تضخم أسعار العقار .. أين المشكلة؟
لتحليل مشكلة ارتفاع أسعار العقار السكني توجد ثلاثة جوانب رئيسة في موضوع العقار والإسكان. الجانب الأول، هو جانب الطلب العقاري وأهم عنصر فيه هم الأفراد، خصوصا أصحاب المسكن الأول First-Time Homebuyers. في الجهة المقابلة هناك جانب العرض العقاري، وأهم عناصره قطاع التطوير العقاري وقطاع الأراضي. وأخيرا جانب "السوق نفسه" وهو أهم هذه الجوانب الرئيسة، وأهم عناصره التشريعات والمؤشرات العقارية. وفيه يتم عرض الوحدات السكنية فيلتقي الطلب بالعرض العقاري.
كثير من الطروحات التي حاولت تفكيك مشكلة الإسكان لم يتناول بعد موضوعات "ضعف التشريعات والمؤشرات العقارية في جانب السوق نفسها". ومع الأسف أنه لا يمكن دونها معالجة مشكلة الإسكان، ولا المحافظة على المكتسبات والمنجزات التي تحققت في جانبي الطلب والعرض العقاري خلال الأعوام القليلة الماضية.
ولتبسيط الفكرة لنفترض أن هناك "سوقا بسيطة" وهي مقصف مدرسي يذهب إليه طلاب المدرسة لشراء المنتجات "وجبة الإفطار" التي يعرضها البائع. وأهم جوانب هذه السوق جانب الطلب الذي يمثله طلاب المدرسة، جانب العرض الذي يمثله البائع. وأخيرا وأهمها جانب السوق نفسها الذي يمثله مقصف المدرسة والتشريعات التي تنظمه.
لو افترضنا وجود مشكلة وتزاحم أمام شباك هذا المقصف المدرسي، وأن هناك من طلاب المدرسة من يستغل ضعف التشريعات والقوانين ويزاحم صاحب الوجبة الأولى ليشتري الوجبتين الثانية والثالثة وقد يبيعها أمام المقصف بسعر أعلى قبل انتهاء الفسحة المدرسية على طلاب لم يتمكنوا بعد من الحصول على وجبة الإفطار الأولى. هنا لو قررت إدارة المدرسة حل هذه المشكلة بزيادة عدد وجبات الإفطار "المنتجات" وضخ "تمويل" لطلاب المدرسة بمبالغ كبيرة فلن يتم حل هذه مشكلة، وستنتهي الفسحة المدرسية وهناك من الطلاب من لم يحصل على وجبة الإفطار الأولى.
هذا بالضبط ما يحصل في مشكلة الإسكان وارتفاع أسعار العقار. هناك من يزاحم طالب المسكن الأول ويسبقه في التقاط الوحدات السكنية الجاهزة لأغراض المضاربة والاستثمار وليس للعيش في بيت جميل يستهلكه ليشبع حاجة إنسانية كباقي السلع الضرورية الأخرى. فالمضارب يزاحم صاحب المسكن الأول ليبيع عليه مرة أخرى بسعر أعلى. وأيضا المستثمر يسابق صاحب المسكن الأول ليشتري ويؤجر عليه مباشرة، فيلتقط وحدة سكنية أخذت وقتا طويلا لتطويرها وإعدادها للبيع فيحولها إلى سوق الإيجار وقد يستغل معها الدعم السكني بطرق غير مشروعة.
أيضا من جهة أخرى، ضعف التشريعات في سوق الإيجار يدفع كثيرا من المستأجرين بالقوة إلى المزاحمة ورفع الأسعار في هذه السوق الساخنة للبحث عن هذا الاستقرار المنشود الذي لم يجده في سوق الإيجار. لماذا يسمح اليوم للمؤجر باستخدام السند التنفيذي في عقد الإيجار الموحد وفي الوقت نفسه يشترط سداد إيجار العام كاملا بدفعة حالية واحدة. أيضا لماذا يسمح للمؤجر باستخدام هذا السند التنفيذي وفي الوقت نفسه يشترط عاما واحدا فقط كمدة لانتهاء العقد، ليعزز المؤجر قوته التفاوضية بقوة السند التنفيذي وقد يستغلها بفرض شروط جديدة على المستأجر وتغيرها عند تجديد العقد.
لذلك لا يمكن هنا الاكتفاء بقانون الطلب والعرض الذي لن يعمل بالشكل المطلوب في إيجاد السعر السوقي عند التوازن إذا كانت السوق نفسها غير قادرة على استيعاب هذه القوى وحمايتها من الممارسات الاحتكارية والمضاربية. بمعنى أنه لا يمكن التركيز على الحلول التي تخص جانبي الطلب والعرض العقاري التي قد تأخذ أعواما طويلة حتى تتحقق، ونتجاهل الحلول السريعة والمهمة في جانب السوق نفسها وأقصد هنا التشريعات والمؤشرات العقارية التي تضمن التنظيم والشفافية في السوق. وهي من الأهداف الاستراتيجية الأولى التي تخدم الركائز التي تقوم عليها الاستراتيجية الشاملة للقطاع العقاري من حوكمة وتمكين القطاع العقاري لتحقيق رؤية المملكة 2030 في القطاع العقاري.
أخيرا، أعتقد أن حل مشكلة الإسكان في حوكمة القطاع العقاري من قبل الهيئة العامة للعقار، بحكم إشرافها على الأنظمة والتشريعات التي تنظم السوق العقارية، وأن ضعف التشريعات ومشكلة التخصيص في السوق من أهم أسباب أزمة السكن، وأن الطلب والعرض السكني في أفضل حالاته، لذلك أعتقد أن وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لن تستطيع وحدها أن تحل مشكلة الإسكان ببناء ملايين الوحدات السكنية، أو بتطبيق جميع مراحل رسوم الأراضي في جانب العرض العقاري، أو حتى برفع حجم التمويل العقاري إلى مليارات الريالات في جانب الطلب العقاري. بل ستتحول هذه الوحدات السكنية إلى أصول مضاربية متضخمة أو عقارات فارغة معطلة لا يستفيد منها صاحب المسكن الأول، كما هو حاصل الآن في العقارات الخالية في مدن الأشباح في الصين.
###---###
#summary
هناك من يزاحم طالب المسكن الأول ويسبقه في التقاط الوحدات السكنية الجاهزة لأغراض المضاربة والاستثمار وليس للعيش في بيت جميل يستهلكه ليشبع حاجة إنسانية كباقي السلع الضرورية الأخرى. فالمضارب يزاحم صاحب المسكن الأول ليبيع عليه مرة أخرى بسعر أعلى. وأيضا المستثمر يسابق صاحب المسكن الأول ليشتري ويؤجر عليه مباشرة، فيلتقط وحدة سكنية أخذت وقتا طويلا لتطويرها وإعدادها للبيع فيحولها إلى سوق الإيجار وقد يستغل معها الدعم السكني بطرق غير مشروعة.