تحفيز التعاملات الحكومية الإلكترونية
تتطلع الدول إلى تقديم ما يُمكن من التعاملات والخدمات الحكومية إلكترونياً عبر الإنترنت. ولا تقتصر الغاية من ذلك على تطوير الأداء الحكومي فقط، بل تتضمن أيضاً أداء المُجتمع بأسره، بما يشمل أداء أبناء المُجتمع ومُؤسساته الخاصة، إلى جانب أداء الإدارات الحكومية. فتنفيذ الخدمات الحكومية إلكترونياً يُوفر الزمن الذي هو عصب الحياة، ويحد من التنقل، ويُقلل التكاليف، ويُعطي شفافية للتعاملات يستفيد منها الجميع، إضافة إلى فوائد أخرى عديدة.
وبالطبع تختلف الفوائد باختلاف طبيعة التعاملات ومُتطلباتها، وكذلك باختلاف إمكانات المواقع الحكومية التي تُقدم هذه التعاملات. وهناك توجهات في شتى أنحاء العالم نحو تطوير التعاملات الحكومية الإلكترونية والاستفادة من تقنيات المعلومات والاتصالات وتطورها المتواصل على أفضل وجه مُمكن. ولعل القارئ الكريم يذكر ما طرحناه في مقالات سابقة من اهتمام أهداف الألفية التي أصدرها مُؤتمر الأمم المُتحدة، على مستوى القمة، عام 2000م، بضرورة الاستفادة من تقنيات المعلومات على أفضل وجه مُمكن في تحسين الأداء في شتى مجالات التطوير التي يحتاجها العالم.
وفي سبيل تحفيز عملية تطوير أداء التعاملات الحكومية إلكترونياً، تعمل الدول على مستواها الفردي، وعلى مستوى مجموعات منها، على إجراء المُسابقات وإقامة المُنافسات التي تُبرز المتفوقين وتحثهم على استمرار التفوق، وتشجع الآخرين وتدفعهم إلى المنافسة وبذل مزيد من الجهد. ومن أبرز هذه المسابقات على المستوى الدولي ما تقوم به الدول الأوروبية، وما بدأت بالقيام به دول مجلس التعاون على مستواها الفردي وعلى مستوى دول المجلس. وكما تُطالعنا الصحف حالياً، تقوم مملكة البحرين بمسابقة لـ"جائزة تميز" في مجال الحكومة الإلكترونية. ولا تقتصر هذه المُسابقة على مواقع التعاملات والخدمات الحكومية الإلكترونية في البحرين فقط، بل تشمل المواقع الحكومية في مُختلف دول مجلس التعاون.
وفي سبيل إلقاء الضوء على كيفية تقييم المواقع الحكومية وتحديد الإمكانات والفوائد التي تُؤهلها للمنافسة والفوز، سوف نستعرض فيما يلي عناصر التقييم الرئيسة التي تستخدمها الدول الأوروبية. وتتضمن هذه العناصر ستة محاور رئيسة تطرح القضايا التالية: أهمية الخدمات المُقدمة ومدى إسهامها في تحقيق أهداف خطط التنمية الوطنية؛ ثُم أثر وفوائد تقديم هذه الخدمات لقطاع المستفيدين منها؛ ويُضاف إلى ذلك مستوى الابتكار في طرح إجراءات الخدمات على أفضل وجه مُمكن؛ ثُم الدروس المُستفادة التي يستطيع الآخرون تعلمها من هذه الخدمات لتطوير إمكاناتهم في الخدمات التي يعملون على تقديمها؛ ويلي ذلك أسلوب الإدارة المُتبع؛ إضافة إلى وجود خطة لنشر الخدمات المعطاة وتعميم الاستفادة منها على أوسع نطاق مُمكن.
ويبرز "أسلوب الإدارة" كعامل رئيس بين محاور التقييم الستة سابقة الذكر. فعلى هذا الأسلوب أن يهتم بإدارة جميع القضايا التي تهم مُقدم الخدمة من جهة والمستفيد منها من جهة أخرى. وتشمل هذه القضايا: إدارة التقنيات المُستخدمة وصيانتها؛ وإدارة المعلومات والإجراءات؛ وإدارة الموارد البشرية؛ وإدارة المخاطر؛ وتحديد الأولويات؛ وإدارة التوافق مع خطط وسياسات تقديم الخدمة؛ وإدارة التطور والتغيير؛ إضافة إلى قضايا إدارية أخرى مُختلفة ينبغي أخذها في الاعتبار.
لا شك أن استخدام أسلوب المسابقات والمنافسة في تحفيز التعاملات الحكومية الإلكترونية وتوسيعها كماً وتطويرها نوعاً يعود بالنفع على أداء المُجتمع بأفراده ومُؤسساته الحكومية والخاصة. لكن هذا الأسلوب غير كاف بحد ذاته لتحقيق التطوير المتواصل المنشود. والمُقترح في هذا المجال هو جلب جميع الأطراف ذات العلاقة في إطار معارض للمواقع الحكومية الإلكترونية تشمل محاضرات وندوات يجتمع فيها في وقت واحد طرفا الخدمة المُقدم والمستفيد، ويجتمع معهم فيها أيضاً مُتخصصون وباحثون في مجالات التعاملات والخدمات على الإنترنت. فبمثل ذلك تتحقق الشراكة المعرفية بشكل أفضل، وتكون آفاق التطوير أفضل، والفائدة بإذن الله للجميع.