق أخرى مشابهة، تستثمر في مجال وميادين استثمارات طويلة الأجل، دون أن ننسى، أن الحجم الكبير الذي تتمتع به، يصعب مرونة حركتها. والخوف هنا، يكمن في مواجهة دورة تضخم مزدوجة، خصوصا أن العائد على السندات حاليا يعد منخفضا، وأسعار الأسهم مرتفعة بصورة كبيرة.
سيكون أي تغيير كبير في معدلات التضخم مؤثرا في الأسهم والسندات في المحفظة الاستثمارية، خصوصا أن التأثير يبدو أنه سيكون مزدوجا في كل من الأسهم والسندات في آن معا، بعد أن كان في الماضي في السندات أو في الأسهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي