بعد الأزمة العالمية.. كيف نعالج القضايا السلبية التي تؤثر في التزام المصارف الإسلامية بمبادئ بازل؟

بعد الأزمة العالمية.. كيف نعالج القضايا السلبية التي تؤثر في التزام المصارف الإسلامية بمبادئ بازل؟

الالتزام بمبادئ بازل 2 هو الطريقة المثلى لفرض تغييرات كبيرة ضمن البنوك من قبل الأجهزة التنظيمية المحلية. لا بد أن تكون هناك استشارات للتعامل مع القضايا التي ربما يكون لها أثر سلبي في البنوك الإسلامية.

في كانون الأول (ديسمبر) 2005 انتهى مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSBمن إعداد الخطوط الإرشادية الخاصة بمبادئ بازل 2، وكان هدفه هو معالجة الهياكل المحددة الخاصة للمنتجات المالية الإسلامية التي لم يرد لها ذكر صريح في الخطوط الإرشادية لبازل 2، وذلك في سبيل توحيد معايير المنهج الرامي إلى التعرف على مواطن المخاطر وقياسها في الخدمات المالية الإسلامية، وفي تحديد الأوزان النسبية للمخاطر التي تفي بالمعايير الحصيفة المقبولة على المستوى الدولي.
تقوم الخطوط الإرشادية التي أعدها مجلس الخدمات المالية الإسلامية على المبادئ التي أعدتها لجنة بازل، مع إدخال تعديلات على بعض البنوك وتكييف بنود أخرى لمراعاة السمات الخاصة بالمنتجات والخدمات المالية الإسلامية. تختلف البنوك الإسلامية عن البنوك التقليدية من حيث تعرضها للمخاطر السوقية (إلى جانب المخاطر الائتمانية) في قيودها الدفترية المصرفية، ويتوقف ذلك على طبيعة المنتج الإسلامي والمرحلة التي وصل إليها العقد.
تتناول الخطوط الإرشادية الأدوات المالية الإسلامية القائمة على الموجودات (عقود المرابحة وبيع السلم والاستصناع والإجارة)، والأدوات الإسلامية التي تقوم على اقتسام الأرباح (أي عقود المشاركة والمضاربة)، والصكوك والمحافظ والصناديق الاستثمارية.
هناك عدد من الفروق بين الإرشادات التي أصدرتها لجنة بازل والخطوط الإرشادية التي أصدرها مجلس الخدمات المالية الإسلامية، لعل أهمها بعض الفروق الأساسية التي يمكن أن تؤثر في كثافة رأس المال في التعامل أو الأدوات المالية أو التي تنطوي على جوانب سلبية من الناحية التنافسية للبنوك الإسلامية:-

- مكونات رأس المال التي تفرضها الأنظمة.
- إطار توحيد البيانات والحسم.
- مناهج متطورة لحسابات الموجودات من حيث الأوزان النسبية للمخاطر.
- معالجة تعاملات الأسهم في القيود البنكية.

المكونات
الخطوط الإرشادية من مجلس الخدمات المالية الإسلامية لا تفصل بشكل واضح مكونات الطبقة الأولى والطبقة الثانية من رأس المال. حيث يسمح للبنوك التقليدية بإدخال السندات والأوراق المالية الثانوية في الطبقة الثانية من رأس المال.
من الواضح أن البنوك الإسلامية لا تصدر سندات ثانوية ملتزمة بالأحكام الشرعية، لكنها غالباً ما تصدر صكوكاً تكون مهيكلة على شكل برنامج صكوك ثانوي. لم تبين الخطوط الإرشادية للمجلس ما إذا كان من المسموح به إدراج هذه الأوراق المالية ضمن الطبقة الثانية من رأسمال البنك المصدر للأوراق.
بالنسبة للبنوك التقليدية يعتبر إصدار الأوراق المالية الثانوية مصدراً لا يستهان به لجمع الأموال ضمن الأسواق الدولية. وفي حالة عدم اعتراف الأجهزة التنظيمية المحلية بالأوراق المالية الثانوية ضمن الطبقة الثانية من رأسمال البنوك الإسلامية الواقعة في منطقة اختصاصها، فإن البنوك التي من هذا القبيل يمكن أن تواجه مشكلات في محاولتها لجمع رأسمال إضافي.

توحيد البيانات
لم تُفَصل الخطوط الإرشادية من المجلس القواعد التي يجب تطبيقها بالنسبة لتوحيد البيانات والحسم. بالتالي فإن الأجهزة التنظيمية ستطبق في العادة مبادئ لجنة بازل حول مبالغ الحسم في استثمارات الأسهم على البنوك الإسلامية. استثمارات الأسهم في البنوك والمؤسسات المالية والتجارية وشركات التأمين، والتي تتجاوز المعدلات التي قررتها لجنة بازل، تخضع للحسم من رأس المال. هذه الحسميات من رأس المال يمكن أن يكون لها أثر كبير في مقدار رأس المال الذي تفرضه الأجهزة التنظيمية، وبالتالي في كفاءة مخصصاتها الرأسمالية بموجب نظام بازل 2.
في هذا المقام ينشأ موضوع مهم ستواجهه البنوك الإسلامية التي هي شركات تابعة للبنوك التقليدية، وأعني به حساب نسبة الكفاءة الرأسمالية للبنك التقليدي ضمن الحسابات المالية الموحدة. في الأحوال العادية تحسب البنوك التقليدية هذه النسبة استناداً إلى الخطوط الإرشادية لمبادئ بازل. لكن هذه المبادئ لا تحتسب معالجة المنتجات التي تصدرها البنوك الإسلامية، والتي يتعين على البنك التقليدي أن يحسب وزنها النسبي من حيث المخاطر، في سبيل احتساب نسبة الكفاءة الرأسمالية الموحدة للبنك بأكمله.

التجميع
الحل المنطقي لهذه المشكلة يمكن أن يكون عن طريق قيام الأجهزة التنظيمية الإشرافية بتطبيق نظام يقوم على التجميع بدلاً من البيانات الموحدة. على سبيل المثال، حين يمتلك أحد البنوك التقليدية 60 في المائة من أسهم أحد البنوك الإسلامية التابعة، فإن من الممكن أن يُلزَم البنك الإسلامي باحتساب نسبة الكفاءة الرأسمالية وفق الخطوط الإرشادية لمجلس الخدمات المالية الإسلامية.
بموجب نظام التجميع، يمكن أن يأخذ البنك التقليدي 60 في المائة من رأس المال النظامي للبنك الإسلامي، وأن يضيف هذا المبلغ إلى رأسماله النظامي (عند احتسابه على أساس فردي)، وبالمثل يقوم بالاحتساب على أساس التجميع لـ 60 في المائة من موجودات البنك الإسلامي المقومة بالوزن النسبي لمخاطرها. هذا الحل يفيد في التغلب على عدم الاتساق القائم حالياً بين أسلوبي المعالجة التنظيمية لرأس المال.
ولا تتطرق الخطوط الإرشادية للمجلس إلى متطلبات المناهج المتقدمة في حساب الائتمان (أي قياس المخاطر الائتمانية بموجب "المنهج المتطور القائم على التقييم الداخلي للائتمان" أو المخاطر السوقية (منهج النماذج الداخلية Internal Models Approach، أو المخاطر التشغيلية (منهج القياسات المتقدمة Advanced measurement approach، كما جاءت في الخطوط الإرشادية لنظام بازل.
المناهج المتقدمة أكثر حساسية للمخاطر في حسابات الوزن النسبي لمخاطر الموجودات. وفي البلدان التي تسمح فيها الأجهزة التنظيمية للبنوك التقليدية الواقعة ضمن منطقة اختصاصها بتبني المناهج المتقدمة بموجب نظام بازل 2 ولكنها لا تسمح باستخدامها من قبل البنوك الإسلامية، فإن هذا يضع البنوك الإسلامية في موقع تنافسي سلبي، من حيث إنه يضطرها إلى الاحتفاظ بمستويات أعلى من رأس المال، كنتيجة لاحتمال وجود قدر أعلى من الموجودات المقومة بحسب الوزن النسبي لمخاطرها.
إن الالتزام بمبادئ بازل 2 هو طريقة لفرض تغييرات كبيرة ضمن البنوك من قبل الأجهزة التنظيمية المحلية. والبنوك التي تركز ليس فقط على متطلبات الالتزام، وإنما كذلك على خلق القيمة، واستخدام حسابات المخاطر لأغراض التخطيط الاستراتيجي، وتخصيص رأس المال، وإدارة التسعير، فهذه البنوك ستكون في وضع يؤهلها للاستفادة من تبني روح القانون ونصه.

الكاتب هو رئيس قسم إدارة المخاطر في شركة إرنست آند يانج Ernst & Young في البحرين.

الأكثر قراءة