الابتكار النوعي والمستقبل الدفاعي
أصبح عالم الابتكار النوعي حقيقة واقعة بل هو النموذج الجديد للتطوير الدفاعي الذي يعتمد على التقنيات فائقة الجودة والمتكاملة مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأصبحت التقنيات الرقمية والإلكترونية من القدرات الدفاعية التي يجب امتلاكها والاستثمار فيها بشكل كبير، وقد تطرقت في مقالات سابقة إلى أهمية ذلك، وتم استعراض عديد من الأمثلة لكيفية تحقيق الاستثمار في الابتكار، وحرصت على عرض بعض التجارب للدول المتقدمة في الابتكار النوعي وكيف حققت الأسبقية في هذا المجال.
إن مجال التقنيات والابتكارات الدفاعية والأمنية والمدنية يتطور بشكل سريع، حيث أصبحنا نرى كثيرا من الأنظمة عموما كأنظمة حماية الحدود، والأمن الإلكتروني، والأنظمة الجوية والأرضية والبحرية، وأنظمة الصواريخ وأنظمة الدفاع المتكاملة التي تعتمد في تطويرها على البحث والتطوير والابتكار. كما يشترك كثير من هذه الأنظمة في تطويرها على نوعية الابتكارات النوعية، التي تتكامل مع بعضها بعضا عند استخدامها في تحقيق الهدف الذي تم تصميمها لأجله، منها على سبيل المثال الرادارات بشتى أنواعها، واستخداماتها وأنظمة الحرب الإلكترونية والكاميرات بعيدة ومتوسطة وقريبة المدى باختلاف تصاميمها، والحساسات Sensors بشتى أنواعها، كما يعد الذكاء الاصطناعي وتقنيات البيانات الضخمة في الوقت الحالي المحرك الرئيس لكثير من هذه التقنيات مثل الروبوتات، وإنترنت الأشياء، وطائرات الدرون خاصة، والطائرات دون طيار عموما، وغيرها. حيث يشير كثير من المؤشرات المختلفة إلى أن مستقبل الابتكارات النوعية على مستوى العالم كبير وأن الاعتماد عليها سيتزايد بشكل أكبر، ما سيؤدي إلى السيطرة بشكل ملحوظ على جميع الأصعدة والمجالات الاقتصادية منها والثقافية والاجتماعية والدفاعية، فالمتصفح لموقع المنظمة العالمية للملكية الفكرية ويبو WIPO سيجد أن هناك عديدا من الدراسات حول هذا السياق ومن أهمها في نظري تلك الدراسة لأندرو إنج الأستاذ المساعد في جامعة ستانفورد حول الاتجاهات الحالية للتقنيات والتكنولوجيا الحديثة، وأنها ستعتمد بشكل كبير على الابتكارات النوعية ومنها بشكل لافت للنظر تقنيات الذكاء الاصطناعي.
من وجهة نظري كباحث ومطور في هذا المجال وفي ظل التحول الرقمي Digital Transformation السريع والتقدم التكنولوجي، فإن مستقبل التطوير الدفاعي والأمني سيعتمد على مجالات تطبيق التقنيات الرقمية المتطورة، حيث سيكون التحول الرقمي المبني على الابتكارات النوعية وتصنيعها وتقنيات الجيل الخامس في الاتصالات التحدي الكبير بين الدول الذي سيكمن في كيفية بناء مخطط عام وشامل لذلك، ويمكننا تسميته بخريطة الطريق Road Map ويتم من خلاله وضع السياسات والتشريعات لها، خصوصا مع ضرورة وجود العملية التكاملية بين أضلع مثلث الابتكار النوعي كما ذكرت سابقا وهي الجهات التعليمية والبحثية والهيئات التشريعية، كما أؤكد استمرارية الشراكات الدولية النوعية المميزة في البحث والتطوير والابتكار والتصنيع، حيث إن ذلك سيوفر كثيرا من الجهد والتكلفة والوقت والدور الكبير في تحقيق الاستدامة والأسبقية معا.
كما أننا بحاجة ضرورية إلى رفع مستوى الوعي والتركيز في الفرص النوعية، حيث تواكب التحديات التي يفرضها الواقع وتبنى عليها منهجيات شاملة وواضحة واستشعار أهمية نشر فكر الابتكارات النوعية على كل المستويات، وقد يكون ذلك من خلال المراكز البحثية والتعليمية والهيئات المعنية. كما يتطلب الأمر إيجاد مسارات ومناهج وورش تعليمية وتدريبية، خصوصا تلك المتعلقة بالمهارات الابتكارية والإبداعية، حيث يتم وضع مسارات للابتكار في جميع مراحل التعليم العام والبدء في بناء مهارات قوية في إدارة البيانات وعلم البرمجيات على سبيل المثال لغات: Python, Prolog, AIML وغيرها وأساسيات الخوارزميات.
وكما ذكرت سابقا، فإن مستقبل التطوير الدفاعي في الاعتماد على الابتكارات النوعية، التي تتمثل وتعتمد في وقتنا الحاضر على تقنيات الصناعة الرابعة وأنظمة الطائرات دون طيار، والدرونز والحساسات الإلكترونية المتقدمة، وأنظمة الأقمار الصناعية ودورها الحساس في المنظومة الدفاعية وتطورها، حيث سيتم التحدث عن هذه الابتكارات التقنية النوعية بشكل مفصل، كل على حدة في مقالات مقبلة بإذن الله.