التجارة الإلكترونية تحرك الأسواق العالمية
لا شك أن جائحة كورونا ألحقت أضرارا كبيرة بالأسواق المحلية والعالمية، ونتيجة للجائحة فقد تعرضت الأسواق في كل دول العالم لموجات من الكساد، وتراجع ملحوظ في النشاط الاقتصادي، ولكن عقب انحسار جائحة كورونا تحركت الأسواق من خلال التجارة الإلكترونية التي صاحبها دخول مجموعة كبيرة من رواد الأعمال الجدد، ولذلك فإن اقتصاد ما بعد كورونا سيختلف عن اقتصاد ما قبل كورونا.
ومن حسن الطالع أن المملكة أصدرت في 2019 نظام التجارة الإلكترونية الجديد، وينص النظام على أن التجارة الإلكترونية نشاط ذو طابع اقتصادي ورقمي يتكون من موفر الخدمة والمستهلك بصورة كلية أو جزئية، بوسيلة إلكترونية، من أجل بيع منتجات، أو تقديم خدمات، أو الإعلان عنها، أو تبادل البيانات الخاصة بها. وفي ضوء هذا المفهوم عن التجارة الإلكترونية فإن النظام يوفر للتاجر الفرصة لإخراج السجل التجاري عبر منصاتهم الإلكترونية، حيث أصبح للسجل التجاري كودا إلكترونيا يمكن السجل من قراءة واستعراض بيانات السجل التجاري بشكل لحظي ومباشر، إضافة إلى الاطلاع على معلومات شاملة عن المتجر مكان الفحص والبحث مثل بيانات السعودة والتوطين، ورخصة البلدية، وشهادة الزكاة وعضوية الغرفة التجارية، والرخص ذات العلاقة من جهاتها المسؤولة.
وأطلق مجلس التجارة الإلكترونية منصة توثيق المتاجر الإلكترونية "معروف" بحلتها الجديدة التي تمكن المستثمرين ورواد الأعمال من إصدار السجل التجاري الإلكتروني من خلال منصة التوثيق بخطوة واحدة، وكذلك معالجة بلاغات المتسوق الإلكتروني مباشرة، كذلك يتمكن المتسوق من الاطلاع على تقييم المتجر الإلكتروني، والاطلاع على سياسات الاستبدال والاسترجاع، ومعرفة آراء المستفيدين من المتجر، كذلك فإن منصة التوثيق "معروف" توفر للمستهلكين الإبلاغ عن المتاجر الإلكترونية المسجلة عبر منصات التوثيق، إضافة إلى تمكين أصحاب المتاجر الإلكترونية من مباشرة بلاغات المستهلكين والعمل على معالجتها بطريقة سهلة وميسورة. ولا شك أن كل هذه الإمكانات الإلكترونية التي توفرها مناخات التجارة الإلكترونية تدعم مسيرة الرقمنة التي تسعى إلى تحقيقها وتعميمها رؤية السعودية 2030.
وإضافة إلى ذلك، فإن نظام التجارة الإلكترونية يهدف إلى تعزيز موثوقية التعاملات التجارية، وتحفيز أنشطة التجارة الإلكترونية وتطويرها، وحماية جميع أطراف العلاقة التجارية من الغش، أو الخداع أو التضليل وحفظ جميع الحقوق، وتسهيل كافة الإجراءات حتى تمضي عملية التجارة الإلكترونية في مساراتها الصحيحة دون معوقات أو تدليس. أيضا يضطلع نظام التجارة الإلكترونية بتسييل العلاقة بين المتسوقين، والمتاجر الإلكترونية، ويمكن كل الأطراف في سوق التجارة من ممارسة النشاط وتقديم السلع والخدمات للمستهلكين وفق الضوابط النظامية الحاكمة، كما يلزم النظام موفري الخدمات بالإفصاح عن مضامين بياناتهم التجارية، وبيانات السلع والخدمات المقدمة للمستهلكين، ومراعاة الشروط الواجب مراعاتها أثناء إبرام العقود التجارية الإلكترونية حتى تضمن حقوق جميع أطراف العملية الشرائية، كما يحمي نظام التجارة الإلكترونية البيانات الشخصية للمستهلك، وينظم حق المستهلك في استرجاع السلع، ويعالج التأخير في تسليم المنتجات والخدمات، كذلك ينظم سوق الإعلان التجاري الإلكتروني، ويكثف الرقابة عليها لمنع التحايل والخداع، ويعزز النظام أيضا دور جهات توثيق المتاجر والمنصات الرقمية التي تؤدي دور الوساطة بين موفر الخدمة والمتسوق الإلكتروني.
ونلاحظ في العموم أن النظام الإلكتروني يوفر الأنظمة الرقمية في كل محطات العملية التجارية حتى تتناغم كل العمليات التجارية مع المناخ الرقمي العام للسوق التجارية. والرائع أن المملكة تحتل المرتبة الثالثة عالميا في نمو الاقتصاد الرقمي، وهي من أقوى الدول في الاقتصاد الرقمي، وهذا من شأنه أن يدعم وينعش عمليات التجارة الإلكترونية، بل إن المملكة تقدمت عالميا في سرعة الإنترنت، وأصبحت من دول الصدارة، مع الحرص على تحقيق التطورات التقنية والاقتصادية دون تأثيرات سلبية في المجتمع الذي يعيش التغيرات بسلاسة ودون أضرار تذكر.
إن المملكة لم تعد تتسابق وتتنافس على المستوى الإقليمي فحسب، بل تراهن على السباق في المضمار العالمي، وتسعى دوما إلى تحقيق مراكز متقدمة لتكون جنبا إلى جنب مع الدول الكبرى، ولذلك نتوقع مزيدا من الانتشار في ممارسة التجارة الإلكترونية، بشكل يجعل كل سعودي يفتخر بمستوى توظيف التقنية واستخدامها في جميع مفاصل التنمية، وهو ما تستهدفه رؤية السعودية 2030 التي تراهن على نشر التقنية في جميع مفاصل الاقتصاد الوطني، وتحقيق أعلى معدلات الإنتاج من خلال تطبيق مبادئ تقنية المعلومات وصولا إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الركون إلى المصدر الأوحد للدخل، ولا سيما أن مجالات التقنية أضحت من المقومات الأساسية لقياس مستوى ما بلغته الدول من تقدم ونمو. وإذا أمعنا النظر في الدور الذي قامت به التجارة الإلكترونية لإعادة الحيوية والنشاط إلى الأسواق التجارية عقب فاجعة كورونا، فإن التجارة الإلكترونية لعبت دورا بالغ الأهمية في إنقاذ الاقتصاد العالمي من كارثة اقتصادية مثل كارثة 2008.
وباختصار نستطيع القول، إن التجارة الإلكترونية بالفعل أسهمت في دعم تعاملات جديدة لنمو إنقاذ حقيقي للاقتصاد العالمي خلال فترة زمنية وجيزة وبمعدلات سريعة ولافتة للنظر، وانتشر كثير من الشركات ذات العلاقة بنشاطات هذا النوع من التجارة وتعددت جوانبها، ولن يقف دور التجارة الإلكترونية عند هذه الحدود، بل ستقوم بأدوار متعددة لتنشيط وإصلاح الاقتصاد العالمي.