"بلاك ستون" تراهن بـ 5 مليارات دولار على إسكان ذوي الدخل المنخفض
توقف جو ديجيسوس عن إحصاء عدد المرات التي قام فيها بترقيع التسريبات وإصلاح الجدران في مجمع بروكلين السكني ـ الخاضع لبرنامج حكومي يحدد قيمة الإيجار التي يدفعها الساكن ـ حيث يعمل مشرفا.
كانت المنظمة المجتمعية التي تؤجر الشقق تستعد إلى تركيب سقف جديد ونظام تدفئة، لكنها توقفت عندما تدخلت مجموعة استثمارية مدعية أن لها حقوقا شاملة على العقار، وفقا لأشخاص مطلعين على خطط المؤسسة الخيرية.
بدلا من ذلك يدخل المالك، وهو مؤسسة رايزبورو الخيرية لشراكة المجتمع، العام الثالث في نزاع قانوني مع شركة التأمين AIG حول من هو المالك على المدى الطويل للمجمع المهيب الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان.
إنها إحدى ست معارك على الأقل بين المؤسسات الخيرية ومجموعات الاستثمار ذات النفوذ بشأن الشقق الميسورة الممولة من الإعفاءات الضريبية الاتحادية - وهو توجه يقول ناشطون أنه قد يؤدي إلى تهجير العائلات التي تم تشييد منازلها بمليارات الدولارات من الإعانات الحكومية.
هذه المنازل مرغوب فيها الآن من قبل شركات الأسهم الخاصة. علمت مؤسسة رايزبورو الخيرية الشهر الماضي أن حصة AIG المتنازع عليها سيتم بيعها لشركة بلاك ستون، في إطار صفقة معلقة قيمتها خمسة مليارات دولار تمثل التوغل الأكثر تعقيدا للمجموعة الاستثمارية في سوق الإسكان في الولايات المتحدة في الأعوام التي أعقبت أزمة الرهن العقاري في عام 2008.
يشعر المدافعون عن الإسكان بالقلق من أن استيلاء شركة للأسهم الخاصة على الإسكان الميسور يمكن أن يؤدي إلى مشكلة. يخشى بعضهم من أن الجمعيات الخيرية الإسكانية ستضطر إلى القبول بتسويات مالية سيئة مع مستثمري وول ستريت، أو أن تواجه التجريد من وصايتها على الأصول السكنية التي توفر حصنا ضد ارتفاع الإيجارات.
يقلق آخرون بشأن ما قد يحصل إذا أصبحت الشركات المالية مسؤولة عن أصول الإسكان الميسور عندما تنتهي أنظمة السيطرة على الإيجارات أخيرا. قال ديجيسوس، "لقد كان التحسين في بوشويك يجري على نطاق واسع. أنا قلق بشأن العائلات في عمارتي - إلى أين من المفترض أن يذهب هؤلاء الأشخاص؟".
قالت شركة بلاك ستون إنها تعتزم الحفاظ على الأسعار الميسورة، حتى مع انتهاء صلاحية ضوابط الإيجار الفيدرالية، والولائية، على كثير من 83 ألف شقة ستشتريها الشركة على مدار الـ20 عاما المقبلة.
لكن هوس وول ستريت الأخير بالأراضي يثير قلق بوبي روزن، الذي ساعد على تصميم برنامج إعفاءات ضريبية على الإسكان لذوي الدخل المنخفض عندما كان مستشارا للسيناتور الديمقراطي جورج ميتشل في الثمانينيات. قال، "لقد اكتشفت شركات الأسهم الخاصة هذا القطاع من سوق الإسكان، وهي تحاول جني أرباح كبيرة من خلال أخذ الأموال من الإسكان الميسور بطرق لم يفكر فيها الكونجرس".
تحويل الإعفاءات الضريبية إلى مليارات
أصول الإسكان الميسور التي وافقت شركة بلاك ستون على شرائها مشيدة من الطوب والملاط. تحت تقييمها البالغ خمسة مليارات دولار يوجد هيكل شركة يقسم الملكية بين مجموعات الإسكان المحلية التي تدير المباني والمستثمرين الماليين الذين تحملوا جزءا من التكلفة مقابل مليارات الدولارات من الإعفاءات الضريبية.
لرؤية كيفية عمل ذلك الهيكل، سيكون من المفيد تتبع تمويل الحكومة الأمريكية التي دفعت ثمن 35 وحدة تديرها مؤسسة رايزبورو الخيرية في شارع ستوكهولم في بروكلين. كان تحويل المبنى إلى شقق يكلف أكثر بكثير مما يأمل مالك في كسبه في حي قاحل في عام 1999. ويقول سكوت شورت، المدير التنفيذي لمؤسسة رايزبورو الخيرية، "المبنى تم إعداده ليكون جناح مستشفى، وليس مناسبا للسكن على الإطلاق".
ونظرا إلى عدم قدرتها على دفع ثمن العمل، تلقت مؤسسة رايزبورو الخيرية بدلا من ذلك دعما على شكل إعفاءات ضريبية، مستفيدة من مخطط يكلف الحكومة الأمريكية نحو 11 مليار دولار سنويا، وفقا لخدمة أبحاث الكونجرس.
لكن الإعفاءات الضريبية تقلل فقط من فواتير الضرائب للشركات التي تدفع الضرائب في المقام الأول. مؤسسة رايزبورو هي مجموعة خيرية معفاة من الضرائب، لذلك طلبت المساعدة من شركة صن أمريكا التابعة لمجموعة AIG، التي وظفت في الثمانينيات محاسبا يدعى مايك فولر ليجد طرقا لجني الأموال من قانون الضرائب الفيدرالي.
على مدى أكثر من عقدين في شركة صن أمريكا، جمع فاولر معظم محفظة الخمسة مليارات دولار التي ستشتريها شركة بلاك ستون الآن. تم تقليد ابتكاراته من قبل صناعة كاملة من المجموعات المالية التي تطالب بإعفاءات ضريبية على إسكان لذوي الدخل المنخفض من الحكومة وترسل جزءا من مدخراتها إلى مطوري الكتل السكنية ميسورة السعر. أدت جهود فاولر "إلى تحقيق أرباح بمليارات الدولارات" لشركتي صن أمريكا وAIG.
في عام 1999، حولت مؤسسة رايزبورو الخيرية مبناها في بوشويك إلى شراكة كانت مملوكة من قبل AIG 99.9 في المائة. دفعت شركة التأمين 2.5 مليون دولار لتغطية تكاليف المشروع، كما تظهر ملفات المحكمة، وتوقعت في المقابل الحصول على إعفاءات ضريبية بقيمة 3.3 مليون دولار على مدى عشرة أعوام، من ضمن حقوق أخرى. قامت مؤسسة رايزبورو الخيرية بتشغيل المبنى وحصلت على معظم دخل إيجاره. وقال مسؤولون تنفيذيون في المؤسسة الخيرية إنهم كانوا يتوقعون حل هيكل الشراكة بعد 15 عاما.
في عام 2015 أخطرت مؤسسة رايزبورو مجموعة AIG بأنها تنوي إعادة شراء المبنى مقابل مبلغ رمزي، وهي خطوة من شأنها أن ترفع القيود التي يفرضها هيكل الشراكة على قدرة مؤسسة رايزبورو على تمويل التحسينات والإصلاحات الرأسمالية.
لكن المؤسسة الخيرية تلقت ما دعاه محاموها بالمفاجأة الكريهة. قالت AIG إنها ليست مهتمة بالبيع وعرضت تسوية النزاع إذا دفعت مؤسسة رايزبورو الخيرية مبلغا يتجاوز مليون دولار، وفقا لشخص مطلع على المحادثات. لكن مؤسسة رايزبورو الخيرية رفضت العرض. ورفضت AIG التعليق على هذا الادعاء.
في النهاية رفعت مؤسسة رايزبورو الخيرية دعوى قضائية لمحاولة فرض النقل. وقضت محكمة فيدرالية لمصلحة AIG في وقت سابق من هذا العام ـ والقضية الآن قيد الاستئناف.
وفقا لأحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في AIG، أصبحت مثل هذه النزاعات ربما أكثر شيوعا بعد أن دفعت الأزمة المالية عام 2008 شركة التأمين إلى إبطاء أو إيقاف سعيها لإبرام صفقات إسكان جديدة ميسور التكلفة، وبدلا من ذلك التركيز على حصص الشراكة التي تمتلكها بالفعل.
قال المسؤول التنفيذي، "تصبح (الأجندة)، ما الذي يمكننا استخراجه من هذه الممتلكات البالغ عددها 1200؟". في بعض الحالات "إذا كنا نستطيع أن نكون صعبي المراس أو غير متعاونين، حينها يمكننا (الاقتراب) إلى نقطة ما من القيمة السوقية الحقيقية للممتلكات".
في الإيداعات القانونية، عارضت AIG تفسير مؤسسة رايزبورو الخيرية لاتفاقية الشراكة الخاصة بها، الذي استند إلى صياغة قانون اتحادي عام 1989 يسمح لأصحاب العقارات غير المهتمين بالربح المطالبة "بحق الأفضلية" على الممتلكات التي يديرونها.
بعيدا عن محاولة استخلاص قيمة إضافية من شراكات الإسكان الميسور، يجادل تنفيذيون ماليون بأنهم مجبرون على الذهاب إلى المحكمة للحفاظ على حقوق الملكية طويلة الأجل التي تساوموا عليها. ويقولون إن المؤسسات الخيرية والعاملين في مجال الإسكان هم الذين يحاولون أخذ الأصول لحسابهم الخاص وتعطيل الوضع الراهن. وأن المستثمرين لديهم مصلحة مالية في صيانة المباني وهم على استعداد للتعاون لتوفير الأموال اللازمة.
لدى شورت، الرئيس التنفيذي لمؤسسة رايزبورو الخيرية، وجهة نظر مختلفة. قال، "هذه الملكيات تساوي كثيرا من المال. لم يعتقد أي أحد أنها ستصبح كذلك عندما كان يتم بناؤها في هذه الأحياء الكئيبة في التسعينيات. لكن لا يمكن للمستثمرين فتح هذه القيمة إلا إذا قاموا بتحرير الشقق من القيود التنظيمية وطردوا المستأجرين الحاليين، وهو أمر لن نفعله أبدا".
علاقات متوترة
جنت شركة بلاك ستون أرباحا هائلة خلال أزمة الرهن العقاري ببنائها إمبراطورية تأجير من المنازل في الضواحي التي اشترتها من حبس الرهن. من خلال رهانها على المباني السكنية الخاضعة لبرنامج تحديد الإيجار، تدخل المجموعة نفسها في نقاش حول كيفية الموازنة بين الحقوق الاقتصادية لمالكي العقارات والحاجة لحماية العائلات ذات الدخل المنخفض في بعض أكثر المناطق تكلفة في الولايات المتحدة.
يرى المديرون التنفيذيون الذين يقفون خلف صفقة شركة بلاك ستون أنفسهم جزءا من الحل. عندما تم إعلان صفقة AIG الشهر الماضي قالت كاثلين ماكرثي، الرئيسة المشاركة لقسم العقارات، "سنضخ استثمارات كبيرة لتحسين الشقق مع ضمان بقائها ميسورة التكلفة والامتثال لجميع لوائح الإيجار".
مع ذلك، شركة الأسهم الخاصة ترث علاقات متوترة مع بعض المشغلين غير الربحيين لمحفظتها السكنية الجديدة، التي تضم 678 مبنى منتشرا في 46 ولاية.
في مدينة بونتياك، خارج ديترويت، فازت AIG بمعركة أخرى ضد جمعية خيرية محلية للإسكان عندما قضت المحكمة في شباط (فبراير) بأن بريسبتريان فيليج نورث تصرفت بشكل خاطئ في محاولتها لاستعادة السيطرة على حي للتقاعد كان مملوكا لشراكة ترعاها AIG، وهذا الحكم هو أيضا قيد الاستئناف.
قال شخص مطلع على القضية إن اكتشاف خرق للعقد من قبل المؤسسة الخيرية يمكن أن يؤدي إلى صدور بند يجبر المجموعة الموالية للكنيسة على التنازل عن سيطرتها على الشقق التي شيدتها على أرض تم التبرع بها.
وقالت AIG إنها فخورة بسجلها الممتد لـ30 عاما في الاستثمار في الإسكان ميسور التكلفة، مضيفة، "نحن على ثقة من أن بلاكستون ستواصل ضخ استثمارات مهمة أثناء إدارتها لهذه الأصول."
سعت بلاكستون إلى طمأنة المستأجرين ذوي الدخل المنخفض بأن استحواذها على عشرات الآلاف من الشقق لن ينجم عنه إلا توفير التحسينات. وقالت الشركة لـ"فاينانشيال تايمز"، "هدفنا باعتبارنا مالكين هو الحفاظ على قدرة هذه المجتمعات على تحمل التكاليف. لا ننوي تغيير أي منها إلى سعر السوق بل نريد إبقاءها في متناول الجميع".
وتحرص وول ستريت على تقديم نفسها شريكا بناء للجمعيات الخيرية الإسكانية أيضا. قالت بلاكستون إنها "تنوي توفير رأس المال والتمويل المعتمد للإصلاحات والصيانة الضرورية". وسيشمل البرنامج الذي تبلغ تكلفته 450 مليون دولار مشاريع لاستبدال الأسطح، وإصلاح العيوب الهيكلية وتحسين كفاءة الطاقة، وذلك وفقا لشخص مطلع على المخططات.
في حين أن بلاكستون هي إلى حد بعيد أكبر مجموعة أسهم خاصة تسعى لتحقيق أرباح في الإسكان المتقادم لذوي الدخل المنخفض، فإنها تنضم بذلك إلى مجموعة من شركات الاستثمار المتخصصة التي اشترت حصصا في بعض الشقق البالغ عددها ثلاثة ملايين شقة تم بناؤها بإعفاءات ضريبية على مساكن ذوي الدخل المنخفض منذ بدء البرنامج في عام 1986.
في عام 2019، فازت إحدى هذه الشركات الاستثمارية، وهي آلدن تورتش فاينانشال، التي يرأسها مسؤول تنفيذي سابق في AIG، بحكم قانوني في محكمة اتحادية ضد مؤسسة خيرية للإسكان مقرها سياتل، حيث زعمت أنه يحق لها شراء عديد من العقارات بسعر منخفض.
تم الاستشهاد بهذه الحالة في تقرير صادر عن لجنة تمويل الإسكان في ولاية واشنطن قال، إن "بعض الشركات الخاصة بدأت في تحدي حقوق تحويل المشاريع غير الربحية بشكل منهجي وتعطيل عملية الخروج الاعتيادية على أمل بيع العقار بالقيمة السوقية". وتم الطعن في الإصلاحات التي أدخلتها اللجنة لاحقا في المحكمة.
قد تكون هذه الهياكل التمويلية المعقدة اللازمة للحصول على الإعفاءات الضريبية الفيدرالية قد جعلت النزاعات أمرا لا مفر منه. قال محامون إن دائرة الإيرادات الداخلية يمكنها الطعن في أي تحويلات للأصول يتم إجراؤها فقط لتجنب الضرائب، وفي الأغلب ما تبدو العقود غامضة بشأن من سيمتلك عقارا عندما تنفد الإعفاءات الضريبية.
قال أحد المحامين الذي مثل المستثمرين في عشرات الصفقات التي دفع ثمنها برنامج الإسكان لذوي الدخل المنخفض، "إني أشعر بالفزع. لن أقول مرة أخرى: ’لا تقلق إن موكلي سيفعل هذا، وسيرحل بعد 15 عاما‘".