ويب 3.. رغم الصخب لم تنطلق بعد
إذا كانت الحركة التكنولوجية المعروفة باسم ويب 3 بمنزلة منجم الذهب الكبير التالي على شبكة الإنترنت، فلماذا لا نسمع عن مزيد من التطبيقات المفيدة حقا التي سيتم إنشاؤها على هذه المنصة الجديدة؟ ولماذا لا يتهافت مزيد من المطورين عليها لجني الثروة منها؟
تخيم هذه الأسئلة بشكل غير مريح على شبكة ويب 3 مع جموح طفرة الأصول المشفرة - التي من المفترض أن تسهل سير التطبيقات الجديدة التي ستؤدي هذه الحركة إلى إنشائها. تسرب تقريبا تريليون دولار من فقاعة التشفير منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، لكن ما زال يوجد فيها تريليونا دولار أخرى. إذا، ما الاستخدامات الأساسية لهذه الأصول الرقمية التي تبرر مثل هذا الرقم الكبير؟
تستند الحجة المؤيدة لويب 3 على الاعتقاد بأن منصة التكنولوجيا القائمة على بلوكتشاين ستصبح الأساس لفئة جديدة من التطبيقات، مع توسط الرموز الرقمية أشكال التفاعلات فيما يسمى عالم الإنترنت "غير الموثوق به". لن يكون فيها حراس بوابات رقميون لوضع القوانين أو أخذ نصيب الأسد من الأرباح. بل ستكون السيطرة في يد المستخدمين وحدهم.
لكن على الرغم من ذلك، حتى الآن، من الصعب تمييز الاستخدامات السائدة لهذه التكنولوجيا. تستند التطبيقات الرئيسة فيها - الرموز غير القابلة للاستبدال والتمويل اللامركزي - بالكامل تقريبا على المضاربة المالية والمراجحة التنظيمية. لكن عندما يتعرض المضاربون للخسارة المالية ويقرر المنظمون أن الوقت قد حان لسد الثغرات في هذه التكنولوجيا، فماذا سيتبقى إذا؟
لطالما كانت الحقيقة البديهية في وادي السيليكون تقول إنه إذا كنت تريد معرفة من أين ستأتي الأفكار الكبيرة التالية، فابحث عن الوجهة التي يذهب إليها رأس المال والمطورون الأذكياء. أما بالنسبة إلى ويب 3، فبالتأكيد ليس هناك نقص في رأس المال. غير أن عددا قليلا نسبيا من المطورين قرروا الاستفادة من إمكانات هذه التكنولوجيا على وجه الخصوص.
وفقا لدراسة حديثة أجرتها شركة إليكتريك كابيتال، كان هناك نحو 18 ألف مطور يعملون بفاعلية في عالم العملات المشفرة في نهاية العام الماضي. قد يبدو هذا العدد كبيرا. لكن كما يشير توماس تونجوز، صاحب رأس مال مغامر في "ريدبوينت"، فإنه ليس بالعدد الكبير مقارنة بـ16.4 مليون مطور يعملون في "جافا سكريبت"، لغة البرمجة الرئيسة للجيل الحالي من تطبيقات الإنترنت. حتى الرقم 18 ألف يبدو مبالغة للصورة الحقيقية: عدد الأشخاص الذين يقضون عشرة أيام على الأقل في الشهر في العمل على ويب 3 هو أقل من خمسة آلاف شخص.
إن أحد التفسيرات لذلك هو أن قلة قليلة من المطورين يتقنون اللغات الجديدة اللازمة لبناء تطبيقات لامركزية. هذا، كما يقول تونجوز، يحد من معدل نمو شركات ويب 3، لكن ستشهد هذه المشكلة انفراجا حيث يتم إنشاء مزيد من الأدوات التي تجعل العمل أسهل للمهندسين العاملين في هذا المجال.
هذا ليس سوى جزء من التحسين الشامل واللازم كي تصبح تكنولوجيات ويب 3 عملية أكثر. يمكن لإثيريوم - تكنولوجيا بلوكتشاين المستخدمة لتشغيل التطبيقات اللامركزية والمهيمنة حتى الآن - التعامل مع نحو 30 معاملة في الثانية كحد أقصى، وهو عنق الزجاجة الذي تسبب بزيادة رسوم المعاملات. تم توجيه كثير من الأموال المتدفقة في مشاريع العملات المشفرة الجديدة في الأشهر الأخيرة نحو البنية التحتية اللازمة لإنشاء التطبيقات المستندة على تكنولوجيا بلوكتشاين وتشغيلها.
مع ذلك، هذه الثورة في طور التكوين منذ أعوام. أطلقت إثيريوم منذ تقريبا سبعة أعوام. بلغت الموجة الأولى من مطوري ويب 3 الذين جذبتهم العملات المشفرة ذروتها في 2018، وذلك عندما بلغ سعر بيتكوين ذروته لأول مرة. لا يزال نحو خمس هؤلاء فقط يعملون بنشاط في هذا المجال. تبلغ الموجة الأخيرة ضعف هذا الحجم تقريبا، لكن كم من هؤلاء المطورين سيحافظون على ثقتهم إذا ما حصل ركود آخر في تداول العملات المشفرة إثر انهيار أسعارها؟
قد تكون التأخيرات أقل أهمية إذا اتضحت الأهداف الحقيقية من تكنولوجيا ويب 3. عندما ظهرت شبكة الإنترنت العالمية في منتصف التسعينيات، كان من الممكن أن نتخيل ظهور جميع أشكال الأنشطة عبر الإنترنت لأول مرة، من التسوق إلى مشاهدة الأفلام. كان ذلك قبل أن يحلم أي شخص بأسواق إنترنت عملاقة جديدة مثل البحث والشبكات الاجتماعية.
لا تعتمد حجة ويب 3 على "الماهية" بقدر ما تعتمد على "الكيفية". يقال إن اللامركزية نفسها هي نقطة الجذب - وهي فرصة لإعادة صياغة كثير من الأنشطة عبر الإنترنت اليوم في قالب جديد.
من غير المحتمل أن تدوم فكرة المثالية لفترة طويلة إذا لم ير جمهور المستخدمين عبر الإنترنت بعض النتائج الملموسة، بخلاف انتشار المضاربة المالية وإنشاء الميمات. أيضا، تتركز اليوم ثروات العملات المشفرة نسبيا في أيدي قلة، ما يمثل تحديا لفكرة أن هذه الحركة ستوزع الثروة بالتساوي بشكل أكبر.
بدأت الظروف المالية التي غذت طفرة العملات المشفرة بالانحسار، مع استفحال التضخم وبدء أسعار الفائدة بالارتفاع. أدى ظرف مشابه إلى وضع نهاية لفقاعة الدوت كوم، ما تسبب بأضرار بالغة لمعظم الشركات الناشئة، على الرغم من بقاء حفنة من الشركات الرائدة حقا مثل "أمازون" و"ياهو" و"إي باي". حتى الآن، من الصعب معرفة من سينجو من ويب 3.