الصناعات الغذائية وفرص الاستثمار
تعد الصناعات الغذائية في شكلها المتداول حاليا من الصناعات الضرورية والمهمة للحياة العصرية، ومن أهم وسائل حفظ المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية بتحويلها إلى منتجات وسلع غذائية يمكن حفظها لمدد طويلة ونقلها وتداولها على نحو آمن لمناطق الاستهلاك التي تتجاوز مناطق إنتاجها، وتاريخيا شهدت مناطق في العالم مقتنيات وأواني تدل على نوع من وسائل الحفظ مثل الحفظ بالتمليح، والتخليل، حتى بالتبريد فقد كان ملوك الأندلس في قصر الحمراء تجلب لهم الدواب يوميا الثلوج من جبل سيرينيفادا المطل على المدينة لحفظ اللحوم والفواكه والخضار طازجة.
في الحياة المدنية الحديثة أصبحت الصناعات الغذائية ضرورة من ضروريات الحياة وتطورت طرق التصنيع لتتجاوز التمليح والتخليل إلى طرق أكثر من أن تحصى للمنتج الواحد.
فالفواكه مثلا يتم تشميع البعض منها لإطالة مدد شحنها وعرضها في الأسواق، وكذلك تجفيفها، وتعليبها، واستخراج عصائرها، وتكثيف عصارتها وتركيزها ليسهل شحنها وتصديرها، وإعادة تركيبها بإضافة المياه لمركزاتها إلى غير ذلك من فنون تصنيع الفواكه. أما اللحوم فيتم تجميدها كما هي كاملة، أو تقطيعها إلى شرائح وأوصال، أو تشفيتها باستخلاصها من العظام، أو فرمها وتحويلها لمنتجات الشطائر "البرجر"، أو التقديد "المورتديلا" أو النقانق وإضافة نكهات وبهارات إليها.
الحبوب أيضا خضعت للتصنيع بالتجفيف، والتقشير واستخراج النخالة منها واستخراج الخبز الأبيض من لب القمح مثلا وتصنيع الكعك ومختلف مستلزمات المخبوزات، وصناعة المشروبات منها.
حبوب القهوة السمراء التي غزت العالم بمختلف نكهاتها وأذواقها الممتعة وطرق تحضيرها وتصنيعها، ورفيقها الغيور الشاي لا يقل عنها خضوعا للتصنيع بمختلف النكهات أيضا.
الألبان ومشتقاتها من الأجبان والحليب السائل والمجفف والزبادي وغيرها توسعت في التصنيع وامتدت لصناعة الحلويات، وتكاد تشمل الصناعات الغذائية كل ما نتناوله اليوم من الأغذية بما في ذلك المياه التي أصبحت تعبأ وتنقل من كل مناطق العالم وتقدم في مناطق أخرى.
الصناعات الغذائية وإن ارتبطت في السابق بمناطق الوفرة الغذائية والدول التي لديها فائض من المنتجات إلا أنها لم تعد كذلك حاليا وأصبحت الدول التي تتوافر فيها أدوات وظروف التصنيع هي المؤهلة لريادة هذه الصناعة، فنجد مثلا اليابان وسنغافورة من الدول الرائدة في التصنيع الغذائي رغم أنهما لا تمتلكان موارد غذائية، بل يتم استيراد معظم مواد التصنيع وتصنيعها وإعادة تصديرها. كما نجد أن صناعة الشوكولاتة اشتهرت في سويسرا رغم أن الكاكاو يستورد من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، كما اشتهرت إيطاليا بالقهوة في الوقت الذي لا قهوة تنتج في إيطاليا والأمثلة على ذلك كثيرة. وبحسب إفادة المهندس السعودي يوسف بن عبدالله الدخيل رئيس الشركة السعودية - الأوروبية لتسويق التمور في هولندا، فإن هولندا تعد ثالث أكبر منتج زراعي بعد الصين والولايات المتحدة رغم أن مساحة الأراضي الزراعية في أمريكا تفوق هولندا 272 مرة، ولكن الهولنديين اتجهوا للزراعة واستيراد المنتجات الزراعية من الدول الإفريقية، حيث يتم نقل منتجاتهم إلى هولندا للتصنيع والتعبئة ومن ثم إعادة التصدير لبقية دول العالم، وهي مثلا تستورد الورد من السعودية للهدف نفسه رغم أنها من أكبر منتجي الورد في العالم واقتصاد هولندا قائم على الخدمات بنسبة 70 في المائة.
إن السعودية بحكم موقعها الجغرافي وتوافر البنية التحتية اللازمة للصناعات الغذائية وقربها من دول ذات وفرة غذائية رخيصة، خاصة في مواسمها الزراعية فإنها مؤهلة لأن تكون من الدول الرائدة في هذه الصناعة في الشرق الأوسط، كما توجد تجارب ناجحة في الدول المجاورة استطاعت بمنتجاتها الغذائية أن تغزو أسواق المملكة ذاتها، وهي دول لا تمتلك مقومات زراعية إنما هي صناعات غذائية تحويلية.
كما أن المملكة لديها أنظمة صارمة في الجودة الغذائية للمنتجات المحلية ما أكسبها ثقة المستهلك المحلي والأجنبي في المنتجات المصنعة في المملكة وهذا دافع أكبر في تبني صناعات غذائية أوسع واستهداف التصدير للدول العربية والإسلامية والأوروبية بحكم الموقع الجغرافي وقربها من القارة الأوروبية المشبعة بالمنتجات الشرق آسيوية البعيدة. إضافة إلى البعد الاقتصادي الإيجابي لهذه الصناعة على فائض المنتجات الزراعية المحلية الموسمية، ورغم أن عديدا من الصناعات الغذائية يمكن إنتاجها بكفاءة في المملكة إلا أن هناك فرصا تبدو ذات أولويات لاعتبارات خاصة مثل التوسع في صناعة وتصدير التمور بتصنيعها وفق متطلبات الأسواق المستهدفة، وليس شرطا فرض النمط السائد في مصانع التمور المحلية المكبوسة على السوق العالمية، وإنتاج وتعبئة الخضار بشكل عام، ومن حيث النوع مثل الفطر "المشروم"، وصناعة الآيس كريم والعصائر والمربيات والمخللات والصلصات، ودبس التمر.
ومن أبرز الصناعات الغذائية في السعودية، صناعة الألبان ومنتجاتها، العصائر والمشروبات، صناعة السكر وتكريره، صناعة الزيوت النباتية والحيوانية والدهون، الخضراوات والفواكه المعبأة، الخبز ومشتقاته، إنتاج وتصنيع اللحوم، الحلوى والسكاكر، والكاكاو والشوكولاتة. وبحسب المركز الوطني للمعلومات الصناعية يبلغ حجم الاستثمارات في صناعة المنتجات الغذائية في المملكة نحو 87 مليار ريال، وهو ما يشكل 8 في المائة من إجمالي الاستثمارات في القطاع الصناعي المحلي، وشكلت الصناعات الغذائية داعما أساسيا للأمن الغذائي في المملكة خلال جائحة كورونا.
وبلغ عدد مصانع الأغذية في المملكة حتى الربع الأول من 2021، نحو 1121 مصنعا، في حين شهد النشاط نموا بنسبة 9 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري 2021 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتشكل مصانع المنتجات الغذائية في السعودية ما نسبته 11 في المائة من إجمالي عدد المصانع في المملكة وتسهم في توفير أكثر من 82 ألف وظيفة.