كيف يغير كوفيد الناس والشركات حول العالم؟
فكرة جيمس بلاكهام المتمثلة في أن التأمين على السيارات ينبغي أن يعتمد على المسافة المقطوعة بدلا من القسط السنوي الثابت ساعدت على إيجاد شركة "باي مايلز" في 2017، لكنه كان يفتقر للحافز لإقناع السائقين أن التأمين القائم على الدفع بالميل سيكون شيئا عمليا. كان الحال كذلك حتى ضربت جائحة فيروس كورونا العالم مطلع العام الماضي.
فجأة أصبح للفكرة تأثير بعدما علق السائقون في منازلهم لأشهر، يدفعون أقساط التأمين على سيارات كانت مصطفة في الممرات دون أن تعمل، لكن على النقيض من ذلك، كان عملاء شركة "باي مايلز" يدفعون فقط عند استخدامهم لمركباتهم.
يقول الشريك المؤسس للشركة: "بدأ المنتج في العمل تماما كما خططنا له، فجأة أصبح المنتج منطقيا لطيفا أوسع من الناس". وبدأ العملاء بالتدافع نحوهم.
ارتفعت المبيعات في آذار (مارس) إلى أكثر من الضعف– بزيادة 150 في المائة– مقارنة بالعام الماضي. ويقول: "لم نكن نتوقع نموا بهذا الحجم".
أوصلت شركة "باي مايلز" الرسالة للمنازل بواسطة إعلانات تذاع على الراديو والتلفزيون وقامت برعاية مجموعة من الأفلام الوثائقية المتعلقة بالسفر، وهي نقلة بعيدة عن نشر الملصقات، التي عادة ما تعتمد عليها الشركات الناشئة لإيصال رسائلها.
لقد وفرت الجائحة "فرصة رائعة إذا كنت قادرا على التحرك سريعا"، كما يقول بلاكهام، لأنها أبقت عديدا من المعلنين المحتملين على التلفزيون، خاصة في صناعة السفر، تحت السيطرة. وترك هذا بدوره الباب مفتوحا لشركة "باي مايلز".
مع ذلك، صنعت الجائحة كثيرا من التحديات للشركة الناشئة. فقد أجبر التفشي الأولي لفيروس كوفيد - 19 الشركة على تأجيل جولة تمويل في وقت كانت فيه على وشك استكمالها، إضافة إلى ذلك، دفعت القيادة الأقل الأقساط إلى الانخفاض، ما أثر في نمو الإيرادات.
لكن بلاكهام يقول إن الأزمة أتاحت الفرصة لشركة "باي مايلز" لإثبات أن هذا المفهوم يعمل بالفعل، مضيفا أن الصناعة في المملكة المتحدة "تعمل ببطء شديد"، وهو يعد أنموذجه ناجحا فقط عندما "يبدأ البلد بأكمله باستخدام تأمين السيارات المبني على الاستخدام، نحن لا نتوقع حصول تغيير بين عشية وضحاها".
متجر الزهور يتطلع لأوقات وردية
قام متجر "جي بيج" لبيع الزهور بالجملة في مانهاتن بإغلاق مصاريعه مع باقي أعمال نيويورك غير الأساسية، وترك سيقان الورود مغلفة بالورق البني على ممر المشاة.
وبعد أكثر من عام كامل، يشعر مالك المتجر جاري بيج بالحماس وهو يتطلع لأوقات أكثر وردية، حتى مع تدني مبيعات متجر الورد الخاص به إلى نصف ما كانت عليه قبل تفشي جائحة فيروس كورونا.
يتزاحم الناس على متجره بحثا عن ورود الفاونيا والحوذان وزنابق الكالا، ويعتقد أن الجائحة جعلت أناسا أكثر تميل نحو الطبيعة، ويتوقع عودة مستويات ما قبل الجائحة في أوائل العام المقبل.
يقول: "إذا كان الناس مرتاحين في التجمعات الداخلية الكبيرة، فبحلول الخريف ينبغي أن نكون على استعداد ونقوم بالتحرك. سأرتدي قبعة المتفائل وأقول قد نعود بحلول بداية 2022 إلى مستويات 2019".
ويقول بيج، الذي يعمل في هذه الصناعة منذ 1984، إن جائحة كوفيد - 19 أبقت متجر الزهور المحلي الخاص به مغلقا لمدة ثلاثة أشهر، وأنها أسوأ أزمة مر بها عمله، أصعب حتى من الهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 والانهيار المالي 2008. وبالنسبة لبائعي الجملة مثله، الذين يبيعون في المقام الأول لبائعي الورود الفاخرين مثل "ميهو" و"أوفاندو" ويعتمدون على مناسبات الضيافة، كانت الأعمال سيئة جدا في العام الماضي.
وينسب الفضل لبرنامج حماية الراتب، وهو برنامج قروض الحكومة الأمريكية للإغاثة خلال الجائحة للشركات الصغيرة، في مساعدة متجره على تخطي أصعب مراحل الجائحة من خلال شريحتين من القروض بقيمة 168000 ألف دولار.
وقد عانت أعماله مع ارتفاع التكاليف، وجعلت الجائحة عملية جلب الورود إلى الولايات المتحدة أكثر تكلفة، حيث توقفت معظم الرحلات الجوية الدولية.
وكان يمكن إرسال الورود من فرنسا وإيطاليا برا إلى هولندا، حيث تشحن من هناك، لكن كان من الصعب جلب الورود من ماليزيا وتايلاند. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف الشحن التي كان عليه أن يحملها لعملائه.
وعلى الرغم من ذلك، يقول بيج إن الطلب بدأ يزدهر وشرع أناس أكثر في تقدير الطبيعة، خصوصا سكان المدينة الذين شعروا أنهم عالقون داخل المنازل، معتبرا هذا إرث ما بعد الجائحة الذي سيزدهر.
يقول: "لقد مررنا بالثورة الصناعية، التي أبعدتنا عن الأرض، والآن لدينا ثورة التكنولوجيا، والتي جعلتنا أكثر ابتعادا عما هو حولنا".
ويعتقد أن هذا الانفصال، الذي ازداد بسبب الجائحة، دفع الناس لتزيين منازلهم بمزيد من النباتات والورود، التي "توجد المشاعر في الناس"، وكانت توازن ثقل الوحدة.
وقد أوجدت هذه المشتريات بدورها عملاء مثقفين يستطيعون تمييز جودة الورود والقيام بعمليات شراء أكثر استنارة.
ويقول بيج: "هناك فرق بين بدلة الرجال العادية وبدلة بريوني".
بلدة الازدهار النفطي على طريق العودة
بين انهيار أسعار الطاقة والجائحة، عانت بلدة الازدهار النفطي، ويليستون، في داكوتا الشمالية مرحلة صعبة في بداية العام الماضي.
يقول شون وينكو، وهو المدير التنفيذي للتنمية الاقتصادية في ويليستون: "لم يكن هناك أي شيء رائع يمكن ذكره عن 2020". لكن مع خروج الولايات المتحدة من منطقة الخطر في صراعها مع كوفيد - 19، يبدو أن الأمور تتجه للأفضل.
نمت بلدة ويليستون بشكل سريع مع تدفق منتجي الطاقة على حقل "باكين" النفطي الذي برز خلال طفرة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. ارتفع عدد سكان المدينة 82 في المائة في الفترة من 2010 إلى 2019، وفقا لمكتب الإحصاء الأمريكي.
وقد قضى وينكو أيامه في المرحلة الأولية من الجائحة في العمل على "استراتيجية تصحيح ومحافظة" لمساعدة الشركات المحلية لكي لا تضيع إلى الأبد.
وهو يقوم الآن بالإجابة على طلبات من أشخاص يبحثون عن مزيد من المعلومات حول المنطقة وآفاقها الاقتصادية. الاهتمام كبير بين الشركات ورواد الأعمال، الذين يعملون على تكنولوجيا احتجاز الكربون وطرق إعادة استخدام المنتجات الثانوية لإنتاج الطاقة.
يقول وينكو: "إننا نجهز أنفسنا للطفرة التالية"، ويتوقع أن "ينطلق" قطاع المطاعم والتجزئة، مشيرا إلى أن ويليستون كانت على وشك جذب مزيد من الشركات، وهناك أيضا مستشفى جديد وعيادة من سانفورد هيلث قيد الإنشاء، إضافة إلى تطوير شبكة فانتيس، وهو نظام على مستوى الولاية لتشغيل الطائرات دون طيار.
وقد لاحظ القليل من إعادة النشاط في التوظيف في قطاع الطاقة، غالبا في جانب الخدمة من الصناعة.
وعن الانكماش الناجم عن الجائحة يقول وينكو: "سيستغرق الأمر القليل من الوقت للخروج من هذا الوضع، لكن تبدو الأمور في حال أفضل مما كنت أتوقع. لقد تجاوزنا العاصفة بشكل أفضل بكثير. إنها نظرة أكثر إيجابية مما كانت ستكون عليه".
التحول إلى الملابس غير الرسمية
النقلة للعمل في المنزل بالنسبة لموظفي المكاتب أدت إلى تغيير سريع في نمط الملابس: تم نسيان الملابس الرسمية وجاءت الملابس الرياضية. لكن تجار التجزئة التقليديين عانوا على صعيد سرعة الاستجابة لتلبية الطلب.
الانتقال للسراويل الرياضية والخصر المطاطي دفع إلى إحداث تغيير في مخططات تشارلز تيرويت، وهو تاجر ملابس رجالية في الولايات المتحدة. لكن في مواجهة فترات توريد لمدة عام لم تكن الشركة، المعروفة بقمصانها وبدلاتها وربطات العنق الخاصة بها، قادرة على قلب كل ما تملكه على الرفوف بالسرعة، التي تتمناها.
استغرق الأمر بعض الوقت لتخزين ما يكفي من ملابس المنزل غير الرسمية، التي يرغب فيها العملاء، لكن مع ذلك، البضائع الآن "تطير من على الرفوف"، كما يقول نيك ويلر، الذي أسس الشركة بصفته بائع تجزئة من خلال البريد قبل 35 عاما.
ودفعت أزمة كوفيد - 19 الشركة بين عشية وضحاها للتفكير في نمو شعبية الملابس غير الرسمية– وليس قبل وقت كاف، كما يقول ويلر.
وأدركت الشركة أن عليها أن تقدم لعملائها ما لا يقل عن 50 في المائة من الملابس غير الرسمية بدلا من أن تكون 80 في المائة من منتجاتها ملابس رسمية. قال المؤسس إنه لا يزال يتعين عليه التأكد من أن الملابس "مناسبة للغرض وأن تكون مجموعة يرغب الناس حقا في ارتدائها".
أضاف: "لقد أصبح من الواضح بشكل سريع أن الاتجاه العام على مدى الأعوام العشرة الماضية سيصبح– على الأقل في المدى القصير- اتجاها متزايدا بشكل كبير، لقد كنا بطيئين بعض الشيء مع هذا الاتجاه على مدار الـ20 عاما الماضية. أصبحنا كسالى بعض الشيء".
طلب بائع التجزئة للملابس الرسمية قمصانا وسترات غير رسمية، لكن مع تأخر الموردين في جميع أنحاء العالم، يعني هذا أن تشارلز تيرويت كان لديه حاويات مليئة بالبدلات تصل في حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، بعد أربعة أشهر من بدء عملائه العمل من المنزل.
قال: "مهما حدث، آمل أن يظل الرجال يرتدون الملابس. نحن الآن نعمل مع 50/50 من الملابس الرسمية وغير الرسمية، الذي أعتقد أنه توازن مثالي، خصوصا إذا عاد الناس للعمل لثلاثة أيام في الأسبوع. سيكونون أكثر راحة في أماكن عملهم".
بائع تجزئة من باب لباب
كان آندي كنابتون يبيع السمك من شاحنته في كامبريدجشير لمدة 20 عاما تقريبا، لكنه لم ير قط طلبا بهذا الحجم على المنتجات، التي يجلبها جنوبا من جريمسبي، وهو اتجاه دفعه إلى توجيه أعماله بشكل أكبر نحو زبائن التجزئة خلال الـ12 شهرا الماضية.
وقد اجتمعت الجائحة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي معا لدفع مبيعات كنابتون لحد أعلى على مدار العام الماضي: المزيد من الناس موجودون في المنازل ليتلقوا مكالماته، بينما ازداد الاهتمام بالأسماك والمنتجات الموردة محليا.
ومن ناحية أخرى، انخفضت مبيعاته لعملاء البيع بالجملة مثل المطاعم والحانات خلال إغلاقات كوفيد - 19.
حقق كنابتون زيادة ثابتة في المبيعات منذ بدئه التجارة في 1992، لكن الطلب في العام الماضي زاد على حده وارتفعت المبيعات 50 في المائة، حسب قوله.
يقول: "لم تسنح لي الفرصة لتوسعة دائرة عملاء الشراء بالجملة، الهوامش ضيقة للغاية وتستغرق خدمتهم كثيرا من الوقت. يكفي عملاء التجزئة فقط إضافة إلى أن البيع بالتجزئة أكثر ربحية من حيث النسبة المئوية".
ارتفعت مبيعات كنابتون بمقدار النصف تقريبا في العام حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وارتفع إجمالي الربح 55 في المائة، بينما خدم نحو 53 في المائة من المنازل زيادة في الـ12 شهرا الماضية، حيث يقضي العملاء وقتا أطول في المطبخ.
إنه يعمل بجد أكبر من ذي قبل– نحو 70 ساعة في الأسبوع في العام الماضي، مقارنة بـ55 ساعة في آذار (مارس) من العام الماضي.
في فترة ما قبل الجائحة، كان خمس مبيعاته يأتي من تجارة الجملة، مثل المطاعم والحانات، وقد تدنى ذلك إلى 1 في المائة بسبب عمليات الإغلاق، التي يسببها فيروس كورونا.
لم يكن التحول من البيع بالجملة إلى التجزئة هو التغيير الوحيد، الذي تسببت فيه الجائحة، لقد دفعت مطالب النظافة الخاصة بكوفيد - 19 مدير "أي كيه فيشيريز" إلى استخدام قارئ بطاقات بدلا من الاعتماد على الشيكات أو النقد أو المدفوعات عبر الإنترنت، وهو تعديل في أعماله سهل المدفوعات وساعد على تحقيق مزيد من المبيعات.