"فيات" الإيطالية تحقق الاستفادة القصوى من الأزمة وتفاوض "جنرال موتورز"

"فيات" الإيطالية تحقق الاستفادة القصوى من الأزمة وتفاوض "جنرال موتورز"

جاء إعلان إفلاس "كرايسلر" قبل عدة أيام متوقعا, وحسب الفصل الحادي عشر الذي يشكل حماية لشركة كرايسلر من الدائنين الحاليين، تستطيع الشركة الاستمرار في عملها المعتاد، في الوقت الذي تتفاوض فيه حول ديونها والتزاماتها. وتأمل الحكومة الأمريكية أن تنتهي من إجراءات إعلان الإفلاس خلال شهر أو شهرين.
وفي حال نجحت "كرايسلر" في الخروج من حالة الإفلاس فإنها تستطيع المباشرة في عملية شراكة عالمية مع مجموعة فيات الإيطالية، وبدلا من النقد فإن "فيات" ستطور ما قيمته مليارات الدولارات على شكل أبحاث واستثمارات متعلقة بالأبحاث والتطوير، وتقدر قيمتها بما نسبته 35 في المائة من "كرايسلر" الجديدة. لكن كثيرا من الخبراء لا يتوقع أن تمر الأمور من حيث إجراءات الإفلاس والانتهاء منها بمثل هذه السهولة.
وجاءت إجراءات تخفيض التكاليف التي قامت بها الإدارة الجديدة على حساب قسم الأبحاث والتطوير وقسم تطوير المنتجات، لتجعل من "كرايسلر" تمتلك تشكيلة وأنواعا أقل من السيارات.
وكانت إدارة الرئيس أوباما قد اشترطت على "كرايسلر" أن تتعهد بالشراكة مع "فيات" الإيطالية كشرط للحصول على المساعدات المادية الحكومية، ولم يكن أمام إدارة "كرايسلر" إلا الخضوع لهذه المطالب، نظرا لوضعها الصعب.
وبالنسبة لـ "فيات" فإنها ستحصل على نسبة 35 في المائة من "كرايسلر" دون أن تدفع أي مبالغ، وستسهم بأبحاثها وتصاميمها التي وضعتها في موقع متميز على مستوى سياراتها المستقبلية، وكانت قد خرجت من السوق الأمريكية قبل عدة عقود. وبالتأكيد فإن الشراكة مع "كرايسلر" ستتيح لها الحصول على عوائد مهمة من السوق الأمريكية العملاقة، لكن مع التأكيد أن الأساس هو إنقاذ وإنجاح الإنتاج في مصانع "كرايسلر" في أمريكا وكندا.

ترقب في "جنرال موتورز"
إن نتائج إعلان إفلاس "كرايسلر" وما ستسفر عنه في المدى القريب سيكون له دور كبير في تحديد مصير "جنرال موتورز" ومعها مصير صناعة السيارات الأمريكية. وإذا سارت العملية كما خططت وترغب فيه الحكومة الأمريكية وإدارة "كرايسلر"، فإنه بالتأكيد سينظر لهذه العملية بمثابة اختبار مفيد تتم الاستفادة منه في معالجة وضع "جنرال موتورز" التي لديها مهلة حتى نهاية الشهر الحالي لوضع خطة جيدة قابلة للنجاح دون اللجوء لإعلان الإفلاس حسب الفصل الحادي عشر. وإذا ما فشلت في إقناع الدائنين بحل يضمن لهم التملك مقابل ديونهم، كما حدث مع "كرايسلر"، فإنه لن يكون أمامها سوى إعلان الإفلاس حسب الفصل الحادي عشر.

وصرح فريتز هندرسون رئيس "جنرال موتورز" بأن جميع ما يمكن من إجراءات لوقف انحدارها تم اتخاذها، بما فيها طلب معونات حكومية من الولايات المتحدة وكندا والحكومات الأوروبية وبشكل خاص ألمانيا، حيث إنها لا تستطيع تحمل مزيد من الانحدار والخسائر في السوق الأوروبية التي تواجه فيها مشكلات كبيرة.

"فيات" تريد الاستحواذ على "أوبل"
وبطريقة "كرايسلر" نفسها بدأت مجموعة فيات الإيطالية تركيز خطتها للاستحواذ على أعمال شركة جنرال موتورز الأمريكية في أوروبا وخصوصاً "أوبل".
وتتعرض "جنرال موتورز" لضغوط تدفعها لبيع أعمالها الأوروبية في إطار خطة إعادة هيكلة للشركة، وتضم أعمال "جنرال موتورز" الأوروبية أيضاً مصانع سيارات "ساب"، إلا أن الأخيرة قد لا تكون جزءا من مفاوضات البيع لأنها يجري إعادة هيكلتها طبقا للقانون السويدي، وتحاول "فيات" أيضا الاستحواذ على بعض من أعمال شركة كرايسلر الأمريكية للسيارات بعدما أعلنت الأخيرة إفلاسها.
وأكد رئيس مجموعة فيات الإيطالية أثناء لقائه وزير الاقتصاد الألماني، أن شركته تسعى إلى الاستحواذ على "أوبل" لكن دون أن تتكبد ديونا مع الوعد بأن تبقى مصانع "أوبل" في ألمانيا كما هي.
من ناحيته أكد جوتنبرج وزير الاقتصاد الألماني أن أي صفقة ستحتاج إلى تمويل قصير المدى من قبل الشركة الإيطالية بنحو خمسة إلى سبعة مليارات يورو، ويجري ماركيوني محادثات كذلك مع رئيس مجلس عمال "أوبل" لتقييم إمكانية التوصل إلى صفقة، إلا أن أرمن شيلد المسؤول في نقابة العمال الألمانية، وعضو مجلس مراقبة "أوبل"، أبدى شكوكا حول إمكانية أن تكون "فيات" المستثمر المناسب.
وكانت "أوبل" قد أعلنت أنها في حاجة إلى 3.3 مليار يورو لمواجهة الأزمة الاقتصادية إلا أن الحكومة الألمانية طلبت منها البحث عن مستثمر. يذكر أن "أوبل" تحتل الريادة في مبيعات السيارات في أوروبا حيث كان طرازها الجديد انسجينيا قد حقق أعلى مبيعات في بريطانيا، إضافة إلى أن الطراز ذاته يعد الأكثر مبيعاً في فئته على مستوى أوروبا ويشهد طلباً متزايداً.
ونظرا لما تشكله الأزمة من مخاطر على صعيد البطالة وتراجع الإيرادات والصادرات، فإن تدخلا سياسيا أصبح مطلوبا من الإدارة الأمريكية لتقوم بعدة إجراءات للمساهمة في الإنقاذ، ومن الإجراءات المقترحة توفير قروض للأفراد لشراء سيارات جديدة، حوافز لشراء السيارات الأمريكية، وزيادة التعرفة الضريبية على السيارات المستوردة وقطع غيارها، ونظرا لارتفاع معدلات البطالة في القطاعات الأخرى فإن الحكومة يجب أن تتجنب أية هزات يثيرها إعلان إفلاس غير منظم ومدروس.
على صعيد الدول والمصانع العالمية الأخرى، فإن تداعيات الأزمة لا تزال تتداعى، فمثلا في روسيا قامت معظم المصانع بتخفيض إنتاجها بشكل كبير، بما فيها مصانع "تويوتا" في روسيا، وتحاول المصانع المحلية تقديم تسهيلات لفترات طويلة لتشجيع الشراء.
وتتخذ الصين التي أصبحت تتصدر مبيعات السيارات عالميا، إجراءات مهمة بما فيها الإيعاز بتقليل عدد الطرز الهائل والاندماج مع الصانع الأكبر حجما مثل "دونج فنج" و"فاو".
والأيام الحالية تشهد تسارعا كبيرا للأحداث في أزمة هي الأسوأ على الإطلاق، خصوصا أن الانحدار لا يزال متواصلا في جميع المصانع العملاقة وما له من تأثيرات اقتصادية في جميع الفئات بما فيها المواطن العادي وصولا إلى اقتصاد الدول، ومما لا شك فيه أن العالم سيصحو على واقع جديد من حيث تصدر شركات جديدة لترتيب الإنتاج والمبيعات، وأيضا على مستوى الدول الأكثر تفوقا على المستوى الاقتصادي التي ستتراجع لتفسح المجال لقوى جديدة صاعدة لتتصدر الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة