البحر الأحمر جسر لتجارة الشرق والغرب

يشكل البحر الأحمر حاليا العمود الفقري للتجارة والنقل البحري وعبور الأساطيل البحرية بكل أغراضها بين آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وكان له الدور والأهمية التاريخية أنفسهما، حيث كان له دور محوري في التجارة العالمية لقرون عديدة من أيام الإمبراطورية الرومانية، إذ سهل مرور البضائع بين أوروبا ودول حوض البحر المتوسط والصين مرورا بالهند، كما لعب دورا مهما في تجارة التوابل في العصور الوسطى وخلال وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومن شواهد ذلك في المياه الإقليمية السعودية ما اتخذه الألمان من جزيرة قماح، إحدى جزر أرخبيل فرسان، مستودعا للفحم الحجري وقود ذلك الزمان فيما يعرف حاليا بـ "بيت الجرمن" لتزويد السفن الألمانية وغيرها بالوقود. كما أنه شريان النقل للحجاج والمعتمرين من شرق آسيا كذلك.
ولقد لمسنا حاليا الدور الكبير والمهم الذي يقوم به هذا الجسر المائي الممتد من خليج عدن حتى كل من العقبة وخليج السويس في البحر الأبيض المتوسط، وما تسببت فيه الناقلة "إيفرجيفن" من إغلاق لقناة السويس من 23 - 29 آذار (مارس) 2021 وإرباك تام للملاحة البحرية العالمية وخسائر فادحة لشركات النقل البحري وشركات التأمين بمليارات الدولارات وأفلس عديد منها، وفقد الملايين من موظفي هذه الشركات وظائفهم ولا تزال آثار الأزمة قائمة رغم أن التوقف لم يتجاوز ستة أيام فقط، وتسبب ذلك في ارتفاع أسعار النفط والسلع رغم أن هناك طرقا ودولا أخرى لإنتاج النفط وارتفعت تكاليف الشحن عالميا لثلاثة أو أربعة أضعاف، كل هذه التبعات تبين أهمية دور البحر الأحمر في التجارة العالمية وقدر بعض التقارير المالية أن إجمالي البضائع السنوية العابرة للبحر الأحمر لا تقل عن 2.5 تريليون دولار وتمثل نحو 13 في المائة من التجارة العالمية. من هذا المنطلق ظهرت أهمية مبادرة الملك سلمان بن عبدالعزيز لتأسيس كيان جديد "كيان البحر الأحمر" لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتعزيز الأمن والاستثمار والتنمية لدول حوض البحر الأحمر باعتباره معبرا رئيسا لطريق الحرير، حيث يشمل كيان البحر الأحمر سبع دول هي السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن. ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي المجمع لهذه الدول السبع، تريليونين و100 مليار دولار. أما عدد سكانها فهو نحو 232 مليون نسمة.
وإذا ما نظرنا إلى منطقة البحر الأحمر ككل التي تضم 20 دولة تستخدم هذا الطريق الملاحي كممر أساسي للتجارة، فتعد هذه المنطقة أكبر وأسرع الأسواق نموا وأقلها استغلالية في العالم. وخلال العقود الثلاثة المقبلة تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد سكان المنطقة من نحو 600 مليون نسمة إلى 1.3 مليار نسمة.
أما قيمة التجارة العالمية فستقارب خمسة تريليونات دولار بحلول عام 2050، في حين يتوقع البنك الدولي أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة ستة تريليونات دولار.
ورغم هذه الأهمية لهذا الجسر المائي الذي يربط الشرق بالغرب لكنه لا يزال يفتقر إلى الخدمات البحرية المقدمة للسفن التي تعبر سواء في المياه الإقليمية السعودية أو المياه الاقتصادية الخالصة أو الممر الدولي، وسواء كانت ناقلات نفط أو سفنا تجارية أو عسكرية فجميعها تحتاج إلى أحواض لبناء السفن shipyards سواء لتصنيع سفن جديدة أو تقديم خدمات صيانة لهذا الكم الهائل من القطع البحرية العابرة، وكذلك تقديم الصيانة وإعادة البناء لاحتياجات المملكة ودول الجوار للسفن التجارية وناقلات النفط والسفن العسكرية، ما يعزز مكانة المملكة في الصناعات الثقيلة ويقلل على اقتصادها التكاليف العالية لتي تقدم لهذا الغرض سنويا.
إن المتأمل في خط السير البحري للأساطيل التجارية والعسكرية العابرة للبحر الأحمر يجد أنها تفتقد خدمات الصيانة والدعم من مغادرتها البحر الأبيض المتوسط حتى تصل إلى سنغافورة في شرق آسيا لمسافات تتجاوز عشرة آلاف ميل بحري ويضطر كثير منها للانحراف من مسارها إلى دبي في الإمارات أو كوتشين في الهند لتعاود السير في طريقها لأوروبا، بينما تقع مدن سعودية مثل جازان أو القنفذة أو جدة في منتصف الطريق مشكلة موقعا استراتيجيا لإنشاء مثل هذه المرافق.
إن أنشاء أحواض لصناعة السفن لن يقتصر على بناء وصيانة السفن التجارية وناقلات النفط والفرقاطات العسكرية والزوارق الحربية والبارجات فقط، بل يمتد لصناعة سفن الصيد والتنزه واليخوت السياحية، ما يعزز ويدعم صناعة الترفيه ويخدم المرافق والجزر المستهدفة بالتطوير السياحي التي هي بأمس الحاجة حاليا إلى مثل هذه المعدات وتقوم باستيرادها من الخارج، ولا يخفى كم سيتيح ذلك من فرص للعمل ويحرك قطاعات اقتصادية كثيرة مساندة، ويعزز من استهلاك مواد معظمها محلية مثل مصانع الحديد والألمنيوم والكابلات الكهربائية وورش إنتاج الألياف الزجاجية "الفيابرجلاس".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي